صارت (بابا آنا) تفاحة آدم بين موسكو وكييف؛ على خلفية الحملات الإعلامية غير المسبوقة؛شكلا ومضمونا مع هدير المدافع وقصف الصواريخ، والحرائق والدمار.
بدات الحكاية؛ قبل اسبوعين؛ حين انتشر فيديو على مواقع التواصل؛بملايين المشاهدات، لعجوز تخرج من كوخها بضواحي مدينة ميريوبل، تلّوح بالعلم السوفيتي في استقبال من اعتقدتهم جنودا روس؛ لتكتشف انهم عساكر أوكران،يقدمون لها الخبز والمعلبات، ويسحقون العلم الاحمر ببساطيلهم.
رفضت ( بابوشكا آنا) العطوة الاوكرانية؛ ورفعت علمها المعفر بالتراب، ولاذت بمنزلها الخشبي العتيق؛ لتصبح في غضون دقائق، رمزا للحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتوصف رسميا بانها عملية خاصة لاجتثاث النازية.
قبل ان تتعرف الدوائر الروسية في موسكو على اسم وكنية ولقب السيدة العجوز، سارع رسامون الى تحويلها الى بوسترات مع الحرف(Z)رمز العملية العسكرية الروسية المثير للجدل؛ في معناه ومغزاه، خاصة وان صورته؛ توحي برموز الجيوش الهتلرية؛ فيما لم تتفق الاوساط الروسية المعنية على رواية موحدة لمعنى(Z) اللاتيني المختلف عن الزاء في الحروف الروسية الاكليريكية؛ وهي الأبجدية الام للشعبين الروسي والاوكراني، وأصولها بلغارية.
ولان ( بابا آنا) في الشريط؛ كشفت عن بسالة في الدفاع عن العلم الأحمر، فقد تحولت الى رمز وصفه نائب مدير ديوان رئاسة الدولة الروسية، سيرغي كيريينكو ” إمتداد تاريخي لمقاومة النازية منذ العهد
السوفيتي”.
مع ان السيد سيرغي فلاديميروفيتش كيريينكو؛ ولقبه عند الولادة عام 1962 كان( إسراتيل) الذي تراس حكومة أفضت سياستها الى إعلان إفلاس روسيا في العام 1998؛ يعتبر من اشد إعداء النظام السوفيتي، ومن جماعة ” السراويل الملونة” على حد تعبير الشيوعيين الروس،ويتهمون جماعة الليبرالي السابق كيريينكو بموالاة الغرب.
عادت الحياة الى الاقتصاد الروسي؛ باطاحة حكومة كيريينكو، وقيام وزارة برئاسة السوفيتي المخضرم يفغيني بريماكوف، مع ثلة من قيادات الحزب الشيوعي الروسي؛ أعادت للروبل عافيته الأمر الذي لم يرق ليلتسين وشلته، ودب الذعر في صفوف
” اصحاب السراويل الملونة” من عودة الشيوعية السوفيتية؛ وتمت إطاحة حكومة الانقاذ برئاسة بريماكوف الذي رفض حينها عرضا من زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف؛ بنزول الحزب الى الشارع، وإرغام يلتسين على ابقاء الحكومة، ومواصلة نهج استعادة ممتلكات الدولة؛ ومحاربة المراكز المالية التي غدى مديروها يعرفون بالاوليغارشية؛ المهيمنة على اقتصاد البلاد.
وهكذا افتتح سيرغي كيريينكو تمثال ( بابوشكا) اي الجدة، في مدينة ماريوبل؛ معترفا انه لا يعرف الا اسمها الاول( آنا) وقال” لكننا سنعرف قريبا كل التفاصيل عن الجدة البطلة”.
وسرت تقارير صحفية؛ ان بابوشكا آنا، وصلت الى موسكو، وستظهر مع ألرئيس بوتين على منصة الاستعراض العسكري الضخم بمناسبة عيد النصر، يوم رفرف العلم السوفيتي الاحمر بالمنجل والمطرقة؛ فوق مبنى الرايخستاغ الالماني في التاسع من ايار/ مايو 1945 .
في هذه الاثناء؛ ظهرت( بابا آنا) على قناة أوكرانية؛ تتحدث لمراسلتها؛ عن انها تتشوق للعودة الى قريتها( بعد تحريرها من الاحتلال الروسي)!
وقالت آنا ايفانوفنا ايفانوفا ، الاسم والكنية واللقب الروسي للسيدة العجوز:
” كنت خائفة من ان يحرق الجنود الروس بيتي؛ فقابلتهم بالعلم الاحمر”.
ولم يبد على بابوشكا؛ اثر للاحراج؛ في سرديتها لحادث شغل وما يزال مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها أيقونة الحملة على النازية الجديدة في أوكرانيا؛ فيما كان شريك حياتها الجد ايفان؛ يردد الصلوات،طاردا الارواح الشريرة ، بصليب خشبي صغير يلوح به أمام عدسة التلفزيون؛ داعيا الرب لإحلال السلام والمحبة.
لا احد يعلم كيف ستنتهي قصة جدة عموم روسيا ( بابوشكا آنا) بعد ان اتضح انها ترفض التخلي عن هويتها الاوكرانية.
وان الشريط الذي هز مواقع التواصل؛ والهم الشعراء والرسامين والنحاتين، وشغّل المطابع رغم ازمة الورق،تحول الى علامة استفهام كبيرة حمراء، و اخذ السؤال يتسع::
بابوشكا آنا انت مع من؟
لكن الجدة الثمانينية؛ لا يبدو انها تكترث للبوسترات او اللافتات المنتشرة بعشرات الوف النسخ في عموم روسيا؛ تخلد مأثرة السيدة العجوز بعلم احمر، سيرتفع في عيد النصر مجددا هذا العام؛ فيما المدافع تهدر والصواريخ تنطلق؛والمزارع والسهوب؛ تحترق أمام زحف الدبابات والمدرعات؛ وتتهاوى المباني بالقصف؛ ويتساقط القتلى، من ابناء واحفاد؛ شعوب روت بدمائها ، ارض روسيا وبيلاروسيا واوكرانيا، وصولا الى برلين؛محررين وفاتحين.
ولم يتخيل آحد في أسوء الكوابيس ان دماء ورثة النصر على النازية؛ ستراق بين الإخوة الأعداء!
فبدلا من الرمز المشترك للجدة الطيبة في الحكايات الروسية والاوكرانية، صارت( بابوشكا آنا) عنوانًا لحرب إعلامية؛تفجر البغضاء والاحقاد والكراهية.