في دول العالم التي تحترم نفسها وشعوبها تقدم الحكومة أو وزيرا منها الاستقالة حينما تمر على البلاد أزمة خطيرة أو قضية تتعلق بالرأي العام تخصها سواء أكانت الحكومة مقصرة مباشرة وعن قصد وعمد أو من دونهما..
لذلك تسمع خبر الاستقالة كثيرا في أرجاء العالم الديمقراطي..
كان الأولى بالسيد عبد المهدي صاحب التاريخ المشرف في الاستقالة والذي دوما كان يؤكد سواء نظريا في مقالاته او لقاءاته على ثقافة الاستقالة وأهميتها وأنها ليست هروبا أو تعبيرا عن فشل بقدر ماهي موقف مسؤول.. أو عمليا حينما استقال من منصبين مهمين في الدولة بعد أن سبقتها طلبات عديدة للاستقالة في منصبي نائب رئيس الجمهورية ووزير النفط.. نقول كان الأولى به أن يقدم استقالته في اليوم الثاني من المظاهرات وأن يكاشف الشعب والمواطنين عن أسباب هذه الاستقالة ولمنع المزيد من إراقة دماء العراقيين..
قبل ١٠/١ كنت دائما أقول على الرغم من الأخطاء الحكومية والبطء في استجابتها للأحداث والفشل في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب غالبا.. لكنني كنت اقول ان هذه الحكومة هي افضل من الحكومات السابقة في رؤيتها الفلسفية والاقتصادية وأنها قد تمثل بصيص أمل لوضع البلاد على السكة الصحيحة.. وأنا واثق لو أن القوى السياسية التي تمارس النفاق السياسي والابتزاز بأبشع صوره أعطته مفاتيح الحكم والقرار ولم تبتزه علنا وسرا ولو كنا خارج ربقة الصراع الأمريكي الإيراني المتغول والمتوغل في الساحة السياسية لكان لدينا حكومة ناجحة ستظهر ثمراتها واضحة للعيان بعد سنتين او ثلاثة..
أما بعد ١٠/١ فما عاد هذا الحديث مجديا لأن الدماء الطاهرة التي سالت في سوح المظاهرات والاعتقالات التعسفية وظهور مجموعات مسلحة مجهولة وغيرها من مظاهر النظم المستبدة واللادولة قد أفقدت جزءا كبيرا من شرعية النظام السياسي (الديمقراطي) وأضحت الحكومة في الليلة الأولى فاقدة لشرعيتها وثقة الناس بها ولهذا حتى لو كانت هذه الحكومة قد حققت انجازات ضمن برنامجها فما عاد ذلك كافيا لاستمرارها وبقائها..
ولذلك كان الأجدى أن تقدم استقالتها فورا لكي تضع القوى السياسية الحاكمة وأحزابها أمام مسؤولياتها لا أن تسمح لها بالتنصل وركوب الموجة وكأن هذه القوى السياسية ليست هي نفسها من شكلت الحكومة وصوتت عليها وعلى برنامجها..
ومع هذا لم يقدم عبد المهدي استقالة الحكومة سواء أكان مرغما من جهات مؤثرة في القرار العراقي داخلية أو خارجية أم كان راغبا في الاستمرار على العكس تماما من نظريته ومنطقه في فلسفة الاستقالة.. فاتسع الخرق ولم تستطع كل القرارات والحزم الاصلاحية ان تقنع الناس لتغيير رأيهم واسترجاع ولو ٥ بالمئة من الثقة المفقودة تماما بين الحكومة والمواطن.. ونظرة سريعة للتعليقات في صفحته الخاصة في التواصل الاجتماعي تثبت ذلك..
الورقة الأخيرة أمام السيد عبد المهدي هي تقديم استقالته مع نتائج التحقيق وأسماء الفاسدين الكبار وشرح صادق للشعب عن ابتزاز القوى السياسية التي تدعي الاصلاح وهي براء منه.. فهذه هي الورقة الأخيرة له فاستمراره في الحكم ورقة رابحة لهذه القوى السياسية المنافقة وورقة خاسرة له وللعراق ولتاريخ السيد عبد المهدي..