18 ديسمبر، 2024 8:06 م

حكومة عبد المهدي . . لا انفراج في الافق

حكومة عبد المهدي . . لا انفراج في الافق

يتسائل المواطن العراقي عما انجزته حكومة عادل عبد المهدي من وعود بعد ستة اشهر من تنصيبه رئيسا لوزراء العراق في 25اكتوبر من العام الماضي . في وقت تتصاعد فيه معدلات الفقر والبطالة وتردي الخدمات
فالتحديات الهامة التي واجهها العراق مازالت كما هي من ناحية الاستقرار السياسي والامني او مكافحة الفساد
لقد ادى اهمال المشاكل والازمات الى تراكمها , مما قد تؤدي الى انفجار الشارع العراقي . خصوصا وان حكومة عادل عبد المهدي تمثل الفرصة الاخيرة للكتل السياسية نتيجة عجزها عن ادارة الدولة خلال الاعوام العجاف الماضية . وهي في كل مرة تقوم بتدوير نفاياتها في حلقة مفرغة من الفساد والفشل الذريع في تقويم الدولة , وقد ادخلت البلاد في نفق مظلم من النكبات والمشاكل في المجالات كافة وكأن هناك خطة موضوعة سلفا لافراغ العراق من كل امكانياته البشرية والاقتصادية فتعطلت المصانع واقفلت المدارس وتوقفت الزراعة واصبحت المستشفيات خاوية الا من المرضى . ولم نحصل سوى الوعود وكان اخرها وعود السيد عبد المهدي التي عجز عن تنفيذها . او المبادرة في وضع البلد على السكة الصحيحة

ولنرى على عجالة اهم الملفات التي واجهت عادل عبد المهدي وعجز عن ايجاد الحلول الناجعة لها , مسترشدين ببرنامجه المقدم الى مجلس النواب

حكومة غير مكتملة
فالوزارة مازالت غير مكتملة . حيث تعذر التوافق على بعض الوزارات , مثل الدفاع والداخلية والتربية , ورئيس الوزراء يعزو ذلك الى عدم توافق الكتل الحزبية . وهو اساسا قد عين للقضاء على المحاصصة واختيار الكفاءات . ولاننسى قيامه بفتح باب الترشيح لكل الكفاءات بعد ان ادعت الكتل السياسية زهدها بالوزارات والمناصب ولكنها سرعان ما تنازعت على حصصها من الكعكة الحكومية , ومازالت تفرض اسماء معينة مثل الفياض الذي اصبح عقدة المشاكل المعلقة بين الكتل والاحزاب والتي مازالت تتصاعد , حتى هدد البعض منها بالانسحاب من التشكيلة الوزارية والذهاب الى المعارضة

تنشيط الاقتصاد
لقد كنا نعتقد على وفق المقالات التي كان يكتبها السيد عبد المهدي حول الاقتصاد العراقي , ان يقوم بدعم الصناعة المحلية . واعادة تنشيط معامل القطاع العام . وايجاد فرص عمل للشباب العاطلين . . ولكننا لم نر او نسمع عن اي معمل من معامل وزارة الصناعة العديدة قد تم تاهيله , بعد ان كانت هذه المعامل مزدهرة . . مثل معمل الحديد والصلب ومصلحة تعليب كربلاء والشركة العامة للجلود ومعامل الالبان في ابوغريب , ومعامل الاسمنت , والصناعات الخفيفة ومعامل النسيج وفتاح باشا والسجاد العراقي , والزيوت النباتية والسكر , وصناعة الكيمياويات والاسمدة , والادوية في سامراء والزجاج في الرمادي وكثير غيرها

