بعد ثورة 14 تموز أنقسم اغلب سكان العراق وسياسيه الى قسمين، قسم مع عبد الكريم قاسم، وقسم قومي بعثي مع جمال عبد الناصر، وكان الممثل للقسم الثاني سفير العراق السابق في مصر فائق السامرائي، الذي رفض وقتها العودة للعراق وطلب اللجوء السياسي بمصر، ووضع تحت تصرفه إذاعة صوت العرب.
العراقيين اعتادوا على سماع تلك الإذاعة وأغلبهم صدق كل اخبارها مهما كانت غرابتها وتمجيدها الواضح لجمال عبد الناصر وذمها الفاضح لعبد الكريم قاسم، وهذ ما دعا انصار الزعيم الى ترتيب مقلب بأشهر مذيعيها أحمد سعيد، فأرسلوا له خبر اعتقال السيدة الفاضلة حسنة ملص والمناضل المجاهد عباس بيزة، وفي الحقيقة ان الأولى من أعتق بغايا محلة الصابونجية والثاني من أشهر قوادي نفس المنطقة، وبالطبع لم يكن المصري أحمد سعيد يعلم ذلك فصدح بأعلى صوته وبدون التأكد من المعلومة بعبارته المشهورة: “كلنا حسنة ملص..كلنا عباس بيزة”.
هذه العبارة وموقف إذاعة صوت العرب أثبتت بأن الشارع العراقي ممكن التأثير على قراراته وتوجيهها بنشر الإشاعات والاكاذيب، وهذه كانت احدى اساسيات البعث بحكم العراق، حتى أن بعض أكاذيبه ما زالت تردد على أنها حقائق بالشارع العراقي.
بعد 2003 أستغل المفسدون الأعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لخداع الشعب العراقي والإبقاء على مناصبهم وامتيازاتهم، وكان لأطلاق اشاعة صغير آبان الانتخابات تأثير ساحر على تحديد بوصلة الناخبين، مثل إشاعة القاء القبض على عزت الدوري بالانتخابات الأخيرة.
حتى بعد أن ضجت الناس من الفساد والمفسدين وفرغت خزانة الدولة فقد كان من السهل تغير اتجاههم، من التظاهرات الاولى الداعية الى الإصلاح ومحاسبة المفسدين، الى اعتصام البرلمان، ومن ثم اجتياح البرلمان مختزلين الإصلاح بتغير الوزراء!
المشكلة الحقيقية ليست في الحكومة الحالية فأغلب الوزراء استطاعوا أدارة ملفاتهم بنجاح رغم قلة التخصيص المالي، الا وزارات محدودة فشلت في ذلك مثل التعليم العالي والصحة والكهرباء، ولا أفهم كيف أقتنع الكثيرون أن تغير الوزارات سيحل مشكلة الهدر بالمال العام لفترة فاقت العشر سنوات، أو ان عدد من النواب الذين رفضوا التخلي عن امتيازاتهم مصلحين، او أن اجتياح البرلمان وإيقاف عمله هو لبة الديمقراطية.
المفروض بغالبية الشعب المطالبة بالتحفظ على أموال كل مسؤول حكومي خلال فترة الميزانيات الانفجارية (من أي حزب او قومية أو مذهب)، تمهيدا للتحقيق معهم بأكبر قضية فساد عرفها التاريخ، فالمحصلة الوحيدة التي أراها من أحداث العراق الحالية أن نفس الأشخاص الذين اوصلوا المفسدين للحكم هم من يساهمون بحمايتهم الان بحجة الإصلاح.