18 ديسمبر، 2024 8:40 م

حلول ترقيعية وأزمات بنيوية

حلول ترقيعية وأزمات بنيوية

تكون الإمراض في بدايتها صعبة التشخيص سهلة العلاج, بينما في حالتها المتقدم تكون سهلة التشخيص صعبة العلاج, وكذا هو الحال في جميع ما يحيطنا من ملابسات وتداخلات, على كافة الأصعدة والمستويات السياسية والاجتماعية وغيرها.
ليس من الصواب قطعا معالجة الأمراض والأزمات المجتمعية بمختلف حجومها, من خلال جرعات الأدوية المسكنة وبعض من الحلول الترقيعية, التي كثيرا ما تمتاز بضجيج أعلامي غير واقعي, سوى كونه جعجعة فاضيه مرادها إثارة الرأي العام والاتساق معه بالتناغم مع متطلبات مرحلة أنية مؤقتة, ذات انعكاسات وتأثيرات في الشارع أكثر من مدى تأثيرها في معالجة المشكلة من جذرها, وهي السياسية ذاتها التي طالما كان تنتهجها حكومة الكاظمي الحالية من خلال ما شهدناه مؤخرا من إجراءات وخطوات أفضل ما يمكننا وصفها بأنها مفرقعات إعلامية ليس إلا.
ما عادة تنطلي على المواطن العراقي خفايا اللعبة السياسية وما يجري بين سطورها وما يمرر من تحت طاولتها بمسميات وعناوين فضفافة, إن التجارب السابقة التي امتدت إلى أكثر من سبعة عام ماضية كانت كفيلة بصناعة ملكة معرفية لدى المواطن يستطيع من خلالها قراءة الإحداث بواقعية وتجرد بعيدا عن المؤثرات الحزبية أو القومية أو المذهبية.. إن سلوك الحكومة الحالية التي طالما وصفت نفسها بالمحررة من قيود المحاصصة والمنقذة من الأزمات المتجذرة في عمق الواقع السياسي, وعلى رأسها تفشي ظاهرة السلاح “المنفلت” خارج إطار الدولة وتعدد الحركات المسلحة بمختلف عناوينها والتي تعد الأزمة الأكثر تعقيدا في العراقي, لم نجد وحتى اللحظة من حكومة السيد الكاظمي أي إجراء حقيقي تجاه حلحلة هذه الأزمة وتفكيكها, سوى بعض من الإجراءات شكلية الاستعراضية ذات طابع الإعلامي فحسب. إن حلحة مثل هكذا أزمات ينبغي أن يكون وفق معايير واقعية وضوابط مهنية دقيقة خاضعة لدراسة تحليلية عميقة, في حال ان كانت هناك نية حقيقة صادقة في حلحلة مثل هكذا أزمات بعيدا عن الجعجعة الإعلامية وضجيج صفحات التواصل.. إن أول الخطوات التي ينبغي اتخاذها في معالجة مثل هذه الأزمة –السلاح المنفلت كما يعبر عنه- يجب أن تنطلق في معالجتها بالبحث عن المسببات التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة ومحاصرتها باحترافية عالية وليس من خلال الاستفزاز وإثارة النعرات التي ستؤدي بالنتيجة إلى المزيد من التفاقم واتساع الهوة مما سيصعب من ردمها ومعالجة أمرها. أن من جملة الأسباب التي دفعت إلى خلق هذه الأزمات هو سياسية الحكومة ذاتها, بمعنى إن الحكومة هي المسبب الرئيس في خلق البيئة التي جعلت من القوى السياسية والشخوص ولأفراد يشعرون بالغبن الشديد والتخوف من الأخر, نتيجة لغياب ثقة المواطن بالإرادة السياسية والقدرة الحكومية وجديتها في تحقيق ما يصبوا إليه من توفير المساحة الآمنة, التي يفترض ان يتكئ عليها في تعزيز أمنه ووجوده, مما دفع بالأفراد للبحث بأي شكل من الأشكال إلى ما يمكنه للجوء إليه في تعزيز أمنه واثبات وجوده, بطريقة غريزية غير مباشرة.
بالنتيجة؛ إن السبب الرئيس الذي يقف وراء تفشي (السلاح المنفلت كما يعبر عنه) يعود لضعف الحكومة ذاتها وأجهزتها وتفشي الرشا في جميع مفاصلها, مما أدى إلى فقدان الثقة بإجراءاتها وقدراتها على فرض إرادة القانون الذي أصبحت تطبيقاته حكرا على الفقراء. فضلا عن المحسوبية والانتماءات الحزبية التي طالما كانت هي اللاعب الرئيس في جميع مفاصل المنافع الاجتماعية, وبالتالي أصبح دافع لدى الآخرين (باللاشعور) للاتكاء والبحث عن البديل من الخيارات الأخرى التي من شأنها دعم وتعزيز قوة الأفراد في معترك الحياة, كاللجوء للعشيرة أو لحزب أو حركة مسلحة لأجل تعزيز الثقة والاستناد عليها بعد إن استشعر المواطن مدى انهيار الدولة وضعف وارداتها..
في الختام وقبل السلام؛ على الحكومة البحث عن المسببات الحقيقة ومعالجتها والبدء بإصلاح نفسها وتعزيز ثقة المواطن بها.