المنافذ الحدودية
وموضوع الصناعة المحلية اعلاه له علاقة بفتح المنافذ الحدودية التي اصبحت مشاعة للاحزاب والكتل السياسية الحاكمة وبلا رقيب من الحكومة او من اقليم كوردستان . وتمارس هذه المنافذ نشاطات تجارية على مدار الساعة , حيث يستورد العراق بضائع ومعدات واجهزة متنوعة , اضافة الى الاطعمة والخضار , واصبح كل شئ مستوردا تقريبا , مما اثر تاثيرا سلبيا على المنتجات المحلية , الصناعية والزراعية
ان واردات المنافذ الحدودية تخصص نصفها للحكومة المركزية , والنصف الاخر للحكومات المحلية . وبحسب مسؤولين وبرلمانيين فان الحكومة المركزية تخسر سنويا حوالي ستة مليارات دولار من هذه الموارد . حيث تسيطر الاحزاب والميليشيات المسلحة على غالبية هذه المنافذ , اضافة الى فرض رسوم غير قانونية واتاوات على التجار كشرط لدخول بضائعهم , كما ان الفساد في المنافذ الحدودية لايقتصر على الخسائر المالية فقط , بل يمتد الى مشاكل صحية عديدة على حياة المواطنين لانه يسمح بدخول بضائع فاسدة ومنتهية الصلاحية , و مسرطنة , اضافة الى تهريب المخدرات

السيول والفيضانات
لقد كشفت السيول والفيضانات عدم القدرة على ادارة الموارد المائية وانعدام التنسيق بين اجهزة الدولة المختلفة . اضافة الى انعدام المرونة في توزيع المياه حيث عانى السكان علي ضفاف نهر دجلة من فيضانات مهلكة . في حين عانى سكان حوض الفرات من شحة في المياه في نفس الوقت
كما ان غرق العبارة في مدينة الموصل قد كشف الفساد والرشوة المتفشية في محافظة نينوى . فالمحافظ مجرد بلطجي ونصاب عين لابتزاز اموال النازحين والاموال المخصصة لاعمار المدينة بعد تحريرها من الدواعش المجرمين . وجرائم الموظفين الفاسدين في المحافظة لاتختلف عن جرائم الدواعش . ولم نجد اي تحرك من رئاسة الوزراء او مجلس الفساد باحالة الرؤوس الكبار الى المحاكم بعد التحقيق في غرق العبارة عدا المحافظ , وبعض الموظفين الصغار

تعطيل الدستور
والدستور مازال معطلا في كثير من نصوصه خصوصا فيما يتعلق بالمجلس الاتحادي الذي لم يشكل الى يومنا الحاضر . وكذلك تفعيل مجلس الخدمة الاتحادي الذي تسعى الاحزاب لتعطيله حتى يتسنى لها تعيين من تشاء في دوائر الدولة بغض النظر عن الشهادة والخبرة والممارسة . وكذلك تطبيق المادة 140 من الدستور الخاصة بالمناطق المتنازع عليها التي لم يجر تنفيذها رغم مرور سنوات طوال على تشريعها . اضافة الى التعيينات بالوكالة المخالفة للدستور وقرارات وقوانين اخرى لايسع المجال لذكرها

الهيئات المستقلة
مازالت الهيئات المستقلة مرتبطة بمجلس الوزراء خلافا للدستور وهي تدار من قبل الاحزاب والتكتلات وتخضع للمحاصصة الحزبية الطائفية والقومية , شأنها شأن الوزارات . علما ان بعض الهيئات مثل شبكة الاعلام العراقية تحصل على دعم مالي يفوق وزارة الثقافة وهي من اكثر الهيئات الحكومية تمويلا . وخلال الحكومات المتعاقبة في العراق تم استحداث اكثر من هيئة وخصوصا في فترة حكم نوري المالكي . وقد شكلت هذه الهيئات بابا واسعا للفساد . كما ارتفع عددها حتى وصل الى اكثر من 25 هيئة . منها هيئة الحج والعمرة والبنك المركزي . ومؤسسة الشهداء . ومؤسسة السجناء السياسيين . وهيئة الاستثمار . وديوان الرقابة المالية وبيت الحكمة وهيئة الاقاليم . وامانة بغداد . ومجلس الاعمار . وهيئة النزاهة وهيئة المسائلة والعدالة . وهيئة الاعلام وهيئة الايرادات الاتحادية . وهيئة السيطرة على المصادر المشعة وهيئة الاوراق المالية . والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الاتصالات . وهيئة التوازن . والمفوضية العليا لحقوق الانسان وكذلك الوقفين الشيعي والسني . وهذه الاوقاف تحصل على موازنة تزيد على موازنتي الصحة والتربية مجتمعتين . . واغلب هذه الهيئات تدار بالوكالة خلافا للدستور

