18 ديسمبر، 2024 8:46 م

حكاية متقاعد .. بين مكرمة الكاظمي ولصوص الكيات!!

حكاية متقاعد .. بين مكرمة الكاظمي ولصوص الكيات!!

لم يعد الراتب التقاعدي محصناً، وحقاً ثابتاً للمتقاعد الذي أفنى حياته في خدمة الدولة العراقية، ودفع ثمن هذا الراتب جهداً وأموالاً رصدت تحت بند التوقيفات التقاعدية، فهو في معاناة دائمة، كلما إنتهى الشهر، فالتأخير مستمر، ولايوجد سقف محدد لموعد الراتب، فيما تأخذ التصريحات المتضاربة حيزاً من مكابداته، ولاسيما تلك التي تهدد مصدره المعيشي الوحيد، بذريعة الأزمة النفطية، برغم أنه لم يتقاضى حصته منه، في أيام الرخاء، والموازنات الإنفجارية، وظل يعيش بالوعود، تأسياً بالمثل الشعبي ” اللي توعده خيرمن اللي تاكله”.

مثل بقية الشرائح المجتمعية، رضي بقليله، مكتفياً بدخله الشهري، تاركاً النفط ” للشفاطة”، ومع موقفه المحايد هذا، فإن الأزمات التي تمر بها البلاد لاتتركه “خارج التغطية”، وانما تفرض عليه المسؤولية الأولى لمواجهتها، وعليه أن يكون الأول في طابور المضحين، ويقنع بالمقسوم، ولسان حاله ومقاله يردد ” بخيرهم ما خيروني .. بالفقر عموا علي”.

العميد المتقاعد جمال محمود محمد علي الجميلي، كان على موعد مع الراتب التقاعدي الذي تأخر طويلاً، لأسباب تتعلق بتشكيل الحكومة، وتدهور أسعار النفط !!, حتى جاءت مكرمة إطلاق الصرف، من دولة رئيس الوزراء الجديد، مصطفى الكاظمي !!، ولأن الضمانات محدودة، والثقة مفقودة، سارع في صباح اليوم التالي الى المصرف لتسلم ” المعاش”، كما يسميه، وقف بالطابور بإلتزام، وترك لمخيلته توزيع النفقات المطلوبة منه، حتى وصل الى المحاسب، وسلمه الماستر، وقلبه يدق خشية أن تكون هناك مشكلة في الراتب، فهو مثل بقية العراقيين من محدودي الدخل، يعيشون في خوف دائم على الراتب، الذي تحيط به عيون المسؤولين بالحسد.

غير أن الشريط الخاص به خرج من الجهاز مثبتاً راتبه التقاعدي، وتسلمه من دون مشاكل كانت توسوس في رأسه، حسبه مرة بعد مرة، وحشره في جيبه على أمل أن يوصله الى البيت كاملاً، قبل أن يعيد توزيعه على الميزانية التي وضعها.

وما إن وصل الى الشارع العام، شاهد حافلة صغيرة نوع كيا بيضاء، ولايوجد فيها سوى راكب واحد، رآها هو فرصة في زمن كورونا، ركب، وقد انهكه تعب السنين، وإنطلقت به، لكن السائق طلب منه النزول بعد مئة متر، وهو يقول له ” ما نوصل”، و”داس” مسرعاً حتى إختفى من أمامه.

مد يده في جيبه، فلم يجد الراتب، وضاعت آمال شهر كامل، وسط ذهول عطل كل تفكيره، فيما إعتصره هم مصروفات العيد الذي على الأبواب، وعيدية الأحفاد.

الحكاية انتهت الى هنا، لكنها ستكرر، ومصائد المغفلين لاتتوقف، والحكومة غير قادرة على توفير الأمن لهذه الشريحة من السرقة، ولا لغيرها طبعاً، لكن بإمكان الدولة بمعناها المؤسسي أن تقدم خدمة إيصال رواتب المتقاعدين الى المنازل، أسوة بدول العالم، ربما يصفنا بعضهم بالبطر، لكنا نتوسم خيراً بالكاظمي.