23 ديسمبر، 2024 4:40 ص

حكومة التغيير الحضاري العراقية

حكومة التغيير الحضاري العراقية

حكومة ( مصطفى الكاظمي ) في بغداد لم تكن حكومة انتقالية بمعنى الكلمة السياسي , من حيث التمهيد لإجراء انتخابات ديموقراطية بعد تظاهرات تشرين , بل هي حكومة انتقالية بالمعنى الانجلوسكسوني للمصطلح , حيث تمثّل مرحلة أولية للتغيير الثقافي والديموغرافي في العراق .

فهي كما كان متوقعاً , استخدمت تفجيرات مفبركة لإحداث تغييرات في القيادات الأمنية التي لا تخضع لتأثير السفارة الامريكية , ورفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي لنشر مظاهر الفقر والجوع , وقرّبت كل الوجوه الديكتاتورية والعنفية والعشائرية , فصار حلفاؤها من البارزانيين في شمال العراق وأتباع السيد مقتدى الصدر والحلبوسيين . وهذه الظاهرة ترافق كل وجود لحلفاء الولايات المتحدة الامريكية السياسيين على الكرة الأرضية , فهي لا تستطيع ان تصادق الا الدكتاتوريات لتحفظ مصالحها , كعلاقتها بدول الخليج ومصر , وسكوتها عن انقلاب سعيد في تونس .

وقد توقعنا ان تكون ملامح الحكومة العراقية الحليفة للولايات المتحدة بقيادة مصطفى الكاظمي دكتاتورية , تعتمد على التعذيب في السجون , وتفتقر الى رؤية اقتصادية او اجتماعية او امنية وطنية شاملة , وانها ستهمل الجنوب العراقي , وتتقاطع مع ايران , وتقترب من تركيا التي تخنق 90% من مياه العراق وتريد بيعها عبر قبرص الى إسرائيل , وكذلك من ودول الخليج ومصر اللواتي اخذن معظم مشاريع حكومة الكاظمي , وتمنح الأردن والبعثيين هناك امتيازات خاصة . كما رأينا انها ستبيع كل مفاصل الاقتصاد العراق , حتى السيادية منها , وهذا ما طرحته في الموازنة السوداء التي بعثتها للبرلمان العراقي قبل ان يغيرها البرلمانيون السابقون . فهذا ما حدث في مصر السيسي , اذ تم تصفية الشركات الوطنية , بعد اهمالها ومضايقتها , ثم تم بيعها للإماراتيين والسعوديين مقابل عمولات لفريق الرئيس السيسي , وذلك بعد ان تم قمع وتصفية كل أنواع الأصوات والايدولوجيات المعارضة . وسيكون في العراق خصخصة للكهرباء والماء وزيادة في الضرائب وتعطيل للوظائف وغيرها من مشاريع تجويع الشعوب وتسمين الساسة والاثرياء , كما يحصل في كل دولة تخضع وتتبع حكومتها لرأس المال السياسي الغربي والامريكي ولصندوق النقد الدولي . لذلك رأينا وزير المالية العراقي يطلق التحذيرات السوداء عن مستقبل العراق القريب , تمهيداً لتطبيق تلك المشاريع المظلمة السارقة , ورغم ارتفاع أسعار النفط التي لا اثر لها في اعمار العراق . وكل ذلك سيتم بالتعاون مع اعلام مملوك للصوص المحليين الاغبياء والغربيين الذين بنوا حضارتهم على غزو وابادة الشعوب , حيث سيصدمون المجتمع العراقي بجملة من المشاكل , وجملة من التحليلات والبيانات المزورة , ليجعلوه يرضى بما تمليه عليه حكومة عميلة شريكة لطرف شيعي غبي مادي .

وفي العراق لن يكون امام الولايات المتحدة وحلفائها المحليين سوى صوت معارض قوي واحد هو ( الحشد الشعبي ) , الذي سيتم قمعه بالقانون , بعد وصول برلمان ممول بالتزوير الى قاعة التصويت , وبالقوة الرسمية عن طريق القيادات الأمنية المختارة من قبل السفارة , والقوة غير الرسمية عن طريق الحليف الجديد للولايات المتحدة قوات السيد مقتدى الصدر . وكل ذلك لأن قادة الحشد الشعبي السياسيين رغم بسالة الكثير منهم في الميدان الا انهم من السذاجة بمكان في عالم السياسة .

فيما يتم الإعداد والتخطيط لخصخصة وبيع مفاصل الاقتصاد الكبرى في العراق , مثل مصرف الرافدين الذي يضم 80% من أموال العراق , وميناء الفاو الذي يعد شريان جديد للعراق والعالم والرابط بين اسيا وأوروبا , فضلاً عن نفط العراق الذي تستحوذ عليه الشركات الغربية وحلفاؤها في اسيا .