مجلس الفساد
ومجلس الفساد الذي كان من المؤمل تفعيله . نجده عاجزا عن اتخاذ اي خطوة جادة في مكافحة الفساد رغم مضي ستة اشهر على بدء اعماله . ولم نسمع او نرى اي فاسد كبير قد احيل الى القضاء . لابل ان من احيلوا الى المحاكم قد خرجوا بعد دفع مبالغ زهيده على وفق قانون العفو الذي يشجع السرقة والرشوة والفساد . وهو بالاساس مخالف للدستور لكونه يتعلق بالتنازل عن الاموال العامة
وقد ذكر النائب صباح الساعدي ان رواتب مكتب رئيس الوزراء بموجب موازنة 2019بلغت 155 مليار دينار . . يضاف اليها المنافع الاجتماعية بمبلغ 504 مليار دينار . . اما مكتب القائد العام الذي يضم 62 موظفا فقد بلغت رواتبهم السنوية 55 مليار و191 مليون دينار اي ان راتب الموظف الواحد حوالي 900 مليون دينار شهريا . . انها عمليات سرقة اموال الشعب مشرعنة بالقانون . ويتكلمون عن محاربة الفساد

الدولة العميقة
والدولة العميقة التي يديرها حزب الدعوة ورئيس الوزراء الاسبق مازالت عناصرها تصول وتجول في اجهزة الدولة المختلفة ومنظمات المجتمع المدني , وتتخذ القرارات باسم الدولة , وهي تحتمي ببعض فصائل الحشد الشعبي او الميليشيات الوقحة وغير الوقحة . . وهذا البطاط يهدد على رؤوس الاشهاد وزارة الداخلية وضباطها ويهاجم الجيش العراقي في معرض دفاعه عن واحد من بني قومه بزعم احترام العمامة . هذه العمائم من مختلف الطوائف التي مرغت الدين بالفساد والسطو على اموال الفقراء والمساكين . . مع احترامنا الكبير للعمائم النزيهة المحترمة المتفرغة للشؤون الدينية ولم تتلوث بالسياسة ومغرياتها

هيبة الدولة
وهيبة الدولة مازالت مفقودة في الداخل والخارج , حتى سيطرت العشائر والميليشيات المسلحة على كل مرافقها تقريبا . وذهبت سيادة العراق ادراج الرياح نتيجة التدخلات الخارجية من دول اقليمية وكبرى . حتى اذا مازار العراق احد المسؤولين من مختلف الدول فانه يزور رئيس الجهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورؤساء الوزراء السابقين ورؤساء الاحزاب ورجال الدين ايضا. ليكون فكرة واضحة عن سياسة الدولة , لعدم وجود سلطة مركزية واحدة لادارة شؤون البلاد وتنظيم العلاقات الديبلوماسة مع دول العالم . كما ان كثير من المعممين ورؤساء الكتل يصرحون ماشاء لهم تجاه دول ذات سيادة دون الاخذ بنظر الاعتبار الاعراف والتقاليد الديبلوماسية

عقارات الدولة والمواطنين
اما عقارات الدولة والمواطنين المهجرين وخصوصا المسيحيين منهم فقد شهدت اوسع عمليات تزوير وبيع خارج القانون خلال الفترة الاخيرة تحت ذرائع شتى منها الاستثمار والتملك , او باسم الاوقاف وغيرها من الحجج , وتتم كلها باسلوب البلطجة والتهديد بالسلاح او الرشاوي بمليارات الدنانير , وهي بحماية فصائل مسلحة تدعي او تنتسب الى الحشد الشعبي . وشهدت دوائر التسجيل العقاري اكبر عمليات تزوير في سندات الطابو من قبل الموظفين انفسهم خصوصا في الكرخ والنجف الاشرف والبصرة والموصل وسامراء وغيرها

