الاُذن تسمع والعقل يصدق ويُنكر ، والعين ترى والقلبُ يتدبر و يُبصِر ، والحقُ حقٌ في نفسهِ لا لرأيِ الناس فيه ، فالعزيزُ لا يزيد فيه نقيراً ، والذليل لا ينقص منه قطميراً. والنَّاس في رأيهم صِنفان ، رجلٌ عالم بالجيّد من الكلام من رديئه ، وآخرُ اختلط عليه الأمر فلا يميز الخبيث من الطيِّب . فما الحقيقة ؟
يقول الذي صلب لمقولة لم يفهمها معاصروه : أفهامُ الخلائق لا تتعلق بالحقيقة ، والحقيقة لا تتعلق بالخليقة ، الخواطر علائق ، وعلائق الخلائق لا تصل الى الحقائق ، الإدراك الى علم الحقيقة صعب ، فكيف الى حقيقة الحقيقة ؟ الحقُّ وراءَ الحقيقة ، والحقيقةُ دونَ الحق.
لكل نبإٍ مستقر !
هناك مشى طفل الى مدرسته فخوراً لأنـّه حلَّ واجِبَه المنزلي بدون مساعدةٍ من أُمـِّه ، فقد كان أبوه منشغلاً بجلب قوت عياله ، هناك منزلُ جدّي رحمه الله الذي كان كعبةً لأبنائه وأبناءِ أبنائه ، كلُّ غرفة فيه تحكي قصة ، كرهت منها قصة الحمّام الشرقي الذي لا يعرفه من سكن بغداد الا ما ندر . هناك تبخترَ شابٌ لأن محبوبتَه ابتسمت له فقرر الاحتفال بهذا الْيَوْمَ مع صديقه ، الذي يطلب جاره مبلغا من المال تأخر في سداده ، في المقهى القريب .
في كل منزل حكاية وفِي كل شارع رواية وفِي كل محلةٍ الف حكايةٍ ورواية .
هناك اتشحت بالسواد مدينة أبي وجدي ، وهناك ابتلانا الله بقومٍ ظنوا أنَّ الله لم يهدِ سواهم .
هناك سالت دماء ، وأي دماء !
وأقترب الوعدُ الحق ، وقُتِلَ الخرّاصون – أي الكاذبون – الذين هم في غمرةٍ ساهون ، أي الذين في لُجّةِ الجهل والضلال يلعبون ويفسدون .
أين الرواية بل أين النجوم وما
صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
كأنني سمعت أبا تمام يخاطب الخليفة المزعوم ، فما أغنى عنه ماله وما كسب ، سيصلى ناراً ذات لهب ، بل صَلَى ناراً ذات لهب ، لهبٌ جنوبي برائحة رز المشخاب وبطعم قيمر السدة ، لهبٌ بلونِ القمح الذي تَخَصَّرت به الكواعب الأتراب في العمارة عند موسم الحصاد ، لهبٌ يحكي قصة عاشق لصاحبة الضفائر الطويلة التي غار منها سواد ليل الناصرية ، فتأخر إعلان حبهما حتى يستلم راتبه كمقاتل ولكنه عاد شهيدا احتفل به وادي السلام .
الصورة بألفِ كتاب ، والدمعةُ تذيبُ القلب قبل الخد الذي غادرته مساحيق التجميل لقصر ذات اليد .
كل نفسٍ بما كسبت رهينة ، وللإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
فصبرٌ جميل …..