قصة قصيرة
1 ـ تقرير.
قمنا يوم الأربعاء 11 دجنبر في منتصف النهار تماما باصطياد (ب.ص.). المسمى بليخانوف الصغير. على ضفاف جامعة ابن طفيل. وقد نصبنا له في الصنارة صديقته ورفيقتنا(ش.ع). فتردد كثيرا لكنه في الأخير وقع. وقد نقلناه بسرعة الضوء للمخفر. ثم حاولنا معه بأنجع الوسائل المتوفرة لدينا ـ الحديثة منها والقديمة ـ كي يتقيّأ ما بأحشائه، لكن وللأسف الشديد كان رأسه ـ مسخه الله ـ أصلب من رأس وحيد القرن. وقد أغضب هذا السلوك المشين أحد أعضائنا النشيطين(ج.ج.). فحزم حذاءه وأخذ المصباح المحمول وصاح فينا:
ـ افتحوا لي فم هذا الحيوان أدخل لعلني آتيكم بأخبار سارة.
لكن ما أن دخل بطنه، وتقدم خطوات قليلة على ضوء المصباح، حتى قرر اللعين أن يحتضر بمحض إرادته. وقد ناشدناه أن لا يفعل ذلك في هذه الظروف الحرجة. والتي تتميز بوجود زميلنا في بطنه. فبكينا وولولنا أمام عينيه المغمضتين. لكن اللعين قرر أن يموت عن طيب خاطر.
غلفنا الذعر أجمعين. وملأ الأسف قلوبنا على مصير صديقنا، الذي ـ ربما ـ لن يخرج من بطن المتهم أبدا.
2 ـ تحقيق.
1ـ حاولي مع رفيقكِ أن يقول لكِ.
2ـ قلتٌ لكَ: قلْ لهم.
3ـ وأنا قلتُ لكِ : ماذا أقولُ لهم؟
2ـ ما قلتَه لي ذلك اليوم.
3ـ وهل قلتِ لهم ما قلتُ لكِ
2ـ لا. لكن إن لم تقلْ لهم فسوف…
3ـ سوف ماذا؟ قُولي.
2ـ قالوا إذا لم تقلْ لهم فسوف يفعلون بي ذلك.
3ـ يفعلون بكِ ماذا؟ قولي.
2ـ أنت تعرف ما أقصد قَوله.
3ـ لا.لا. رفيقتي لا تدعيهم يفعلون ما قالوا.
2ـ وإذن قلْ لهم.
3ـ لقد قلتُ لكِ: ليس لدي ما أقوله.
1ـ أدخلي وحاولي للمرة الأخيرة. إنه مُصرّ أن لا يقول شيئا.
4ـ بلى، لقد قال.
1ـ وماذا قال؟
4ـ قال لها ” هل قلتِ لهم ما قلتُ لكِ ذلك اليوم.
1ـ آه.صحيح.إذن ماذا قال لكِ؟
2ـ قال ما قلتُ لكم البارحة.
1ـ حسناً. افتحوا لي فم هذا الحيوان…سأدخل…أين المصباح؟
3 ـ جلسة استماع.
جاؤوا من كل فج عتيق. ومن كل سجن سحيق
عميقا من تحت الأرض. من صحارٍ في أعالي الجبال
شمالا من دار بريشة. جنوبا من تازمامارت
شرقا من ساريات الفحم الحجري
غربا من لعلو والسجن المركزي.
من الوسط جاؤوا
يحملون ثقلا في القلب. مثل غيوم الخريف
جاؤوا من إملشيل
حمر العيون من النزيف
نساءٌ في لباس ثقيل
يدخلن من باب الأوتيل
وسكّان الشمال
قد حلوا في العاصمة قبل قليل
رؤوس تنظر لخشب الصّالة
وأرواح عالقة في جبل تدغين
فبكوا في أفواه الميكروفونات الفاغرة
وبكوا..وبكوا..وبكوا..وبكوا..
وحين رأوا وجوهم في الزجاج
لم يجدوا لوجوههم وجها على الكتفين
بكوا بقلوب موضوعة على مصطبة الجلسات
ـ الذي نزل من جبال خنيفرة
حيث منازل الجنرالات المشمعة بالأحمرـ كان يبكي بالأمازيغية ـ
ـ التي صعدت من وادي لاَوْ
حيث لا أجنحة للعصافير هناك
كانت تبكي بالعربية الدارجة
ـ الذي صعد من الدرب. من تحت أرجل المارة
عميقا في شوارع الدار البيضاء
كان يبكي بلغات كثيرة
أمّا هم فكانوا يسمعون.
