من الصعوبة التكهن بمستقبل الحكومة الحالية, و قدرتها على الاستمرار في ما بقي من عمرها الافتراض, في ظل ما يحيطها من تصعيدا ومناورات وضغوط سياسية, من قبل الكتل المشاركة في العملية السياسية, التي يفترض إن تكون داعمة ومؤيدة للحكومة, كونها خرجت من رحم إرادة توافقاتها السياسية بعد غياب ما يسمى بالكتلة البرلمانية الأكثر عددا.
ما كان على عادل عبد المهدي (رئيس الوزراء العراقي) بما يملك من حنكة سياسية ودراية عالية بخفايا السياسية ودهاليزها, إن يقع ضحية لعبة سياسية قذرة, يقودها بعض الحالمين بالسلطة والنفوذ, بسبب تزمت بعض الكتل السياسية (الفتح- سائرون) بفرض إرادتهم, وتكالبهم للحصول على المناصب الحكومية, بعد انقلابهم المخزي على ما تبجحت به حناجرهم, أبان تشكيل الحكومة, بإطلاق يدها وإذلال ما يعكر مسيرها نحو بناء منظومة حكومية ناهضة, بعيدا عن خنجر الفئوية والطائفية و المحاصصة المقيتة, التي طالما أحكمت قبضتها على أعناقنا منذ 2003 وحتى اللحظة, والأدهى من كل هذا؛ إن ذات الكتل السياسية المعرقلة تحاول اليوم من ركوب الموجة مجدداً واستثمارها شعبوياً وسياسيا_خطبة المرجعية النجف الأخيرة_ وإعادة عصفها باتجاه الحكومة, لأجل رفع مستوى تركيز الضغط السياسي, وخصوصا مع قرب حسم ملف الوكالات والدرجات الخاصة, عسى إن يصيبها من المنصب نصيب!
إن التراجع الكبير الذي شهدته العملية السياسية مؤخرا يعود لسببين, أحداهما؛ خرق الدستور أو القفز على مبادئه, وتغيب أو تجاهل نصوصه التي تشير إلى ضرورة إن يكون هناك كتلة برلمانية تسمى (الكتلة الاكثرعددا) في البرلمان تتولى ترشيح شخصية رئيس الحكومة, وتكون ساندة وداعمة لبرنامجه ورؤيته في تشكيل كابينته الوزارية كونها تمتلك العدد الأكبر من المقاعد في قبة البرلمان, متحملة وزر خيارها سواء أكان بالسلب أو الإيجاب.. غياب هذا المبدأ وتعطيله أفضى بالنتيجة إلى ولادة حكومة مصابة بشلل رباعي لا تقوى على مقارعة إرادة الكتل وأطماعها السياسية, لافتقارها لكتلة برلمانية ساندة تتكئ عليها فيما يصدر منها من قرارات وإجراءات, فالجميع يتبرأ من الحكومة في ما طفا على السطح من إخفاقات! والجميع يطالبها بتحقيق المعجزات! مما يضطرها إلى المداهنة تارة والتجاهل تارة أخرى, محاولة احتواء رغبات غير منقطعة, وإسكات أفواههم نهمة بالمناصب والامتيازات, مما سيؤدي بطبيعة الحال إلى اضمحلال قدرتها على اتخاذ القرارات, وقد لا تتمكن بل اجزم أنها ستنهار سريعا, ولا تتمكن من أتام ما بقى من عمرها, مخلفة وراؤها فوضى عارمة قد تودي بحياة العملية السياسية بأكملها, إلا مار حم ربي.
إما السبب الأخر والاهم في ما يحصل من إخفاقات؛ هو طبيعة التركيبة الداخلية للتحالفات السياسية ذاتها, من حيث الانسجام ووحدة الرأي والقرار والمشتركات, فالكثير من أطراف التحالفين الكبيرين (الإصلاح_البناء) تعاني من التهميش والإقصاء من قبل بعض التيارات والأحزاب وهيمنتها على القرار السياسي في تحالفاتها, دون الرجوع إليها و إشراكها في القرار, مما سيؤدي بطبيعة الحال إلى تأكل التحالفات من الداخل وانهيارها بشكل بطيء ومنتظم.. كان من الأجدى على الكتل السياسية المهشمة استشعار الخطر مبكرا وتجنب الوقوع في دائرة المسائلة والتخلي عن تحالفاتها والبراءة من المستحوذين على القرار فيها, والاتجاه نحو تشكيل تحالف جديد يضم أطرافا أكثر انسجاما واعتدالا من تحالفاتها السابقة, والاتكاء على سدة المعارضة السياسية البناءة كي لا تكون طرفا في الفشل الذريع, الذي سيلف العملية السياسية, بأذرع نرجسية الطامعين بالمناصب في قادم الأيام..