22 ديسمبر، 2024 5:22 م

حكومة التوافق أو حكومة الأغلبية كلاهما سيان بحكم الواقع الدستوري

حكومة التوافق أو حكومة الأغلبية كلاهما سيان بحكم الواقع الدستوري

في ظل أزمة الانتخابات الحالية نجد انفسنا نتنقل من حالٍ إلى اخر حيث بدأنا في تعديل القوانين الانتخابية ثم دخلنا في ضجيج الدوائر الانتخابية ووصلنا إلى الطعن بتزوير الانتخابات، وزاد منسوب الضجيج إلى ان اصبح ضجيج قضائي بدل ما كان شعبي وسياسي، والان وبعد ان شارف القضاء الدستوري ممثلاً بالمحكمة الاتحادية العليا على حسم الطعون نجد ان مرحلة جديدة من ضجيج السياسة قد بدأ في الظهور ويتمثل في تشكيل الحكومة حيث يسعى الجميع للحصول على الكتلة النيابية الأكثر عدداً، حتى يكسب فرصة ترشيح رئيس الوزراء القادم، وكل فريق قدم ما يساعد مشروعه منهم من طلب الكتلة الأكثر عدداً ليشكل حكومة أغلبية والآخر يدعو إلى حكومة توافقية، ولأسباب ومبررات يستند اليها كل فريق، لكن كل هذا الضجيج الذي صدع الرؤوس وهذا التزاحم والتنافر بين الفائزين في الانتخابات، التي كانت محل شك وطعن في نزاهتها وشفافيتها، هل منحنا حكومة أغلبية ام حكومة توافقية، وهل ستشكل فرقاً في عطائها في ضوء الواقع الدستوري، أرى إنها لا تشكل أيُ فرقٍ وانهما سيان في العطاء أو العمل ولا يوجد بينهما فرق واضح للأسباب الآتية:
ان التزاحم للحصول على الكتلة النيابية الأكثر عدداً سواء ممن انفرد بها من فريقٍ او تحالفٍ واحد للوصول اليها او من عددٍ من الفرقاء حتى وان كانوا على شقاق ونفرة، فان من يصل اليها سوف لن يحصل على أي امتياز دستوري سوى انه يتولى ترشيح رئيس الوزراء القادم إلى رئيس الجمهورية الذي سيكلفه بتشكيل الحكومة وعلى وفق أحكام المادة (76/أولا) من الدستور التي جاء فيها الاتي (يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.) وهذه الميزة للكتلة الأكثر عدداً لا تعني إنها ستكلف بتشكيل الحكومة لان تشكيلها يجب ان يترك إلى رئيس الوزراء المكلف من رئيس الجمهورية وعلى وفق أحكام المادة (76/ثانياً من الدستور التي جاء فيها الاتي (يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف، تسمية أعضاء وزارته، خلال مدةٍ أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف).
اذا افترضنا ان رئيس الوزراء المكلف سيكون في دائرة الكتلة التي رشحته فهل تتمكن تلك الكتلة من توفير الأغلبية المطلقة في مجلس النواب لنيل الحكومة الثقة، الجواب يأتي من الواقع الدستوري الراهن بعدم إمكانية ذلك، لان مفهوم الأغلبية المطلقة بموجب اخر تفسير للمحكمة الاتحادية العليا في قرارها العدد 90/اتحادية/2019 في 28/4/2021 بانها أكثر من نصف العدد الفعلي لأعضاء مجلس النواب، بمعنى ان تحصل الحكومة على أصوات اكثر من (163) نائب، فهل أي من المتنافسين حصل في الانتخابات على (163) مقعد في مجلس النواب القادم؟ الجواب كلا، ادن سوف يعود للتوافق مع كتل أو شخصيات برلمانية أخرى للوصول إلى هذا العدد، وبلا شك ومن خلال المعلن عبر وسائل الإعلام فان الجميع لديه مطالب للحصول على مكاسب في التشكيل الحكومي المقبل، ولابد من توفيرها لهم حتى يمضي رئيس الوزراء نحو نيل الثقة. وبذلك عدنا إلى مبدأ التوافق من جديد وهو الوجه الآخر للمحاصصة، ومن ثم لم نحقق الغرض من ثورة المحتجين في وصول حكومة وطنية تمثل رأي الأغلبية البرلمانية التي بدورها تمثل رأي الأغلبية الشعبية على فرض نزاهة الانتخابات!!
ومن خلال ما تقدم نجد ان التوافق هو اصل التشكيل القادم ولا يمكن لنا الوصول إلى حكومة الأغلبية الوطنية المعبرة عن طموح الشعب، لان الآليات الدستورية رسخت هذه الأعراف الدستورية عندما جعلت دور الكتلة الأكثر عدداً ينحصر في ترشيح شخص رئيس الوزراء فقط، وتركت امر تشكيل الحكومة اليه وتحت رحمة مجلس النواب بكتله وتياراته المتنافرة، ولنا في تجربة تولي السيد عادل عبدالمهدي وما بعده ومن ثم الكاظمي خير دليل على ان التوافق هو المهيمن على المشهد الدستوري في العراق، وما سياتي لا يختلف ولا يحيد عن سابقاته وسوف لن يعطينا أي امل في تغيير الواقع، وما يطرحه الجميع هو شعارات لتسويق شخوصهم ليس إلا، لانهم اسهموا بشكل أو بآخر في إنتاج قوانين انتخابية تراعي مصالحهم وليس مصلحة الشعب، ويقول بعض كتاب الفقه الدستوري (بان الأكثرية الناجمة مباشرة من صناديق الاقتراع عقب تحالف او ميثاق انتخابي بين تشكيلات سياسية متعددة تعتبر اكثر صلابة واكثر دواماً من من الاكثريات الناتجة عن ائتلافات نيابية) وعلى وفق ما ذكره اوليفيه دوهاميل و ايف ميني في كتابهم (المعجم الدستوري) وهو من (منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ طبعة بيروت الأولى عام 1996ـ صفحة 120)، وجميع من فاز بأصوات انتخابية في الانتخابات الأخيرة سوف يذهب إلى أكثرية نيابية وليس لأكثرية انتخابية وبذلك هشاشته هي السمة الغالبة عليه ومن ثم تكون المصالح الحزبية والفئوية متوفرة، لان من كان يملك يسعى لإبقاء من يمثله، ومن يريد ان يملك يسعى للحصول على مقاعد لمن يمثله، ومن كان يملك واصبح الآن في زيادة لملكيته يسعى لتعظيمها ومن ثم الهيمنة على كل مقدرات البلد، حيث لم يذكر أي ائتلاف او كتلة انتخابية في برنامجها إنها ستغير من أدواتها الفاعلة في المشهد الحكومي، بل على العكس إنها قدمت هذه الأدوات على إنها أساس عملها القادم مما ولد الانطباع لنا باننا لسنا في طور التغيير وإنما في طور التدوير، وبذلك ان كانت حكومة توافقية أو حكومة أغلبية فانهما سيان في ضوء واقعها الدستوري والفعلي، وأما عن العلاج لهذه الأزمة المغلقة والتي تدور في فلك ضيق، فهو التعديل الدستوري لأليات الانتخابات وشكل النظم السياسي وكيفية اختيار الحكومة وسائر المفاصل الأخرى في سلطات الدولة كافة بعد ان تتم دراسة المشاكل التي ولدتها النصوص الدستورية الحالية بدراسات مستفيضة وعلمية من ذوي الاختصاص بعيداً عن الأهواء السياسية.
سالم روضان الموسوي
قاضٍ متقاعد