ـ الذي صعد من جرح في مدينة الورود
حيث بكى الموت وشكا لحاله بقلب جريح
كان يبكي بلغة خاصة.
ـ اللواتي جئن من غرب الغرب حافيات اليدين.
كن يبكين مثل نهر سبو
أمّا هم فكانوا يسمعون
ـ الذين جاؤوا في طائرات من باريس
وألخيدو. بكوا ما تبقى من الدمع في صالة الفندق
وبكوا..وبكوا..وبكوا..
وهم يسمعون.
4 ـ قصة البطل الضحية.
أمّا هو فقال: السيد الرئيس، أعضاء الهيئة الموقرة، الحضور الكريم.
((أنا ب.ص. الملقب ببليخانوف الصغير. ذهبت إلى الجنة معصوب العينين. هذا بعد أن أتممت شهرا أو ما يزيد بين مكاتب وكالات السفر. كانت الأمور في الوكالات تقتضي طقوسا خاصة. وخلال هذا عرفت بأذنيّ فقط أن حراس الجنة هم في الأصل حجاجا تمت ترقيتهم. كان علي أن أُشحن بالكثير من الصعقات الكهربائية بين زوايا هذه المكاتب. فالجنة ـ كما قال الحجاج ـ باردة جدا، وجسمي نحيف لا يملك من الطاقة ما يجعل قدمي تحمل جسمي للمرحاض العمومي. وتكلف أحد الحجاج بتنظيف أمعائي بالماء و قطع الإسفنج. طبعا حتى تستعد المعدة والأمعاء لتذوق فاكهة الجنة. فرواسب الأغذية الدنيوية تفسد الطعم المختلف للأشياء هناك. ثمة من كان ساعتها يضرب برفق رهيب على وجهي وباطن قدمي. فهمت أنها أمور عادية لطرد حالة الذهول التي تصيب المبشرين بالجنة. في هذه الظروف بالذات. وتحد من الإحساس المطلوب بالنعمة.
كانت ليلة الخميس من ذلك العام قد حلت قبل الأوان. بساعتين على الأقل. وخلال الساعتين هذه قلت لرفيقتي شاديا كبوري أن نقابتين قد دعتا للإضراب العام. وأن الطلبة يناقشون كيف يمنحون أفقا للإضراب. فسألت على التو:
ـ وما هي الأداة؟
فقلت لشاديا:
ـ النقاش في الحلقة لا زال مستمرا. تصوري 61 تدخلا. غير أن التوجه العام يسير في اتجاه المسيرة المحلية من كلية العلوم نحو الحي الجامعي. مرورا بدوار العسكر ،فحي لاسيكون ثم حي العلامة، فباب الحي الجامعي.
قالت الرفيقة شاديا:
ـ إن هذا الإضراب سياسي.
وعلى الفور أجبت:
ـ طبعا. كل إضراب هو سياسي. بل كل حركة تقومين بها هي حركة سياسية. فأنت حين تحكين مؤخرتك في غفلة عن الأعين ، فقد قمت بسياسة حك المؤخرة. أو بحك سياسي للمؤخرة.
فهمت شاديا. ثم مدت يدها لتمارس السياسة. لكنها عوض أن تحك مؤخرتها فقد حكت المقدمة. وهنا وقع شيء غريب تحت سروال الجينز الأزرق. فقد انبعثت من تحت السروال أصوات تشويش مشبوهة. وكانت أشبه بمحاولة ضبط الراديو على موجة معينة. ثم سمعت فرجها يتكلم.
قال فرج شاديا:
ـ آلو.شاديا؟ هل هو من يتكلم الآن؟
وقالت شاديا لفرجها وهي تحاول إشعاري أنه أنا من تُحدّث:
ـ نعم. إنه هو.
ثم صاح فرج شاديا:
ـ اسمعي. أين أنتما الآن بالضبط؟
فقالت شاديا لفرجها:
ـ نحن خارج أسوار كلية الآداب.
آو.آو.آو قلت في نفسي. إن فرجها يتكلم. فأشياء مثل هذه من الصعب حدوثها إلاّ في هذا البلد. في هذه المدينة يمكن أن ترى طالبا، غير أنه بائع رؤوس الماعز. وطبيبا غير أنّه رئيس الرقاة. ودكتورا في الفلسفة يرى العفاريت ويرى ذيلها أيضا. والآن فروج تتكلم مثل موظفين حكوميين تماما؟ ومن يدري ربما هناك مؤخرات وخصي تفعل أشياء غريبة أخرى. وفكرت بسرعة في ثلاث تكتيكات:
((أن أحبس النقاش مع رفيقتي ذات الفرج الناطق فورا))ـ (( خطة عاجلة للفرار )) ـ ((تأمين ذاتي مرحلي)).
