ظروف الدولة العراقية إلان شبيهة إلى حد ما، بعام 2014 وتحديدا” ما بعد سيطرة داعش على خمسة محافظات، فلا حكومة ولا موازنة وأي موازنة وأسعار النفط دون 30 دولار، ثم إبتلاء كورونا وما له من تداعيات على كافة المستويات والأصعدة، يضاف لذلك التصعيد الأمريكي بإتجاه مؤسسة الحشد وفصائل المقاومة بل وحتى على بعض الطبقة السياسية، هذا ما يعقد المشهد القادم المفتوح على كل الإحتمالات، وذلك ما يصعب إدارة ملف الدولة العراقية للمرحلة القادمة، ويجعل من نجاح الحكومة القادمة شبه المستحيل، بحساب المعطيات الحالية والمشاكل التي سوف تترتب على الأزمات الحالية.
أمام هذا المشهد المعتم، يعد إنتحارا” سياسيا” من يقبل بتسلم زمام تشكيل الكابينة الوزارية، من هذا الباب أقرأ تردد البناء صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر، تحمله ترشيح شخصية لمنصب رئيس مجلس الوزراء، رغم بعض المحاولات الخجولة التي دفع فيها بعدة أسماء لهذا المنصب، وأعتقد كان الغرض من ذلك الترشيح الأبقاء على حظوظه العالية في موضوعة التوافق على ترشيح رئيس الحكومة القادمة، وهذه نظرة متعقلة في المرحلة القادمة ذات المشهد السوداوي، فالتوافق يبقي حظوظ البناء في زمام الأختيار والأملاء حاضرا” مع الشركاء الساسيين، على الشخصية المرشحة، وبنفس الوقت كي لا يتحمل وزر فشل الحكومة القادمة،التي ستكون مهمتها كشخص يدخل غابة للسباع والضواري وهو أعزل.
أعود لموضوعة تكليف السيد عدنان الزرفي، فهل كان محض صدفة أم سيناريو معد مسبقا”؟ وقبل الإجابة عن هذا الإستفهام، أستعرض مسلسل التكليف وما سبقه من إستقالة حكومة عبد المهدي نتيجة التظاهرات الشعبية، تلك التظاهرات التي لم يجني منها أصحابها سوى الفوضى السياسية للبلد، دون أن يتحقق أي مطلب للمتظاهرين، وهذا ما خطط له في الأروقة المظلمة داخل وخارج الحدود العراقية، ثم جاء دور حامي الدستور برهم صالح! فرفض مرشح الكتلة الأكبر(أسعد العيداني) مدعيا” إنه (شخصية جدلية) ويهدد (السلم المجتمعي) وهذا ما أيده الحلبوسي، ثم تم إجهاض تكليف السيد علاوي، نتيجة إصرار الكرد والسنة على حصصهم في الكابينة الوزارية، ليظهر زيف شعاراتهم الرنانة، والسيد حامي الدستور كان متفرجا” على هذه المهزلة، متناسيا” مطلب المرجعية الدينية والجماهير بحكومة مستقلة.
حتى وصلنا للمرحلة المخطط لها، ليتولى رئيس الجمهورية(تولي) تكليف عدنان الزرفي، صاحب الجنسية المزدوجة والولاء الأمريكي، وملفات الفساد التي أثيرت بإتجاهه نتيجة إدارته مناصب تنفيذية كثيرة، فهل يعلم حامي الدستور!
أن شخصية الزرفي جدلية بأمتياز مع سبق الإصرار والترصد فقط عبر بوابة الجنسية المزدوجة وولائه لأمريكا دون الملفات الصاخبة الأخرى، وهذا إثبات إن سيناريو التكليف معد مسبقا” ولم يكن محض صدفة، لرفض السيد رئيس الجمهورية لشخص أسعد العيداني وقبوله عدنان الزرفي مع إن الشخصية المقبولة أكثر جدلية من الأولى التي رفض تكليفها رئيس الجمهورية
وبعد الوصول إلى مرحلة تشكيل الكابينة الوزارية، ما هي الإحتمالات المتوقعة، أعتقد نحن أمام ثلاثة سيناريوهات لا رابع لها:
1_ إنسحاب السيد الزرفي وتقديم إعتذاره عن تشكيل الحكومة.
2_ يستطيع الزرفي أكمال الكابينة الوزارية ويتم تقديمها لكنه لا ينجح بنيل ثقة البرلمان.
3_ يستطيع الزرفي تقديم كابينته وينال ثقة البرلمان.
وفق المعطيات التي أوصلت عدنان الزرفي لمنصة الترشيح، أستبعد حصول الإحتمالين الأول والثاني، كون شخصية الزرفي وسيناريو الترشيح، معد بإتقان عالي وبإستحضار مسبق، إذن حظوظ الشخص المرشح كبيرة، ومن المفترض يستطيع نيل ثقة البرلمان العراقي، ويتم تمرير الحكومة.
كيف سيتم التمرير؟ هنا لا بد للعودة لموضوع تكليف السيد محمد توفيق علاوي، الذي أصر وقتها ترشيح أسماء مستقلة، بعيدة عن الطبقة السياسية لكنه صدم برفض السنة والأكراد لذلك، بالإضافة لتقاطعه مع بعض القادة الشيعة، هذه العقبة سوف يتم تجاوزها من قبل الزرفي، وسيمنح الكرد والسنة إستحقاقهم وفق عرف المحاصصة السياسية، وقد يزيد بذلك من أجل تهيئة ضغط كبير على الغالبية الشعية، وهذا ما يؤسس لتصدع الكتلة السياسية الشيعية وإنقسامها على قبول منحه الثقة من عدمها، بناء على قيمة المكاسب الحزبية المتحققة للمرحلة القادمة.
العقبة الأكبر أمام عدنان الزرفي، هو تحالف البناء وتحديدا” محور فصائل بدر وصادقون، هذا على المستوى الداخلي، أما على الصعيد الخارجي، فمن المفترض أن تكون إيران هي اشد المعارضين له، ولكن ولصعوبة وضع العراق وحجم الأزمات الكبيرة والكثيرة، أتوقع غض النظر عن شخصية الزرفي من قبلهم، لأن من مصلحة إيران عبور العراق هذه الأزمة، فالعراق رئة كبيرة للإقتصاد الإيراني، وأيران تتعامل ببراغماتية سياسية واقعية عالية طبعا” مع ضمان فرض شروط مسبقة على السيد الزرفي عبر حلفائهم السياسيين، فشخصية الزرفي أتوقع أن تتلقى دعما” كبيرا” من الولايات المتحدة الأمريكية، كنظيره السيد العبادي من أجل ضمان بقاء القوات الأمريكية على الأراضي العراقية، لذا سوف نبقى في حدود لعبة التوازن الدولي على الجغرافية العراقية، ولا غلبة لأحد في ظل توازن النفوذ.