… هون عليك ، فلكل عقدة حل ، والحل بسيط جدا !* تقول بسيط وقد أعيتني الحيلة ؟!
– نعم صديقي كل ما عليك فعله تجاهلها ودعها تفعل ماتريد ، وحين تراك لاتعيرها بالا صدقني فأن كبرياءها سيردعها عن المواصلة ، هذا كل ما في الامر .
* رغم علمي بعدم جدوى هذا الحل لكني أشكرك جدا وأرجو أن يكون الأمر سر بيننا ، حرصا على سمعة البنت ، والخير فيما إختاره الله . شكرا
– أهلا بك صديقي ، ولا عليك كلنا مررنا بنفس الظرف الذي مررت به !!
هاهي عقارب الساعة تشير الى الساعة الثامنة صباحا ، حملت حقيبتي وتوجهت الى قاعة الدرس لإلقاء المحاضرة الأولى ، وحين دخلت وجدت عبارة على اللوحة تقول : { كن واضحا تنجح ، ولا تكن مترددا فتفشل } .. فسألت الطلبة : من كتب هذه العبارة ؟ .. سكت الجميع إلا بنت واحدة رفعت يدها وقالت : أنا ! وهل هناك ما يمنع ؟ .. نعم أبنتي ! فهذا المكان تحديدا هو للمحاضر حصرا وليس لك الحق في كتابة أي شئ إلا حينما يطلب منك ذلك .. هل لك أن تتفضلي هنا ؟ حاضر استاذ . قامت تلك البنت السمراء من مقعدها وتوجهت نحوي وهي تتثنى سحرا وجمالا ووقارا وكأنها رشأ يهفو الى المعالي ، إقتربت وهمست بصوت لم يسمعه غيري ، تحت امرك استاذ ، أأمرني . ماإسمك ؟ غفران ! انت من العاصمة ؟ نعم استاذ ، إعربي هذه العبارة لأعرف مستواك ؟
حملت غفران ( عصا التأشير ) وراحت تعرب إعرابا أدهشني وكأنها إبن منظور في الدقة والتعبير ! .. أحسنتِ غفران ، وهذا ماشفع لك عندي ومنعني من توبيخك امام زملائك الطلبة ، رجائي أن لا تعودي لمثلها ، .. إستاذ .. نعم ، اليوم عيد ميلادي ! ويشرفني ان أدعوك لتزيدنا بهجة وسرورا وتشد من أزري امام عائلتي المكونة من أمي فقط ! .. أحسست إن الأرض مادت من تحتي واصابني الإنهيار وعجزت عن الكلام وحبات العرق أخذت تتقاطر هنا وهناك خجلا تارة ورهبة تارة أخرى .. دكتور ! لم ترد أراك قد ( لخمت ) والعرق أخذ منك مأخذا لاتحسد عليه !!.. نعم ابنتي ، لم توجه لي دعوة خاصة وسط قاعة الدرس .. سأنظر في الأمر ولكن لايمكنني أن أعطيك وعدا بالحضور ، وهنا صاح الطلبة : رجاء استاذ نرجو حضورك ! فالطالبة غفران قد دعتنا ونتشرف بحضورك معنا ! .. لم أجد مفرا من الموافقة على مضض .. عودي الى مقعدك والخير فيما إختاره الله سبحانه – فلنكمل الدرس رجاءً .. بعد إنتهاء المحاضرة توجهت الى غرفة الاساتذة وفي رأسي مليون حكاية وحكاية ؛ فمهما كنت حاذقا لم أتمكن من حل لغز تلك البنت وذلك العشق الذي يحتويها بين طيات الصدر ، ويبقى الدمع يعمل كسفير معتمد في مملكة الحب الصادق ، على الأقل حسبما تراه { غفران } التي هيجت كوامن نفسي وأطلقت لها العنان لتصحو من ذلك السبات . يبدو إنني سخنت من البرودة ! وأنقلبت موازيني رأسا على عقب لدرجة فقدت التمييز بين ما هو غث وسمين فكلاهما أصبحا عندي سواء ! فصار يومي – كل يومي – ثقيل الظل ، جامد النسيم ، مظلم الهواء ، وخم الطلعة عسير القلعة .. أمام حسن تلك البنت الجامحة وكأن المعاني كانت مدفونة حتى أثارتها { غفران } .. هذه البنت الغريبة بكل شئ والتي ذكرتني بأبيات من الشعر قالها أبو نؤاس :
من قاس جدواك يوما …. بالسحب أخطأ مدحكْ
السحب تعطي وتبكي ….. وأنت تعطي وتضحكْ !!
وذلك البيت الشعري الذي يقول : إن السحاب لتستحي إذا نظرت . إلى نداك فقاسته بما فيها
أعود وأقول : ما هو إلا طيش شباب مايلبث أن يزول ، فأن مطية الجهل الشباب !! .. منذ اللحظة فكرت بالهدية ومن أية جنس ستكون ؟ ياقمري الوحيد الذي يطل من شرفة المساء ، ياعطش القوافي ، ياشوق القصيدة في ياء النداء ! ياصرخة الحنين ، يالهفة السنين ، ياشهقة فرحي عند اللقاء .. فليلة القبض على مشاعري بكل جنون وعنفوان .. اليوم سيكون اللقاء .. ليته لن يتم !!
(( للحكاية تتمة ))