غير أنه وأنا أفكر في هذا، وجدت نفسي مطوقا من كل الجهات. بأناس لا أعرفهم. غير أنهم انبعثوا وكأنهم خرجوا من تحت الأرض. أو نزلوا من كوكب آخر. نقلونا في سيارة شركة القهوة ـ حفظها الله ـ إلى المكتب الأول. وهناك أخبروني أني مبشر بالجنة. وبقيت في ضيافة بعض الحجاج هناك، حيث تم تدريبي يوميا على ركوب الأرجوحة. ربما لأن الجنة مليئة بالأراجيح المختلفة. ثم نقلوني معصوب العينين ومربوطا بحبل ـ ليس من مسد كما زوجة أبي لهب ـ لكن من بلاستيك أخطر من المسد القريشي، نقلوني إلى مكتب السفر الثاني حيث سمعت صوتا يقول:
1ـ أنت المدعو بليخانوف الصغير. أليس كذلك؟
3ـ (…) لم أجب.
1ـ أجب يا حيوان. هل تعرف الطالبة شاديا. ((هوت صفعة على وجهي))
3ـ (…) أردت أن أسأل : هل تقصد ذات الفرج الناطق؟ غير أني كنت قد قررت الإضراب عن الكلام إلاّ بحضور محامي .
1ـ أجب يا حيوان.((هوت صفحة ثانية)). سأتركك مع صديقتك شاديا. آمل أن تكون متعاونا. وعليك أن تفهم جيدا أننا نعرف ما في بطنك أكثر منك.
قالت شاديا:
2ـ قلتُ لكَ: قلْ لهم.
3ـ وأنا قلتُ لكِ: ماذا أقول لهم.
…
وحين لم أقل أي شيء ، شعرت ـ وعيناي معصوبتان ـ بآلة حديدية تفتح فمي. وبصوت دولاب يحدث أزيزا. وظلت فكّا فمي تتباعدان وتتباعدان. نحو الأعلى فالأعلى. ونحو الأسفل فالأسفل. كنت أتصور أنهما أصبحتا في هيئة كهف. وفي لحظة ما أحسست برجل يدخل عبر فمي. ويتسرب إلى معدتي. ويتقدم بخطى ثقيلة نحو بطني. لم أستطع تحمّل ذلك فأُغمي علي.
أعضاء الهيئة الموقرة، الحضور الكريم.
أريد أن أضيف أن الرجل الذي دخل إلى بطني. كان يقتات من دمي، طيلة تواجدي سواء في مكاتب السفر، أو خلال السنتين التي قضيتها في الجنة نفسها. ولكم أن تتصوروا حجم المعاناة ومعها كيفية الإنصاف والمصالحة. وتحية.
5ـ مداولات جلسة الاستماع.
0ـ لكي نتداول في الموضوع الخاص ب(ج.ج)ونتخذ القرار بشكل ديمقراطي، أقترح فتح لائحة وحيدة للتدخلات.
1ـ من وجهة نظري لا يمكن الاستماع إلى ج ج. فهو متهم وليس ضحية. والمشكلة هي كيف سيتكلم رجل من بطن رجل آخر.
2ـ ما هو مفهوم الضحية لديك؟ الرجل يستغيث من داخل بطن المتهم، وأنت تقول ليس ضحية؟ بالنسبة للطريقة، أقترح استدعاء تقنيين متخصصين في الإعلام. لكي يمكنوا المواطن (ج.ج) من التكلم عن معاناته للهيئة. حتى وهو في بطن هذا الرجل العادي.
3ـ أقسم. لقد أَغمَى على نفسه. بسبق إصرار. لذلك أنا أزكي ما قاله التدخل رقم2.
4ـ نحن في جلسة استماع أليس كذلك؟ لذا يجب أن نسمع الطرفين معا. وهذا كما أظن لا يخرج عن أدبيات الديمقراطية والمحاكمة العادلة.
