سؤال غريــــب وبسيط وصعب جدا في نفــــس الوقت. حــــقاً ماهو الوطن ؟” .
هل هو المــــكان الذي وُلدنا فيه وانـــهينا مدرســـتنا الابتدائية والثــــانوية والجامعية ام هو شيء آخر يتعــــدى مفهــــوم مكان الولادة وماشــــابه ذلك .
لم افكر يوما ما في طرح هذا السؤال على ذاتي او على الاخرين لكنني اليوم وجدت نفسي افكر في هذا الموضوع بصورة جدية وقد نبهني الى ذلك شاب عراقي بعمر ولدي اسمه احمد – IOU – هاجر الى امريكا وكان يتحدث بطريقة عفوية لكنها واقعية بكل ماتعنيه هذه العبارة من معنى. احمد شاب بسيط لكن يبدو ان الحياة الفعلية العملية قد علمته دوروسا كثيرة.
من خلال حديثه ايقنت ان مايقوله صائب مئة في المئة – ولو انني في البدائية ضحكت من كلامه واعتبرته مجرد هلوسة شباب .
حقاَ ان كلامه منطقي – مافائدة الوطن الذي اعيش فيه حاليا وانا اخاف في كل لحظة من حدث ربما يصادر حياتي او حياة عائلتي ومافائدة الوطن الذي اعيش فيه ولايستطيع هذا الوطـــن ان يوفر لي ابسط حقوق الانسان البديهية التي لايختلف عليها اثنــــان مهما كانت الظروف.
الوطن من يحقق لي كرامتي ويدافع عني كأنسان انتمي اليه. بالتاكيد هناك التزامات ينبغي عليّ ان التزم بها تجاه الوطن ولكن مقابل هذا من واجب الوطن ان يعاملني كأنسان ويحقق لي متطلبات العيش الكريم والامان المطلق في كافة الظروف. عام 1987 كنت ارافق – فيصل عربو – مدير تلفزيون المغتربين العرب في ديترويت- وتوسل الي ان أذهب للعمل معه هناك في محطته وان يستحصل لي الموافقة الرسمية من وزير الثقافة والاعلام في غضون نصف ساعة ونسافر في اليوم التالي…لكنني اخبرته – من يخدم العراق اذا تركته وسافرت – ضحك بكل صدق واخبرني بأنني لا اعيش في بلدٍ يحترم الانسان واني اضيع شبابي في هذا الجحيم الذي اسمه العراق.
ضحكت من كلامه واخبرته انني لن اترك العراق لانه بلدي سيوفر لي كل شيء وواجبي ان اخدمه. ومرت السنوات ولم يفكر بي بلدي لا في زمن صدام ولا في هذا الزمن المرعب وضاع شبابي ولم احصل على شبر من الارض في هذا الوطن ودفعت اغلى سنوات عمري في حروب ليس لها نهاية. اليوم استذكر كلام فيصل عربو – بعد أن هيج روحي هذا الشاب الوسيم الذي في عمر ولدي.
ضاع كل شيء ولم يعد بامكاني ان اسافر لكبر سني وظل بلدي عاجزا وشاخ الى الابد وعصفت رياح الحرب والفساد في كل مفصل من مفاصل هذا البلد العجوز…سلاما لكل الفقراء في هذا البلد وسلاما لكل المحتاجين الى كل شيء في هذا البلد .. وهنيئاً لأحمد ببلده ووطنه الجديد الذي حقق له كل شيء. وداعا ايها السلاح ..وادعا ايها الحلم الكبير في الحصول على وطن.