المهمة الاساسية لحكومة الدكتور حيدر العبادي الذي ينتمي الى جناح الحمائم هي تحقيق السلام والوئام بين العراقيين ، بلاشك انها مهمة شاقة وعسيرة في مجتمع لم يزل يعاني من ويلات الصراع ولايحتاج صناع الحرب والكراهية الى عناء كبير لاغراقه في دورة عنف جديدة . المخاف لا تنتهي عند الاعداء التقليدين للعملية السياسية فحتى شركائه في الحكومة ، لايمكن المراهنة على صبرهم ودعمهم وبالتالي بقاءهم متماسكين في دعم الحكومة ، وليس بوسع احد ان يستثنيهم من مخاوف زعزعة الاوضاع ، فلطالما كانوا شركاء في صنع الازمات وائارات الانقسامات .
يمكن القول ان اربع حكومات منذ سقوط نظام صدام ولدت في مناخ صراع طائفي مستعر سمح بصعود ” قيادات طائفية تفتقر الى الثقافة السياسية والتفكير المنطقي ” كانت حصيلتها فشلا كبيرا للحكومات والمجتمع العراقي وقياداته الدينية والثقافية هذا الفشل اجهز او كاد على احلام العراقيين برؤية بلدهم امنا موحدا مستقرا، محصنا امام تنامي الطائفية في المحيط العربي الاسلامي .
شلال من الدماء سفك وارواح بريئة غالية سحقت في محرقة الصراع ، ومليارات الدولارات نهبت وضاعت هدرا تارة عن تعمد ومرة عن جهل وسوء تدبير بين طبقة سياسية مهوسة بالفساد الذي انتج سلسلة ادارية طويلة احكمت قبضتها على على ادارة وزارات الدولة بعد ان غدت مهمة الوزراء اناطة المسؤوليات الى بطانة قادرة على خلق افضل السبل لتحقق النهب المنظم للاموال وحتى القوانين جرى تجسيرها لتكون معبرا امنا للفاسدين .
بإستثناء رئيسها لم يتغير شيئا في هذه الحكومة فذات الوجوه التي اسهمت بايصال العراق الى هذا الواقع الخطير هي ذاتها من تكرر التجربة بأساليب جديدة ، فيما تتقلص فرص الاصلاح امام رئيس الوزراء ، كلما هدد ” الفرقاء ” بحرمانهم من كعكة قسمة المناصب . .
لا يتوقع المراقبون من حكومة العبادي وهي حكومة محاصصة من احزاب جلها متورطة بنهب اموال العراق ان تبدأ صفحة نزيهة فيما الفاسدون يقبضون على ادارة مؤسسات الدولة ويقدمون انفسهم وخبراتهم للقادمين الجدد ، كما ان العبادي لم يظهر اهتماما حقيقيا بملف الفساد الذي يحتاج الى حرب اكثر عنفا وضراوة من مكافحة الارهاب ، على الرغم من ادراك الجميع ان الارهاب كان ومازال ينمو على الفساد الذي شل مؤسسات البلاد بما فيها المؤسسات الامنية والعسكرية .
وحتى ينهي العبادي دورته في الحكم فأن الجدل سيظل قائما عما اذا كانت سياسة الحمائم التي ينتهجها الرجل هي الوسيلة الانجع لبقاء البلاد موحدة حتى تعبر محنتها وتنجلي مخاوفها ، ام ان العراق العنيف يحتاج لكارزيما القادة الصقور الذي يمكنه ان يكون اكثر اقناعا لشعب صار العنف جزءا من ثقافته.
لاشك ان العبادي الذي يمسك العصا من منتصفها سيظل مراقبا من خصومه ومن شركائه ومن داعميه وان ارضاء خصوم وحلفاء انتجتهم عملية سياسية في مناخ العنف والدم والفساد من الصعب المحافظة عليه ، في النهاية سنرى رئيس وزراء بنسخته الجديدة يعبر عن ارادته وميوله ويقلص الحدود التي تقيد خطواته وتضع فيتو على افكاره التي يراد ان تصنعها اطراف لاتفكر الا بمقدار ارباحها من عملية سياسية شائكة .