تشهد المنطقة العربية في الوقت الراهن تحولات سياسية كبيرة، مع تغييرات تعكس إعادة ترتيب استراتيجيات إقليمية ودولية واسعة. ومن أبرز هذه التحولات العلاقة المتطورة بين إيران وحلفائها، خاصة في سياق قوات الحشد الشعبي في العراق والآخرين في المنطقة. خلف الكواليس، يصبح دور إيران في استغلال تحالفاتها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية أكثر وضوحًا، وغالبًا على حساب أمن ومستقبل شركائها.
لطالما استخدمت إيران نفوذها في المنطقة لتحقيق أهداف متعددة، بدءًا من تعزيز طموحاتها النووية إلى إقامة موطئ قدم لها في مناطق استراتيجية مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى تحول قد تكون له تبعات كبيرة وطويلة الأمد على حلفائها. هذه التغيرات تظهر بشكل خاص في حالة حزب الله ونظام الأسد، اللذين كانا من أهم ركائز استراتيجية إيران الإقليمية. يشير التراجع الظاهر في دعم إيران لهذه الجماعات إلى تحول في أولويات طهران قد يقوض تحالفاتها ويقلل من نفوذها في المنطقة.
من أبرز التطورات هو تخلّي إيران الظاهر عن النظام السوري، الذي كان أحد حلفائها الرئيسيين في المنطقة. ورغم أن الأسباب الكاملة وراء هذا التحول لا تزال غير واضحة، تشير بعض المصادر إلى أن صفقة سرية، قد تشمل تغيرًا في استراتيجية إيران الإقليمية، قد تكون في طور الإعداد. وقد تتكشف التفاصيل في المستقبل القريب، مما يوفر مزيدًا من الوضوح حول الديناميكيات المتغيرة بين إيران وحلفائها السوريين.
بعيدًا عن سوريا، يثير العلاقة بين إيران والفصائل العراقية التي تشكل جزءًا مما يسمى “محور المقاومة” تساؤلات حول التزامها بهذه الجماعات. تم تأسيس هذه الفصائل، التي تمثلها بشكل رئيسي قوات الحشد الشعبي، لمواجهة تهديدات داعش، لكنها أصبحت مرتبطة بشكل متزايد بمصالح إيران. وكان القادة الرئيسيون في الحشد الشعبي، مثل نوري المالكي، رئيس وزراء العراق السابق، وفالح الفياض، مستشار الأمن الوطني، ,وهادي العامري …….الخ من الداعمين الرئيسيين لتحالف الميليشيات العراقية مع إيران. في المراحل الأولى من النزاع السوري، دعا هؤلاء القادة إلى نشر ميليشياتهم في سوريا، تحت ذريعة حماية المقدسات الشيعية ودعم نظام الأسد. وقد تم تشجيعهم على إرسال قواتهم إلى الحدود السورية العراقية، وهم واثقون من دعم إيران لهم.
ومع ذلك، فوجئ هؤلاء القادة عندما بدأت إيران في سحب قواتها من سوريا، بما في ذلك القادة العسكريين من فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني. هذا التحرك، إلى جانب إعادة توجيه القوات إلى العراق ولبنان، ترك قادة الحشد الشعبي في حالة من الارتباك والشك. كانت قوات الحشد، التي كانت تُعتبر في السابق أداة لمصالح إيران الاستراتيجية، تجد نفسها الآن في وضع غير مستقر، غير متأكدين من مكانتهم في ظل التحولات في سياسة إيران. ورغم اعتمادهم الكبير على إيران، تم إصدار أوامر لهم بالبقاء في مواقعهم على الحدود دون المشاركة بشكل أكبر في الصراع.
لقد كان قادة الحشد الشعبي، مثل المالكي والفياض والعامري، في السابق جزءًا من رؤية إيران الأوسع للمنطقة. لكن وضعهم أصبح أكثر تعقيدًا الآن، حيث يواجهون واقعًا جديدًا يتعلق بتغير أولويات إيران. إن سحب الدعم الإيراني يطرح تساؤلات حول الاستدامة السياسية لهذه الفصائل وتأثيرها داخل العراق. كما أدى ذلك إلى زيادة التدقيق الداخلي والإقليمي في التزام إيران تجاه حلفائها. قد تجد قوات الحشد الشعبي نفسها الآن أمام مفترق طرق، حيث يتعين عليها تحديد مستقبل تحالفاتها في وقت يزداد فيه عدم اليقين.
يعد هذا التطور الأخير تذكيرًا صارخًا بالطبيعة المتقلبة للتحالفات الإقليمية. يبدو أن العديد من حلفاء إيران، الذين كانوا يعتقدون أن ولاءهم لها سيحميهم، قد يكونون في خطر أكبر مما كانوا يتصورون. ومع استمرار إيران في التركيز على تحقيق أهدافها الوطنية، بغض النظر عن العواقب على حلفائها، من المحتمل أن يجد المزيد من شركائها في المنطقة أنفسهم في موقف مشابه. يشمل ذلك ليس فقط قوات الحشد الشعبي، ولكن أيضًا الجماعات المدعومة من إيران في لبنان وسوريا وأماكن أخرى، الذين قد يواجهون نفس المصير.
تعكس الديناميكيات المتغيرة في المنطقة ليس فقط تغير حظوظ تحالفات إيران، ولكن أيضًا إعادة ترتيب جيوسياسية أوسع في الشرق الأوسط. ومع استمرار إيران في سعيها لتحقيق أهدافها النووية ورغبتها في النفوذ، أصبح من الواضح أن شراكاتها طويلة الأمد قد تكون مهددة. تشير هذه التطورات إلى أن الاستقرار الإقليمي قد يكون مهددًا، مع تداعيات طويلة الأمد على المنطقة والمجتمع الدولي. مع إعادة تعريف إيران لدورها الإقليمي، ستلعب تحالفاتها، ومصير شركائها الرئيسيين مثل قوات الحشد الشعبي، دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط.