تقليد سومري لا زال سارياً في مجتمع أهوار الجنوب, عندما تلد (الجاموس) وليداً ميتاً يبادر اصحابها لأخفاءه ثم افراغه من أحشائه واعادة ملئه بالقش (الكشاش) اي تحنيطه ويطلقون عليه (البو) حيث من عادة الجاموس لا تعطي (تدر) حليباً الا بعد ان تتشمم وليدها لتتأكد من انه اخذ حصته من الحليب, لهذا يوضع (البو) قرب مراضعها لتدر الحليب لأصحابها, انها خدعة لأستغفال عواطف الأمومة عند الجاموس .
العملية السياسية التي ولدت بعد الأحتلال عام 2003 على يد القابلة الأمريكية كانت ميتة وكان مجلس الحكم الموقت (البو) الأول لموتها, اثناء كل دورة انتخابية يتشمم العراقيون الروائح الطائفية ــ لبو القائمة ــ ليوهموا انفسهم على ان هناك عملية سياسية حية ذات مقبولية وشراكة حقيقية وديمقراطية ايضاً, بعدها (يدروا) اصواتهم في صناديق الأقتراع .
ثلاثة عشر عاماً وحكومة (بو العملية السياسية) ترضع اصوات العراقيين لتبصقها فضلات من التصريحات والمواعظ والأفتاء, بعض الكتاب يشاركون في استغفال القراء على ان (البو) الفلاني فيه حياة وفي داخله مشاعر وطنية مع انه ذات المحنط المحشو (بتبن) الصفقات, عملية استغباء ليس بأستطاعتها اعادة الحياة (لبو محنط) شبع موتاً, انها وصفة استثقافية لا تهضمها التجربة العراقية المثقلة بأحداث الخذلان, المشروع الأمريكي وحده الذي يقهقه على ذقوننا نحن الذين تعودنا الا ندر اصواتنا ان لم نتشمم طائفية وعنصرية (بو مرشحينا) .
حكومات (البو) استورثت وظائفها من خارج الحياة, جنائز تعفن اخرى محشوة بتبن فسادها لا حاضر للعراق ولا مستقبل له معها, لا تعرف كيف تعالج مأزق موتها ولا تقبل نصيحة او مساعدة الأصدقاء من خارج خيمة الصفقات الأمريكية, بعد ان اثبتت الوقائع الدامغة, على ان داعش طرفاً في المشروع الأمريكي, تواصل حكومات (البو) انبطاحها المريح ورفضها مساعدة من يحاول انقاذ العراق من بين فكي مصيدة مشروع التقسيم .
الحكومات التي تشكلت عبر صفقات دولية اقليمية وخيانات محلية, لا يمكنها ان تكون الا (بواً محنطاً) ومن السذاجة ان ننتظر منها مشاعر او احاسيس وطنية, حكومة اضلاعها واطرافها من قصب وداخلها محشوة بتبن فسادها لا يمكن ان نطالبها بمواقف وطنية, فقط نتمنى من اهلنا ان يسحبوا او يبتلعوا اصواتهم او يتخلوا عن قيمتهم الأنتخابية حتى لا تلحق اصواتهم اضراراً بهم وبالوطن معهم .
القبور وحدها لا تتحرك ولا تحرك, تُجاور بعضها مدى الحياة, فهل سيستمر العراقيون وحكومة (البو) تابوت الى جانب تابوت في مقبرة الوطن, سئمناكم اهلنا ورفقة حكومات البو, واقفون على رؤوسكم وكل شيء في نظركم مقلوباً, متى ستعلنوا الفطام عن ماض هتك فيكم وظيفة العقل والرؤى الواعية, تنتظرون من رجل دين ان يهديكم الى طريق الأنتماء والولاء للأرض من فوق صومعته السماوية, او نداء مرجع من خارج الحياة وكأن الوطن لا نداء له .
بو حكومة العبادي مثلاً, صفر المصداقية, نافذة تتدفق منها كل اسباب الأذلال والأستحقار لوطن كان العراق, اتحاد قوى المادة (4) ارهاب تجلب للعراق من مزادات الأرتزاق الخارجي موته اليومي, التحالف الشيعي المسكون بعقدة العبودية والجوع من داخل فائض التخمة, اطرافه مشغولة بكسر عظم بعضها يتقاتلون حول الغطاء وقد سحب من تحتهم البساط, مسعود البرزاني الذي يعاني عده التنازلي, لازال يتطفل على نقاط الضعف العروبي, جميعهم وجوه لعملة الخراب العراقي .
هل يمكن لتلك الوجوه التي تحمل سيماء المشروع الأمريكي للتقسيم والتحاصص ان تخرج من تحت جلد (بو العملية السياسية) لتعيد للعراق الحياة دولة وسيادة وشعب يسترجع عقله ليمارس عقلانيته وعياً في ربيع الحريات الديمقراطية ويعيد قراءة ابجديات اجداده ليكتب تاريخهم العراقي من جديد .. ؟؟ .
ـــ لا ابداً .. تلك مهمة الأحياء وهم تعفنوا أتبان من داخل احشاء البو, هنا على العراقيين ان يسحبوا اقدامهم من حافة المنزلق ليعيدوا تقييم موقع اصواتهم وخيارهم من يستحقها, من الحماقة والأستغباء ان يمنحوها لبو الفساد فقط لأنه يحظى بمباركة المرجع الديني, البو الحكومي فارغ من المشاعر الوطنية .
اهلنا الأعزاء : اصبحنا واياكم طبخة لشعوذة الحياة, فاقدين الرشد غوغاء على ضفة الجنون, نجتر المقدس مغموساً بعوائد النفط, ان فقد او لم يعد ضروري, سنعود عراة الى مقدسات جاهليتنا وهمجية الغزو والسلب لبعضنا, نقطة الأنحطاط القيمي في صحراء عروبتنا لينتهي مقدسنا ذكرى مثيرة للأسى في نفوس الأجيال الضحية, لا مواطنة لمن لا وطن له وستولد ارواح الشرفاء تراثاً على ارضهم العزيزة, التغيير يبدأ من عمق الأنسان وليس من خارجه وتلك مهمة المثقف الوطني حصراً .