18 نوفمبر، 2024 3:47 ص
Search
Close this search box.

حكمة الخالق تسبق انتقام المخلوق …..!؟

حكمة الخالق تسبق انتقام المخلوق …..!؟

تبلغ المسافة بين ياقة قميصه الناصع البياض ونهاية شعر راسه من الخلف الشبر او ما يزيد…رجل طويل القامة محمر الوجه والاوداج والقفا البارز وكأنه يدعوك لتمعن النظر فيه لابتعاده عن المألوف قليلا وهذا لا يخص احدا بشيء فهو شأن الخالق فقط….!….يبدو انه اثار انتباه رفيقي شيء غريب  فيه لم الاحظه انا …. فقال وهو يعد كلماته عدا في سيل قهقهته المتناثرة  :
-” انظر….! الا ترى قفاه الاحمر يلمع من بعيد وكأنه يدعوك لصفعه….!؟” اجبه بامتعاض:
-” وما الغريب في ذلك..!؟” اجاب:                                                                                   
-“لاشيْ اكثر من جلب انتباهك الى شيء غير مألوف…!” قلت:
-” لا تعبث بخلائق الخلق فهي شأن الله  وانظر الى نفسك اولا ، فانت ليس كاملا ، لان الكمال لله وحده…!” وأضفت بعصبية :
( لسانك لا تذكر به عورة  امرء                 فكلك عورات وللناس السن )”
 رد رفيقي بانكسار وخجل :
-” يبدو ان كلامي قد ازعجك ….!؟  قلت:
  -“نعم …. ازعجني كثيرا ….!…دع الخلق للخالق ودعنا نبحث ما في سلالنا من شؤون ونبتعد عن مسالك الناس ومناقص الخلق، فالغيبة وذكر الناس بالسوء عادة سيئة لا يستسيغها العقل الراجح الذي يحمله الانسان الواعي…!”
ونحن لا نزال في خضم الجدل و التناكد ….و المشهد لا يزال معلقا على جدار الواقع و هو يتحرك ببطيء شديد ولم تتبدل صوره الا قليلا ، فجأة سمعنا صوت صفعة قوية ويد قاسية قد هوت على قفا صاحبنا من شخص بغيض ، معروف بكرمه المقرون بالشر، واحد من الاشقياء الذين يتعايشون معنا ويجوبون الشوارع على الدوام ، يكسبون قوتهم بطرق ملتوية بالاعتداء على الضعفاء والاقليات من سكان المدينة وابتزازهم على طريق الاتاوات ، كانت اكثر اقلية تنال ضيم الاعتداء والتعدي على اياديهم السمجة، هي الاقلية اليهودية التي كانت تساكننا في الاربعينات من القرن المنصرم ابان النكبة الفلسطينية…!
 التفت من في الشارع وتحركوا بكومة واحدة نحو مكان الحدث كالعادة في مثل هذا المواضيع….!  وتجمهر المارة وسكان السوق حول الرجلين ، الصافع والمصفوع ، لم ينطق الرجل اليهودي ببنت شفة ولم يحدث أي حركة للرد على صفعته الا بفعل غريب اثار دهشتي و الحاضرين حين مد يده الى جيبه واخرج قطعة نقدية عالية القيمة في ذاك الزمن، نوط ابو العشرة ، الذي كان يمكن حامله من شراء بيت او قطعة ارض او بستان بثمنه ، سلمه صافعه الشقاوة وانصرف تحت ذهول الحاضرين وتكاتف علامات التعجب والاستفهام فوق وجوههم حتى كادت  تغطي معالمها تماما…!!
بالطبع ، اصابني الذهول ، اكثر الحاضرين ، لهذا الموقف الغريب العجيب وقبل ان ينصرف الرجل اكتسحني الفضول ودفعني نحوه دفعا لمعرفة كنه هذا الفعل و مكامن جذوره ، فهو يخطو خطوات واسعة بعيدا عن المألوف في حياتنا المترعة بالقبلية الغارقة بالاعتبارات والاعراف البدائية القاسية و المتهالكة التي ينتج عنا في مثل هذا الموقف حضور الشيطان لتسيد قمة المشهد حين يتربع فوق كمية الدماء وحجم العداء والانتقام وما اليه من محصلات وعوائد قروية لاتزال فينا ورديا ، لحد الآن مثل، الكوامة  واخواتها….!!؟
 تبعت الرجل دون وعي حتى استوقفته بشكل شبه قسري وكأني اذر الملح في جرحه بسؤالي :
– ” لما فعلت ذلك ووهبت صافعك المأبون هذا ما لا يملك  وما لا يستحق …!؟”
رد بهدوء و برود وكأنه اشعل نارا في صدري :
-” انا لم اهبه شيئا بل قتلته  بما وهبت حين زرعت في عقله الصغير اعتقادا بان الاعتداء على الخلق عمل مربح …..!؟….بذلك حددت موعد موته ، ليس بيدي بل بيد غيري وحددت ثمنه ايضا… يبدو انه  رخيص جدا….اليس كذلك …!؟….صدقني ، يا اخي ، سوف لن يمتد عمره طويلا ليصرف ما وهبت ، اصبر قليلا وانتظر وسترى….!؟”
 زاد ذهولي رده الحكيم وثقته الثابتة بنفسه و رد فعله المتأتي من تجربة وايمان عميقين بالعدالة الالهية…! ….لم يمتد بنا الزمن طويلا فقد كانت عقارب ساعته حنونة قليلا ، واذا بنا نسمع لغط كبير واصوات هرولة المارة وسكان السوق اتجاه الجانب الآخر منه ، ركضنا مع الراكضين ونحن لا ندرك ما يحدث حتى وصلنا الى كومة من البشر حول صاحبنا الممدد على قارعة الطريق ، تملأ الدماء جوانبه ……!؟……اتضح انه صفع من هو اشد منه شرا واستهتارا ، فأهداه سكين في صدره ….!… حينها ادركت ان سهم الله قد نفذ من قوس الحكمة والصبر وسبقت حكمة الخالق انتقام المخلوق…. “وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى”.

أحدث المقالات