وفي ظل وجود حليف شيعي مادي ساذج مثل التيار الصدري سيتم اهمال الجنوب الشيعي مادام لا صوت له , لأنه غريم فكري للولايات المتحدة والخليج الأعرابي , وعدو تاريخي للصهاينة . وكان هذا واضحاً في مشاريع وزارة الكاظمي للصناعة للعام 2021م , حيث ان المعامل والمصانع التي أنشأتها أو أعادت تأهيلها وزارة الصناعة العراقية في العام ٢٠٢١م بالتفصيل الآتي : حصة المنطقة الغربية ( الأنبار ، نينوى ، كركوك ، صلاح الدين ، ديالى ) ٦٨٪ , ‏حصة منطقة العاصمة ( بغداد ) ٢٠٪ , ‏حصة المنطقة الجنوبية ( الديوانية ، ميسان ) ٨٪ , حصة المنطقة الوسطى ( بابل ) ٤٪ , حصة منطقة الفرات الأوسط ( كربلاء ، النجف ) ٠٪ , حصة محافظات ( واسط ، ذي قار ، المثنى ، البصرة ) ٠٪ , بمعدل : ٩ مصانع للأسمنت والزجاجيات والسيراميك في ( الأنبار ) , ٢ للأسمنت والأسفلت في ( نينوى ) , ١ للأسفلت في ( كركوك ) , ١ للأسفلت في ( ديالى ) , ٤ للأدوية في ( صلاح الدين ) , ٥ للبطاريات وللمعدات الطبية في ( بغداد ) , ١ للصودا والكلور في ( بابل ) , ١ لتدوير الإطارات المستهلكة في ( الديوانية ) , ١ للأسفلت في ( ميسان ) .

وفيما يغص الجنوب العراقي بالمظاهرات من اجل توفير فرص العمل ولقمة العيش , تعتذر حكومة الكاظمي بعدم توفر التخصيصات المالية , في الوقت الذي ترسل مئات المليارات الى دكتاتور كردستان القبلي , وتفيض لديها 52% من أموال الموازنة بما يساوي تقريباً بالجمع بين الميزانيتين التشغيلية والاستثمارية 75 ترليون دينار عراقي .

وتعمل جاهدة على تفريغ تظاهرات تشرين من نتائجها والانقلاب عليها بمنح المناطق الجنوبية الى التيار الصدري , بعد ان منحت معظم الدوائر والمؤسسات لرجالاته , الذين حظوا لأول مرة بتهنئة الامارات العربية المتحدة افعى الشرق الأوسط السامة , التي اطلق الكاظمي يدها في جهاز المخابرات العراقي لتطرد المئات من ضباطه .

لنتأكد اخيراً من صدق توقعاتنا عبر خبر تمهيدي لصنع رأي عام , نشرته ( سكاي نيوز العربية ) المملوكة لشركة أبوظبي للاستثمار الإعلامي وشركة سكاي البريطانية , مفاده ان العراق يعاني من الانفجار السكاني , وان الحكومة عازمة على معالجة هذه المشكلة من جذورها . وهو شبيه ما يحدث في مصر السيسي وما يطرح من أفكار غربية بصبغة وطنية مغشوشة . في الوقت الذي تسعى دول تغص بالسكان وتختنق مثل الصين وايران وتركيا الى اقناع شعبها بزيادة الانجاب , لا لشيء الا لأنها دول ناجحة تدرك سر قوة الدعم البشري , على عكس الحكومات المخلوطة من عملاء ومستشارين فاشلين تجد ان حل مشاكلها بحذف من يعاني تلك المشاكل من الناس .

ان سياسة تحديد النسل قديمة , طرحتها المنظمات الأوروبية عبر حكومات المنطقة ومنظماتها العميلة لها عندما كان عدد السكان هنا اقل بكثير جداً , بما يصل الى ارباع ما هو موجد الان , مع مساحات ارض شاسعة , لا لشيء الا لتحد من الزيادة السكانية في البلدان الإسلامية التي تستشعر أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل الخطر من فكرها . وسيتم تنفيذ ذلك من خلال برلمان مصنوع بالتزوير واعلام مملوك للغرب وللسارقين ومجاميع على الأرض تمت صناعتها منذ سنين لتكون بوقاً امريكياً بعزف محلي . وان هذه السياسة تكشف عن شيء واحد فقط , ان الحكومات الفاشلة تتجه لإبادة شعوبها بدل ان تجد حلاً لمشاكله .