5ـ لسنا في محكمة. فلو كان ذلك صحيحا لما صدرت توصية بطي الصفحة. نحن أمام دفتر رهيب نطوي صفحاته ونطوي ونطوي . انظروا أيادينا قد تعبت وهذه الصفحات لا تنطوي. ج.ج في بطن هذا الرجل العادي . إذن هو صفحة من هذا الكناش اللعين. ولا بد أن نسمع صفحته على كل حال. هل يعقل أن نطوي صفحته دون استماع؟
6ـ تحية لكل الضحايا. أريد أن أطرح إشكالين . الأول ،كيف يمكن لرجل سواء كان ضحية أو متهما أن يأخذ الكلمة. وهو لا زال في بطن هذا الرجل العادي ؟ وهل يسمح المدعو بليخانوف الصغير أن يتكلم رجل آخر من بطنه؟ الثاني،كيف يمكن طي صفحة ج.ج وهو لازال في بطن الرجل ؟ وأظن كجواب على الإشكالين أن الشرعة الدولية، لم تخترع بعد قوانين بمثابة حقوق ذات صلة، تمكن أناسا من الكلام من بطون أناس آخرين. أقول إن أي إجراء من هذا القبيل لا يدخل إلا في باب انتهاك حرمة الجسد.
7ـ ولماذا لم ينتظر حتى يخرج السيد من بطنه؟ وآنذاك يمكنه أن يفقد الوعي أو يموت حتى؟ أقول مبدئيا أن الأمر من وجهة نظر القانون، يحمل الكثير من نية الفعل. وطبقا للحيثيات السابقة، ومن باب الإنصاف والمصالحة، أعطي بصفتي عضو في الهيئة الحق في الكلام للسيد ج.ج الذي هناك في بطن هذا الرجل العادي.
8ـ هذا غير منطقي. قل لي من دفع به أن يدخل إلى بطن السيد؟ هذا انتهاك صارخ للخصوصية.
7ـ كان في مهمة رسمية.
0 ـ المرجو تجنب الحوارات الثنائية. واحترام أدبيات النقاش. بقي آخر تدخل قبل احتساب التوجه العام. التدخل الأخير تفضل.
9ـ حتى أساعد الهيئة الموقرة في ربح بعض الوقت. فأنا أسحب تدخلي. لكن قبل ذلك أزكي فكرة استدعاء عاجل لتقني متخصص يساعد الرجل على إسماع صوته لهيئة الإنصاف. وهذا حق مكفول في جميع أدبيات الشرعة الدولية.
0 ـ إذن طبقا للتوجه العام، تقرر منح الرجل العالق في بطن الرجل العادي “مكروفونا” يمكنه من الإدلاء بشهادته. وهذه العملية تتم بشكل عاجل. وبإشراق تقني أو مجموعة كاملة من التقنيين بمساعدة طبيب متخصص أيضا. وترفع السرية على عملية إدخال الميكروفون من فم الرجل العادي إلى بطنه. مرورا بالحنجرة و فالقصبة الهوائية فالبطن.
6ـ قصة المحقّق العالق في بطن الرجل العادي.
وأنا هنا سجين في بطن هذا الرجل. أناشد هيئتكم الموقرة إخراجي من هذا الجحيم. وافعلوا بي ما شئتم. لكن أخرجوني من هنا أولا. فأنا في قبضة ثلاثة مجانين ألمان. خطيرون للغاية: صاحب الصدغين فريدريش هيجل، وذو اللحية كارل ماركس، وصاحب الشاربين فريدريك نيتشه. إنهم يسكنون في بطن هذا الرجل. ربما لأنه مدمن على قراءة الكتب الألمانية. صاحب الشاربين يقف أمامي الآن. إنه يسمعكم. وينتظر الإشارة ليهوي على رأسي بمطرقته اللعينة. وهذان الأحمقان لايتفقان على شيء أبدا. فمنذ عامين وهما يتخاصمان حول ما إذا كنت سأقف على رأسي أم على قدمي.
قمنا باصطياد هذا الرجل الذي علقتُ في بطنه لمدة ربع قرن تقريبا بمساعدة صديقته. قلنا في المكتب أننا أنجزنا مهمة ثقيلة في ذلك اليوم المشمس. فالأجواء قبيل الإضراب العام كانت مكهربة. مدينة القنيطرة تغيرت رأسا على عقب. فوجوه الناس أصبحت كالحة جراء الفقر والجوع والبطالة. يمكن أن نلاحظ ذلك بسهولة في الأحياء الهامشية. عرفنا أن الطلبة يستعدون لإنزال معركة مختلفة تزامنا مع الإضراب. هم يقولون “لكل معركة صداها في الجامعة”. لذلك قمنا بعمل استباقي كي نفشل مسيرة الطلبة. اعتقلنا السيد ب.ص ظنا منا أنه رأس الحربة. ولكن للحقيقة كان رجلا عاديا. ولا يعرف أي شيء تقريبا. لذلك أريد أن أستغل الفرصة وأعلن من داخل بطنه أنه بريء من كل ما نسب له. وأن كل سنوات السجن التي قضاها حتى الآن،كانت فضيحة بامتياز. أنا الآن في بطنه وأعرف ما أقول.
