المقدمات تشي بالنتائج.. ما حدث من هزيمة مزرية للجيش ليس غريبا طالما الرتب “دمج” والجنود من دون تدريب ولا سلاح جالسا قرب سائق كيا، ممتلئة بالركاب، و… عالقة في زحام، لحظنا فتحة يمكن لسائق محترف، النفاذ منها، مختزلا حوالى عشرين دقيقة من الانتظار، سبقنا اليها آخر، فسرنا خلفه، على أمل ان يمر ونمر بعده، لكنه في اللحظة الحرجة، التي تتطلب حرفية في السياقة، بان عجزه، ومكث في مكانه، لا هو بالمقدم على الاستمرار، ولا طبيعة الورطة التي بلغها، تسمح له بالتقهقر.
أطل سائقنا برأسه، يخاطب “المتورط”:
– إذا مو كدها ليش تفوت هيج فوتة!؟
وهذا السؤال يحضر، بمواجهة رئيس الوزراء نوري المالكي، عندما يطبق الجيش العراقي قصيدة محمود درويش: “أنا المهزوم قبل النفخ في الابواق” فما ان تنوي “داعش” التقدم، نحو مدينة؛ حتى يهرب الجيش العراقي.
إذن على مدى دورتين ماضيتين لم تهيئ حكومة المالكي جيشا، مثلما لم تؤمن خدمات ولا.. ولا.. و… فبأي آلاء يطالب بولاية ثالثة!؟
المقدمات تشي بالنتائج، ما حدث من هزيمة مزرية للجيش العراقي، في الموصل وديالى والانبار وتكريت وسامراء، ليس غريبا، طالما الرتب العسكرية العليا “دمج” من دون شهادة أكاديمية.. لا عسكرية ولا مدنية، انما عفو الخاطر، والجنود من دون تدريب ولا سلاح،…
إذ وجدت القوى الامنية نفسها تقاتل، في الموصل، ضد “داعش” بأسلحة بدائية نظير اسلحة مؤثرة؛ فاضطروا لاستخدام الهاونات التي تعبر جبهة العدو الى البيوت الامنة، فيتقدمون من الجيش الذي لم يعد لديه خيارا سوى الفرار، فبرغم تلك البدائية و”الخربطة” نفدت الذخيرة، اكتشفوا انهم غير مسلحين، وقادتهم تواروا.. فحق الفرار!!!
وما زال المالكي ممسكا الجيش والشرطة بيده، بلا وزيرين.. للدفاع والداخلية، قائدا أوحد لكل ميادين الحياة، في السلم، وعندما اقتحمتنا “داعش” سارع الى تدعيم أمن المنطقة الخضراء.. حصرا، وترك باقي العراق نهبا للمخربين.. منطقة حمراء، بينما قوى محلية واقليمية، سارعت الى انتهاز الانهيار في تنفيذ أجندات مؤجلة.
والمالكي لم تبدر منه الا ملاحظات، كما لو كان معلقا على مباراة كرة قدم ودية بين دولتين صديقتين، وليس اراضي تقتطع من جسد البلاد، وجيشا مدربا يهزم العسكر الوطني الذي اعلن جبنا يندى له جبين اي عراقي على مدى التاريخ.
الديكتاتورات المأخوذون ببريق السلطة، ومغريات الحكم، كل عشرة اعوام، يغرقون العراقي، بطغيانهم متخبطين، وما ان تحل الوازرة جراء “التخبط” حتى يهربون بأنفسهم، ويذرون الشعب يواجه نتائج طغيان حكامه.
وهذا ما حصل من الطاغية المقبور صدام حسين، عامي 1991 و2003، بمواجهة امريكا، واعاده المالكي الان بمواجهة “داعش”.
لجأت الحكومة الى حلول ترقيعية، بفتح معسكرات لإيواء المنهزمين من خدمتهم العسكرية؛ كي يعاد تنظيم الجيش من جديد، تماما كمثل هزيمة 1991، عندما انهار الجيش ولملمهم صدام في معسكرات.
ومن الحلول الترقيعية، فتح ابواب التطوع، التي تشبه مزايدات الجيش الشعبي، في حرب صدام ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، بحيث يسوق البعثيون، ابناء قطاعاتهم السكنية، بالقوة الى الجبهة، فيتسلمهم الجيش الايراني.. فائق التدريب، اسرى من دون قتال يذكر؛ ما أدى الى أكتظاظ معسكرات الاسرى العراقيين لدى ايران، بأكبر عدد من الاسرى في تاريخ الحروب.
الرسول الكريم محمد “ص” يقول: “رحم الله من اتعظ بغيره” فهل اتعظ المالكي من النتائج التي انتهى اليها صدام جراء سياساته الطائفية.
الان وصلنا الى مفترق طرق، لم تبق امامنا سوى حكومة انقاذ، تعيد الولاء الوطني، من دون تمفصلات طائفية وقومية، تلك الحكومة “الانقاذ” يجب ان تنبذ اسلوب المالكي في ادارة الدولة، ولو على مدى انتشال العراق من مخالب “داعش” وبعدها… لن نعثر بالحجر مرتين…
على الاقل بتعيين وزيري دفاع وداخلية يشكلون جيشا وشرطة حقيقيين وليس كارتونيين.