23 ديسمبر، 2024 2:05 ص

عبارة (حلم ليلة صيف).. ليست غريبة على الكثير من القراء الاعزاء ، لانها عنوان لاحدى مسرحيات الكاتب الانكليزي وليم شكسبير ..تناول قصة حبيبين يونانيين عاشا ليلة خيالية غريبة تصورا كلاهما انها مجرد حلم ، حلما به سوية..غير انها الان عنوان لحلم انسان عراقي عاش مخاض طويل مع الحروب والانتكاسات والازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية حتى بدء يبحث في الاحلام عن بعض الامل المفقود والمسلوب منه عنوة ..نام هذا الانسان في ليلة صيف قائضة تجاوزت درجات الحرارة في نهارها الخمسين مؤية ، مع انعدام شبه تام للكهرباء التي صرف عليها في بلاده اكثر من عشرون مليار دولار ولو ان هذه المبالغ صرفت على كوكب المريخ لانارته، وبرغم الحر الا انه نام مطلقا العنان لخياله الجامح  ان يرحل بعيدا عن واقعه المزري ..حلمت بأن المقاتلين المتطرفين من داعش واذنابها قد عادوا الى اوطانهم بعدما وفرت لهم حكوماتهم سبل الحياة الكريمة من الحرية والعمل وفرص للزواج  ، بدل البحث عن رغباتهم المكبوتة في مغارات تورا بورا وحلب والموصل فيما يسمى بجهاد النكاح او قتل انفسهم بتفجيرها على المسلمين لينالوا الحور العين في العالم الاخر ، ورأيت هؤلاء المتطرفين يربون اطفالهم على احترام الاخر وحب الناس بغض النظر عن معتقداتهم وانتماءاتهم الدينية والمذهبية ،  بدلا من ثقافة الاقصاء والقتل التي تربوا هم عليها ، واصبحوا بين ليلة وضحاها مواطنين صالحين وتخلص الناس من شرورهم ..وحلمت ان اللحمة الوطنية قد عادت الى ربوع بلدي بعد ان اختفت كل المسميات الطائفية والقومية والمناطقية ووقف الجميع خلف عنوان كبير يسمى (العراق )..وحلمت في هذه الليلة القائضة بان في العراق تشكلت حكومة وطنية تضم كفاءات علمية وثقافية بعيدا عن المحاصصة الاثنية والعرقية وان جميع الكتل السياسية قد تنازلت عن شروطها وامتيازاتها لصالح المواطن العراقي المسكين ، وان مجلس النواب قد اخذ دوره الذي وجد لاجله في مراقبة مؤسسات الدولة ومحاسبة المسؤولين المقصرين في اداء عملهم والفاسدين منهم وتخلى عن نزاعاته التي هي احد اسباب تأزم الشارع العراقي ..وحلمت بان امانة بغداد تخلت عن نظرية الارصفة والجزرات الوسطية والتي هي اكثر تعقيدا من النظرية النسبية لانشتاين ، وبدأت ببناء المنتزهات ومدن الالعاب والساحات العامة بعدما رصفت بالاسفلت (بلطت ) جميع شوارع وازقة بغداد ، وحلمت ان الماء الصالح للشرب قد وصل الى اقصى قرى ومدن العراق العائمة على بحار البترول وان مدارس الطين والجريد قد اختفت منها والى الابد ..وحلمت بان معاملنا قد دارت فيها عجلة الاتناج وبدأت تنتج بضاعة يكتب عليها (صنع في العراق ) ، وان عمالنا الكادحين قد ملأوا عنابرها وخطوطها الانتاجية ببدلاتهم الزرق ، واصبحت البطالة في خبر كان  ..وحلمت ان  مزارعنا قد عادت اليها الحياة مرة اخرى ، وافاقت من نوبة الاغماء القصرية التي اصابتها ، فاصبحنا شعبا مستهلكا بامتياز نستورد كل شيئ ، حتى باقة (الكرفس) ،  بعدما  اصبحت ارضنا بور وفلاحينا باتوا يبيعون الياتهم الزراعية  واسمدتهم لدول الجوار  ..وحلمت ان نفطنا اصبح ملكا لنا بعدما حرمنا من خيراته  منذ ان اخرجه السلطان العثماني عام 1912 الى مؤتمر عمان التي تأخذ نفطنا مجانا وتتاّمر علينا لتقتل اطفالنا ..وحلمت وحلمت وحلمت .. لاستيقض على صوت بكاء ابني الصغير الذي اعيته شدة الحر في ليلة صيف قاسية غابت عنها الكهرباء .