23 ديسمبر، 2024 11:38 ص

“\u062d\u0644\u0648\u0629 \u0627\u0644\u0628\u0635\u0631\u0629.. \u0647\u0648\u0627\u064a\u0629 \u062d\u0644\u0648\u0629”

“\u062d\u0644\u0648\u0629 \u0627\u0644\u0628\u0635\u0631\u0629.. \u0647\u0648\u0627\u064a\u0629 \u062d\u0644\u0648\u0629”

جزيرة السندباد توأم الصبا

الذكريات تتلاشى ولا من مسؤول يحاسبه ضميره قبل الدستور الذي لا يحاسب احداالخراب الذي حل بالبصرة، جزء من الانهيار الخدمي الذي يعيشه العر اق عموما، لكن ثمة حيز شخصي لمشاعر تتدفق من ذاكرتي المداهمة بجزيرة “السندباد” منتصف السبعينيات، وانا طالب في كلية الطب بجامعة البصرة، حين كنا نقضي أجمل الأوقات، في متع بريئة.. مقتضبة؛ لأن الزمن أضيق من فسحة اللهو بالنسبة لطالب الطب، الذي يدرس 16 ساعة يوميا.. كمعدل عام.. يزيد أحيانا، ولا يقل إطلاقا؛ لصرامة إعداد الطبيب، أكاديميا؛ كي ينزل للبيئة المهنية.. وسط المجتمع، كامل العلم والكمال لله وحده.

كانت “السندباد” جزيرة أحلام بحق.. نمرح ونرتع في فيافيها، المكسوة بالماء والخضراء والوجه الحسن، مشرقين على يوم تالٍ ذي صرامة علمية، نلتزمها صبرا جميلا.
تداعى سحر الخيال الذي تداخل مع الذاكرة، وأنفلت القلب كالمسبحة.. خرزات “سندلوس” تتقافز فوق مرمر صقيل.
لكن آفة الإهمال أكلت الشاهد والغائب والأخضر واليابس والنوايا والهمم والافكار والتطلعات، أجهضت ملاكا من رحم حورية، وحل الشيطان بديلا عن الأمل “الحلو” المرتجى.
الفساد طال حتى أحلامنا.. حطم عذوبة ذكرياتي في جزيرة “السندباد”.. نسفها؛ فكأننا نتلوث به ونشيع لوثته جنونا يفسد الابدان.. يجن جنون خلايا المنطق، في تلافيف عقل، كادت تتمز بشراهتها للإهمال الذي تعانه.
“حلوة البصرة.. هواية حلوة” وأهلها طيبون بإفراط يئد نبض أية خباثة، ترف في جناح حاقد على الجمال، وخصوصا جزيرة السندباد، التي نحتلها أيام الجمع.. قضينا فيها اوقاتاً من السحر الحلال.
تكتظ ايام الجمع وتحتشد العطل، بما لذ من المجاملات الانسانية الراقية، وما طاب من حسن المعشر.. اين ذهبت تلك الخلجات، واي ريح سوداء هبت.. جرفتها إكتساحا، فوصلت الحال بالجزيرة الى كومة ازبال ينعق الغراب… ليس فيها، بل في خراب مشاعرنا التي إنطفأ وهجها وجف نسغ الطلاوة في عروقها.. ليصفر وجه الفاتنة العروس.. كالحا.. البصرة.. وآه من جزيرة السندباد.. كاعب سمراء، ناتئة الانوثة، تحلق فوق تضاريس الغرائز، هدها التعب.. “شبّابة في مهب الريح تنتحب”!
من البصرة المضمخة بذكرياتي الشخصية، أتوسع لأنعى وطنا لن أغادر جماله، مهما آلمني ما آل إليه العراق.. عموما، وما نالني من حطام شخصي، لرؤيتي الذكريات تتلاشى، ولا من مسؤول يحاسبه ضميره قبل الدستور الذي لا يحاسب احدا.
قيل “البصره ميناء وفيها نفط” المفروض ان تكون اجمل بقاع الارض “بس” لكن سوء الادارة، على مر الزمن، أوصلها لما نحن عليه؛ فكل مرحلة تنحت بجرف الشعب، حتى بات على بعض المواطنين، الاعتصام بالكرامة الشخصية، أستغناًءٌ عن المغريات التي تفضي للموت الاجتماعي العام.. نتنفس نفايات ونشرب… إفرازاتنا.. لا عراق.. نحن في مرحلة اللادولة، الكل تحت شلال من صخر ذائب ينهمر.. منصهر بركاني يطلق حمما نحاسية لاهبة بدرجات تفوق سعير جهنم، تنصب على ارواحنا.
ليس فقط من المنطلق الشخصي، الذي تناولته.. إنما الحفاظ على جماليات البيئة والارتقاء بها، وتمرين الفرد على التماهي مع محيطه الاجتماعي، واجب يعدو ذكرياتي الشخصية.. طالب طب.. في جزيرة السندباد، الخالدة في خيالي عينا بعد أثر إمحى في الواقع وإنداف سحر ألق الثريا بأديم غبرة الثرى! إنما ثمة وطن يتمزق، آخذا معه كل شيء: الشاهد والغائب والأخضر واليابس والنوايا والهمم والافكار والتطلعات.