هو المسرح الذي يتقافز على خشبته أولئك المتخالفين والمختلفين، هو المساحة المكانية التي تقرر مصير القادم من الأيام لشعب مقهور، يقرره هؤلاء الذين تتقاسمهم الطوائف والكتل والأحزاب كلٌ حسب حجمه ولونه ومذهبه.
نعم.. ذلك هو مسرح البرلمان الذي يجلس العراقيون أمام شاشة التلفاز وكأنهم يشاهدون صوراً تعكس واقعهم العراقي المتناثر المليء بالمتناقضات على أيدي المقامرين بمستقبلهم، إنظروا إلى خلافاتهم وصراخهم ستجدون أنها تعكس الواقع العراقي المنخور الذي لايحتاج إلى معول لتحطيمه لأنه مُحَطّم أصلاً.
البرلمانيون الجالسون أمام مسرح البرلمان الذين إتفقوا على أن لايتفقوا إلى درجة أن البرلماني الذي لا يجد من يتشاجر معه في البيت سيجد حتماً من يتشاجر معه تحت قبة البرلمان.
توزعت الأدوار كلٌ حسب رغبته وغاياته، فالكرد أقسموا أن لايُبقوا ديناراً واحداً في جيب العراق من غير أن يكون لهم حصة فيه، يقاتلون بشراسة من أجل أن لا توضع إيرادات إقليمهم (دولتهم) تحت إشراف البنك المركزي العراقي أو أنظار الحكومة الإتحادية.
الكرد يرفضون تسليم واردات نفطهم لبغداد بل غايتهم أن يكون تحت إشراف بنك يكونون المشرفين عليه وكأن الحال يقول ما تنفقه اليد اليمنى سيذهب بالتأكيد لليسرى، لا يهمهم غضب مناطق الجنوب والوسط وهم يستنزفون ثرواتهم حتى ولو إحترق الجميع، يُطبّقون المثل العراقي “منين ما مِلتي غِرفتي” أي من تهريب نفطهم وأموال المحافظات الأخرى التي يتقاسمون خيراتها.
الشيعة هم مأساة السلطة في العراق حيث لا يبتغون سوى المنطقة الخضراء التي يسكنون في قصورها، وحساباتهم المصرفية، وكم يجنون من التنازلات والإنهزامات، لا يهم السياسي الشيعي حتى ولو ذهب جمهوره إلى الجحيم ما دام هناك من يرضى ويبارك له سلطانه المزيف.
لا يمس السياسي الشيعي وخز الفقر والحرمان وأمراض السرطان التي تفتك بجمهوره في مناطق الجنوب وهم يتنفسون روائح النفط المستخرج ليُعطى هِبات مجانية إلى الآخرين، لذلك ترى الإنتفاضات وهي ترفع شعار “بإسم الدين باگونه الحرامية” في توصيف لايحتاج إلى شرح.
السُنّة أو من يمثلهم في البرلمان ذلك الجرح الغائر والغصّة التي تشهدها حكايات وقصص مناطقهم المهجورة التي لم يبقى منها سوى الأطلال وصفحات متنقلة ما بين غرابيب داعش والفساد الذي فتك بمستقبلهم وحياتهم وأمانيهم حيث لم تجد زعاماتهم حلولاً لمصائبهم بل زادت من معاناتهم.
مجموعات متخالفة ومختلفة تجتمع تحت قبة البرلمان كطلاب صف دراسي يدخلونه لأول مرة لمناقشة طرق الإنقضاض على نعيم الموازنة الثلاثية لسنوات كابوس العراق، تلك هي فصول حكايات العراق يشاهدها الجمهور الجالس أمام شاشات الفضائيات وكأنها تحكي واقعاً يعيشه العراقيين منذ أكثر من عشرين عاماً تحت غيوم الإحتلال التي تأبى مغادرة سمائه.
موازنة الزعامات والأحزاب والطوائف التي تتراقص جيوبها طرباً بإنتظار الإقرار الذي يطول النقاش فيه إلى ساعات الفجر، حيث لم تكشف لنا سر عقد الجلسات في ساعات الليل الطويل، والطريف المُبكي أن ساعات نقاشهم رافقها إنقطاع التيار الكهربائي عن قاعة الجلسات لحواراتهم.
قاعة البرلمان العراقي التي تحيط بها الجدران الإسمنتية بعيداً عن عيون الشعب حيث يقررون مصير ذلك الغائب عن وعيه خلف تلك الصبات الكونكريتية، والمصيبة أن ذلك الضائع بين حساباتهم وغنائمهم لايعلم ماذا ينتظره منهم، فهل رأيتم كابوساً حل على العراقيين أكثر من ذلك؟.