أثناء التحقيق معه داخل المكتب قرر التزام الصمت. ولم يكن أمامي أنا المكلف بالتحقيق سوى الدخول إلى بطنه لاستخراج المعلومات. وفعلا فتحنا فمه باستخدام رافعة ميكانيكية خاصة بالسيارات. وأدخلت رأسي أولا. وهذا هو الخطأ القاتل الذي ارتكبته طيلة حياتي المهنية. فقد وجدت نفسي واقفا على الرأس داخل بطنه. وفجأة دخل رجل بوجه ألماني. عيناه بارزتان. لايبدو أنه قام بتسريح شعر صدغيه منذ مئات السنين. ربما لا يجد الوقت لذلك. فرح كثيرا وخاطبني:
ـ مرحبا. أنا السيد هيجل. من ألمانيا.
ـ أنا المحقق جمال ج من القنيطرة.
ـ أنت أول من يقف على رأسه منذ سنين. وهذه كما كنت أقول دائما هي الوضعية الحقيقية للعالم. سوف أوصي السيد فريدريك نيتشه أن يهتم بك.
ولم يفرغ من كلامه حتى دخل رجل ثان. كان وجهه أغرب من وجه الأول. صاحب لحية طويلة وكثيفة جدا. كل هؤلاء لا يجدون الوقت لإلقاء نظرة على وجوههم في المرآة. دفع السيد هيجل بكلتا يديه وقال لي.
ـ مرحبا. أنا كارل ماركس وكفى. لست سيدا لأحد. وأرفض تقسيم هذا الألماني المعتوه للناس إلى سيد وعبد.
ـ مرحبا كارل أنا المحقق جمال ج من القنيطرة هل أنت من ألمانيا أيضا؟
ـ طبعا.
ـ ((هممم)).
ـ أنت تعيش وعيا مقلوبا. فقد اشتغلت طيلة سنوات ضد طبقتك الأصلية. لذلك تقف على رأسك الآن عوض أن تقف على قدميك. لقد زيف الألماني المثالي المعتوه وعي الناس. الوقوف على القدمين يا جمال هي الوضعية السليمة. سوف أنادي السيد نيتشه ليهتم بك.
ثم التفت إلى غرفة مقابلة وصاح:
ـ سيد نيتشه..سيد نيتشه..صحح الوضعية.
وأنا أقف على رأسي مثل عقرب كبير.كنت أنظر إلى الشخص الثالث يدخل من الغرفة المقابلة. إنه غريب جدا. شارباه مثل ضفيرتين. يجرهما على أرضية الصالة. يحمل مطرقة متوسطة الحجم. إنه لا يتكلم. فهو ينفذ ما يقوله الألمانيان وفقط. رفع المطرقة . ثم هوت ضربة قوية على قدمي فسقطت. ثم أطلق ضحكة مجنونة. وبعدها ساعدني على الوقوف على الرأس كما أمر ماركس. ثم دلف إلى غرفته.
لم تمر على هذه الوضعية الجديدة خمس دقائق حتى دلف هيجل هائجا:
ـ كم قلت لهذا الألماني المادي الجلف أن الرأس هي الأرض نفسها. وهو يقول أنها القدمين. نيتشه..نيتشه. صحح الوضعية.
ثم عاد صاحب الشاربين والمطرقة. وأنا أقف على رأسي استطعت التفرج على ملامحه الغريبة وعلى حجم الرعب الذي يحمله في عينيه. خمنت أنه ألماني أيضا. رفع المطرقة عاليا ثم هوت ضربة عنيفة على رأسي. قلبتني دفعة واحدة عقبا على رأس. ثم عاد ماركس فنادى نيتشه وبعده عاد هيجل فنادى نيتشه. ظللت أُقلب مرة على الرأس، وأخرى على القدمين. وأثناء كل وضعية تنهال ضربات المطرقة المرعبة. مرت حتى الآن عشرون سنة، وأنا في ورطة حقيقية.
الآن لا أطلب من هيئتكم الموقرة لا التعويض المادي ولا جبر الضرر. أناشدكم بحرارة أن تنقذوني من قبضة هؤلاء المجانين الألمان. أن تنقذوني فقط.