منذ ما يقرب من اكثر من شهرين تجري مناقشات وسجالات مكثفة من خلال وسائل الاعلام المختلفة بشأن التغييرات التي ينوي رئيس الحكومة حيدر العبادي اجراءها لأسباب خفية الاهداف والنوايا وان تدعي الحكومة بانها من اجل اصلاح الوضع السياسي العام في البلاد.
تماشيا مع تلك الحملات الاعلامية هناك اجتماعات مكثفة على العلن واخرى خلف الكواليس في داخل الكتل السياسية نفسها وربما بين الكتل المعارضة للتغيير الذي ينوي العبادي اجراؤه على وفق معطيات مخطط لها مسبقا.
لايخفى على احد ان العراق اليوم يعاني ازمة اقتصادية خانقة بفعل سقوط اسعار النفط في الاسواق العالمية والتي تشكل ما يقرب من 95% من واردات البلاد و تلك الازمة وضعت الحكومة في زاوية حرجة للغاية بسبب الفساد الاداري والمالي و تكلفة الحرب على الارهاب وتفاقم ازمة الخدمات بكل جوانبها ، الامر الثاني بعد تحرير مناطق محافظات ديالى وصلاح الدين ومعظم مناطق الانبار تلك المحافظات بحاجة الى اعادة اعمار وايصال الخدمات الضرورية لها واليوم الاستعدادات جارية على قدم وساق لتحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش الارهابي وتصاحب تلك الاستعدادات خلافات كبيرة بين قوى متصارعة على مستقبل المحافظة بعد تحريرها وعملية التحرير بالتأكيد بحاجة الى السلاح والمؤن لعشرات الالاف من المقاتلين بتسميات مختلفة فضلا عن الامور اللوجستية ناهيك عن المبالغ الطائلة التي تحتاجها الحكومة لتأمين نفقات الحرب المصيرية ضد داعش الارهابي في العراق. اذن في ظل تلك الاجواء ينبغي على
الحكومة ان تصب جل جهدها من اجل حل الازمتين الاقتصادية و تحرير البلاد من براثن الارهاب واعمار مادمرته الحرب الطاحنة ضد الارهاب بدلا من ان تشغل نفسها الان بتغييرات في الكابينة برغم ان الحكومة لاتمتلك رؤية واضحة منها التي بلا شك في حال فشلها ، ستدخل البلاد في نفق مظلم لايحمد عقباه بفعل الخلافات العميقة بشأن ما يخطط له العبادي بتشكيل ما يسمى حكومة تكنوقراط وخلاص البلاد من المحاصصة السياسية المقيتة كما يدعي.
على الرغم من معارضة الكتل السياسية التي تمثل مكونات عراقية اساسية بعينها مع ماينوي العبادي القيام به التي تجلت في رفض تلك الكتل لمشروع العبادي خاصة الكورد والمكون السني حتى بعض القوى الشيعية في جلسة مجلس النواب التي عقدت السبت الماضي بحضور رئيس الوزراء ، يبدو من الصعوبة للغاية ان لم نقل من المستحيل تمرير مشروع العبادي للتغيير بسبب وجود ازمة ثقة بين الكتل السياسية من جانب ومحاولة دولة القانون وبالاخص حزب الدعوة الاسلامية بتشكيل حكومة تكنوقراط تختارها من بين المقربين لها ان لم يكونوا اعضاء فيها ، خاصة كلنا يتذكر قبل الانتخابات البرلمانية الاخيرة اعلان نوري المالكي رئيس الحكومة انذاك مرارا وفي مناسبات عدة نيته بتشكيل حكومة اغلبية سياسية ان لم تتوافق الكتل الاخرى معه وكان المقصود من الاغلبية السياسية هو تشكيل حكومة من قيادات وشخصيات حزب الدعوة الاسلامية وبعض القوى الموالية والمستفيدة منه لضمان بقائهم مدة اطول في السلطة من خلال انفاق ملايين الدولارات لشراء الذمم ، واليوم بتصوري مشروع العبادي هو محاولة لأحياء المشروع الذي خطط له المالكي قبل الانتخابات البرلمانية الاخيرة ، لاسيما ان المالكي والعبادي ينتميان لحزب وكتلة واحدة وبالتأكيد يسعيان لتثبيت موقعهما للانتخابات البرلمانية المقبلة ، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان العبادي لم
يغير شيئا من الواقع السياسي في البلاد سوى دمج بعض الوزارات والتغيرات الشكلية التي لم يلمس المواطن شيئا ملموسا لتغيير حالته المعيشية او تحسين الخدمات الاساسية . من خلال تلك المعطيات يبدو ان العبادي ليست لديه رؤية واضحة للوصول الى ما ينوي اليه ولكن الهدف الاساس برأي العديد من المراقبين السياسيين المضي في مشروع تشكيل حكومة اغلبية سياسية من الشخصيات المقربة من حزبه والكتل المتحالفة والشخصيات الاخرى التي لاترى فيهم خشية على مشروعه.
بلا شك اذا نجح العبادي بتشكيل ما يسميه حكومة تكنوقراط ، سيحصر القوى المنافسة في زاوية ضيقة وربما سيخرجها في المستقبل من حلبة التنافس السياسي ، ولكن كل المعطيات على الارض وبقراءة عميقة للمواقف الاقليمية والدولية يتضح ان العبادي امام موقف صعب للغاية لأنه لن يكون من السهولة ان يستحصل على تفويض الكتل البرلمانية لتمرير مشروعه.