الامن الوطني
والامن مفقود حتى كثرت عمليات الاغتيال والخطف مقابل فدية , اضافة الى الاتجار بالنساء والاعضاء البشرية . واصبح فقدان الامن هاجسا يخيف الكثير من المواطنين , كل ذلك على مراى ومسمع قوى الامن الداخلي . وقد صرح النائب عدنان الاسدي عضو اللجنة الامنية في البرلمان العراقي ان الضابط الذي ينفذ القانون يحرق بيته . وقد اصبحت بعض العشائر اقوى من الجيش تسليحا وسطوة . رغم ان هناك قوات عسكرية وشرطة وتدخل سريع ومكافحة الارهاب . ولكن ارادة فرض النظام والقانون مفقودة

مجلس النواب
خلال الفترة المنصرفة من عمر الحكومة لم نجد اي متابعة لمجلس النواب لاداء الوزارة وماتم تنفيذه من البرنامج الذي عرض عليه . وهذه من اولى واجباته . وبدلا من ذلك تم استضافة رئيس الحكومة لسؤاله عن عديد القوات الامريكية فقط . من دون الاشارة الى قوات الدول الاخرى داخل العراق وعلى الاخص تركيا وايران . ولم يستجب السيد عبد المهدي لهذا الاستدعاء , وغادر العراق في جولة اوروبية

هكذا تسير الامور كل له اجنده ينفذها ولاعلاقة له بمشاكل
المواطنين او انهيار البلد الوشيك نتيجة السياسات غير المسؤولة

ومن جانب اخر وحسب المرصد النيابي , فان مجلس النواب العراقي كلف موازنة البلد لهذا العام 72 مليار دينار عراقي منذ انطلاق
دورته الاخيرة والى الان ، وانه لم يشرع سوى قانون يتيم واحد هو قانون الموازنة 2019 ، فضلا عن سكوته على مخالفة بعض النواب لنظامه الداخلي في عدم تأدية اليمين الدستوري
رغم مرور 6 اشهر من عمر البرلمان .. هل يعد هذا المجلس قادرا على اداء واجباته مستقبلا ؟ ؟

وهكذا نجد ان السيد عادل عبد المهدي الذي جاء بتوافق كتلتين لم يستطع ان يقدم نموذجا للتغيير او اعادة بناء الدولة . وبالتالي فهو ليس ذلك السياسي الذي عقدت عليه امال من راهن على نجاحه في انجاز اي عمل وطني ذو قيمة ليضع سكة الدولة في الطريق الصحيح او يحاول معالجة المشاكل والازمات التي مازال المواطن يعاني منها . ناهيك عن انعدام الخدمات العامة من وماء وكهرباء ومجاري وطرق معبدة وغيرها من ضرورات الحياة الانسانية . . وقد بدا ضعيفا غير قادر على تنفيذ ماوعد به . . نتيجة خضوعه للمحاصصة ولارادة الاحزاب التي جاءت به الى السلطة
كل ذلك لان السيد عادل عبد المهدي قد جاء من نفس الطبقة السياسية الحاكمة وهو لايختلف عن غيره بالمحاصصة والمحاباة على حساب مصالح الشعب . كما لم يستطع هو ولاسلفه في القضاء على الفساد او انجاز اي عمل نوعي مهم للعراق وشعبه

ويبدو من كل ذلك ان السلوك السياسي للاحزاب والكتل الحاكمة في العراق لم ولن يتغير . مما تسبب باحباط شديد في الشارع العراقي وهذا قد يؤدي الى اعادة ظهور الحركات المشبوهة المجرمة مثل القاعدة او نسخ جديدة من داعش . او مطالبات باقاليم انفصالية تغير الخارطة الجيوسياسية للعراق
بعد هذا كله نجد اننا بحاجة الى فترة انتقالية كما في السودان والجزائر لتصفير الاوضاع الشاذة والاستثنائية . وفرض الامن والقانون لفترة لاتقل عن سنتين . تجري بعدها انتخابات نزيهة . . لنجنب العراق واهله المنزلق الخطير الذي سيواجهه في قابل الايام