23 ديسمبر، 2024 3:47 م

حكايتي مع السيد مالك الياسري “رحمهُ الله”، لمثلك تليق السيد

حكايتي مع السيد مالك الياسري “رحمهُ الله”، لمثلك تليق السيد

عندما كنتُ اسمع بأسم السيد مالك الياسري، وعندما أقرأها مكتوبة على باصات نقل الركاب من باصات الريم والمنشأت والكوستر ومرسيدس ابو ١٨” محروسة السيد مالك” كنتُ اعتقد ان السيد مالك رجل دين أو امام متوفي منذ قرون!!
كعادتنا نحن الرباعي اللواء صاحب عبيد الشمري والشهيد ل ر سنان ابو كلل و ل ر محمود العيثاوي وانا نجلس ( المغربية) في شارع ١٤ رمضان أمام محل العم الشهيد عبدالكريم الشمري ، حيث يضع لنا الكراسي ونشرب الشاي واحياناً نرسل العامل يجلب لنا ( لفات ) من مطعم الساعة، وإذا بهم يقولون ( غدا نذهب الى عمنا السيد مالك نتغدى عنده والقيافة دشداشة دون عكَال) فقلت ( ليش هو السيد بالحياة)؟
ذهبنا ثاني يوم الى النعمانية ، وبطريق ريفي مبلط جيدا وصلنا مجموعة من البيوت القديمة التراثية تُحيط بها قرية كاملة ، وصلنا ودخلنا المضيف فوجدنا ٣ رجال فقط، الديوان بسيط والفراش بالارض( ع الكّاع) ، ولا توجد لا آيات ولا صور ولا رموز ولا رايات. وكان احد الثلاثة رجل ستيني ، رفيع ، دشداشة ،عكَال وشماغ اسود وابيض، حليق اللحية، الضباط يخاطبونه عمي، جلبوا لنا الشاي، وانا انتظر بلهفة دخول السيد كي ارى طول لحيته وحجم عمامته وعدد الخواتم ولون البشت و و و. طال الانتظار ، سألت ل صاحب( عجل وين سيد مالك؟) فقال ( هذا عمك سيد مالك) عجباً، لا لحية ولا عمامة و لا و لا!!
بدأ حديثه عن موسم الحنطة والشعير ( كوزير زراعة) وتحدث عن مناسيب المياه في النهر ( كوزير ري) وعن التسويق والسايلوات( كوزير تجارة) ، تحدث عن الحصار ( ذاك عام ٢٠٠٠) وعن مخططات امريكا ( وكانه وزير خارجية)، الله اكبر مطلع على كل شي، لكن لم يتحدث بجملة واحدة عن ( الدين) ، جاءوا بالغداء صياني اربعة علئ كل واحدة خروف اكلنا ثم جاء الفلاحين والعمال واكلوا، فقال الاخوة هذا يوميا هكذا والخير مما يملك من (حلال ) ومزارع يزداد دائماً.
استفسرت السيد مالك غير متزوج واخته غير متزوجة ، الرجال يأتون لمضيف السيد ، والنساء الى مضيف العلوية، والاكل موجود في كل الوجبات ، والسيد يخرج مع الفلاحين يوميا حيث الاراضي الاٰف الدونمات.
نهضنا للرجوع واذا السيد يضع مبلغ في جيبي وكعادتي قلت( بالطلاق ما يجن) ضحك السيد وضحكوا الاخوة الضباط حيث اخذوها وهم يضحكون فقالوا خذها ابو الحارث هذه من بركات سيد مالك( ٥٠٠) دينار وضعتها في ( الجام خانة في البيت ولم اصرفها).
تواصلتُ مع السادة في حال مرض احدهم او وفاة احد، وفي عام ٢٠٠٣ وبعد ٣ آشهر من الاحتلال ذهبنا انا و ل صاحب وشيخ نواف احمد الراكان الذي كان يريد ان يجلب معامل واراد استشارة السيد، وصلنا المغرب هناك، وبدأ السيد امتعاضه من الاحتلال ونظرته المتشائمة لمستقبل العراق ، تحدث بعمق ودقة وتحليل وكل الذي قاله حدث، فنصح شيخ نواف بان لا يستثمر ولا يشتري لان العراق تنتظره ايام سود فقال لا تجلب معامل ولا تضيع فلوسك، لم نبقى على العشاء للظروف ، ولكن شممنا رائحة(غنم) وبعد ان وصلنا( الحفرية) مررنا على الشيخ فالح السيد ابو صيهود شربنا قهوة عنده وفتحنا الصندوق فوجدنا الذبائح لاننا لم نبقى على العشاء عند سيد مالك فوضع العشاء بصندق السيارة.
تابعتُ اخبار السيد مالك الى وفاته قبل بضع سنيين، السيد لم يستقبل أي مسؤول ولم يدعم أي حزب أو كتلة ولم ولم ولم.
الله ياعمنا سيد مالك على ذاك الإباء والاحترام والمكانة الرفيعة ، ولو تدري ياسيد مالك ( وهو عرف طبعا) كيف ( يفترون) السادة من اصحاب العمائم المزيفة واللحئ الشيطانية، وشيوخ الدين ورجال الدين بعمائهم وجببهم ولحاهم والمستشيخين من شيوخ العشائر والحرامية من رجال الاعمال ، تراهم وهم يتسكعون او يستجدون من المسؤول الفلاني والوزير الفلاني والكتلة الفلانية والحزب الفلاني والدولة الفلانية والمخابرات الفلانية والسفارات الفلانية ووووو،
كُنتَ مُحترماً في النظام السابق والمسؤولين ( يتعنون) لك في دارك وقريتك وينفذون طلباتك بكل ( ممنونية) ليس لشي إلا لأنك ( سيد مالك) الانسان الكبير المحترم، وبقيتَ مُحترماُ وكبيرا بعد الاحتلال حيثُ لم تقف على باب احد مهما كان.رحلتَ بهدوء وبكيتك بسكوت!!
شتان بين ( سيد مالك) وبعض( السادة) حالياً
عليك رحمات ربي في هذه الأيام المباركات وعسى ربي ان بجمعنا في جنات النعيم عند ربٍ رحيمٍ.