19 ديسمبر، 2024 1:14 ص

حلمٌ بانتظار الشروق -نص

حلمٌ بانتظار الشروق -نص

( حلمٌ بانتظار الشروق)- نص
ظل ينتظر حلما، لم يجيء إليه بعد، ينتظره وهو في البيت، وفي العمل، وفي المقهى، وفي كل مكان، يكون فيه. حلمٌ، لم يتحقق؛ انما هو، ظل ينتظره أن يتحقق ذات يوم. لكن، الذي كان قد تحقق؛ هو دوي الرصاص، الذي ما كان منه الا ان يمزق هذا الحلم المنتظر الى شظايا، وتم نثره في جميع الارجاء. انما هو لم ييأس ابدا؛ رغم ان ما كان يحلم به، وما هو الى الآن يحلم به؛ لم يظهر له وجود، ولو بصيص آمل منه؛ فقد تمزق واختفى وراء دوامة الغبار والدخان. يواصل تحديقه الى جهة الشرق، حيث من هناك كل يوم تشرق الشمس، من تلك التي هي من تواصل الشروق، على مدار كل الازمنة، وعلى جميع امكنة الوجود. بينما الشمس الحلم، التي يحلم بها ، أو استمر في انتظار أن تطل عليه، من بين انبلاج الفجر؛ كي تتعرف على صيرورته الكائنات الادمية التي طال انتظارها له، فقد امحى القهر، جميع صوره من الاذهان؛ لم يشرق بعد. انما الذي كان وقد انبثق من هناك، من مشرق الشمس؛ شمس ملتهبة بالنار، بالنار التي لها قابلية ذوبان الحديد، حتى يتحول الى سائل كما المياه الحارقة التي تفجرها البراكين من اعماق الجبال الشاهقة. لتجري في الشوارع والدروب والساحات والحدائق، وحتى داخل البيوت الأمنة التي حين دخلتها، سرقت منها الأمن والأمان، نثرت فيها، وفي جميع غرفها؛ الخوف والقلق والترقب. لكنه، تابع انتظاره لحلم بات قصيا. ظل يحلم؛ ان يستعيد الحلم كينونته التي عرفته الناس بها؛ وكان هو لها اريج للحياة والآمل. كانت فيه، في داخل هذا الحلم، حين كان حلما في متناول يد المقهور؛ قوة من الصبر والتحمل وإرادة العمل، يمنحها بالحث لمن يعشقه؛ على تحقيق ما تريد نفس هذا الانسان؛ من الحرية، على ان يكون هو، وليس ما يريد الاخرون منه؛ ان يكون على شكل وصورة، ترفضها نفسه، ولا يقر لها قرار في عقله، الذي يستمر حالما، ومتفكرا، ومتألما في اختفاء الحلم، الذي لم يمل من ان يظهر له، ذات يوم. انما ما يحلم به، لم يتوقف، ولو لثانية من الركض بين ثنايا دماغه الموجوع. يسمع من بين اتون النار؛ صراخ اطفال ونساء وشيوخ وشباب في مقتبل العمر، يطلبون الاسعاف والنجدة، لكن الانحاء كلها فارغة، تصفر فيها الريح، لتضيع تلك الصرخات بين ازيز الرصاص، ودوي المدافع، وانفجارات القنابل. الدم يسيل في الطرقات، والموت ينتشر في كل مكان من وطن حملته طائرات اليانكي، على اجنحتها، واسقطته نثارا على الارض. لم يمل من العمل والانتظار، ازداد اصرارا اكثر واكثر كلما ضاقت به الدروب؛ على ان يجمع الحلم الذي حولته الطائرات الى نثارا على اديم الارض؛ يجمع هذا النثار الذي لم يزل صلبا، يقاوم الاندثار. ثمة مجاميع كبيرة، كبيرة جدا، قريبة منه، قريبة جدا، ترتفع الصيحات من حناجرها؛ انه الوطن يا ناس. كأن الارض انفجر فيها، أو من اعماقها بركان من الصراخ: اجمعوا شتات وطن شتته الضباع. نظر الرجل، الى جهة الشرق، نظر الى هناك، الى حيث تشرق الشمس التي طال بها المقام هناك، وراء جهة الشرق، استمر مكوثها هناك لعدة عقود، ربما هي لا تدري ان ثمة من يعمل على ان تشرق بسرعة، حتى بها، يستعيد صيرورته الأولى، كي يكون مرئيا للناس الذي طحنتهم وقائع ما هم فيه. تعالى النداء الى الوطن الذي لم يصله بعد، هذا النداء، أو ان الصحيح هذه النداءات التي حجبتها عن المسامع انفجارات قنابل الطائرات، واصوات الرصاص في الطرقات. تجاوزت النداءات حاجز شمس النار والحديد والموت والخوف والقلق، عبرت هذه الجدران، الى اسماعه، الى المكان الذي عليه، كان يقف كما يقف العاشقون له، الى الدرجة التي تماهى معهم، وهم قد تماهوا معه، حتى لم يعد هناك فرق بين الصورتين، كانت هناك صورة واحدة للناظر والمتأمل؛ منتظرا حلما كبيرا بسعة الوطن. عندها تأمل الحلم، أو تأمل الناس، لا فرق، فقد صارا الحلم والناس والوطن، كائنا واحدا. حدق في جهة مشرق الشمس متبسما؛ حين رأى حمرة الشفق تتماوج في الافق البعيد، وفي قلب هذه الحمرة، قرص الشمس، يقاتل شياطين النار؛ كي يخرج حتى يتمكن من اضاءة وطن عمت فيه عتمة الضباع..