مالجديد عندما نقرأ أو نسمع خبرا،تتناقله وكالات الانباء والفضائيات،يفيد لنا بأن:اكثر من 200 قتيل عراقي،و130 جريحا،قد سقطوا في أول ايام عيد الفطر في منطقة خان بني سعد ؟
هل هذا أول حدث دموي نشهده بهذا الشكل .. وهل سيكون آخر حدث ؟
المفاجأة ــ فيما لو أصابتنا ــ لم تعد في عدد الضحايا ولا في الحدث نفسه الذي أمسى جزءاً من منظومةحياتنا اليومية،بل ستكون في اللحظةالتي يمر علينا أحدُ أيامنا،هادئا طبيعيا،لانسمع فيه خبرا عن انفجار أو عن عملية انتحارية،حينها سنقف حائرين لنسأل انفسنا..ماذا حدث ! ؟ لمَ هذا الهدوء ! هل يعقل هذا!..وكأننا تعودنا على الانفجارات،وعلى سماع أرقام القتلى،وعلى أنْ تهدم المباني على رؤؤس الابرياء من المدنيين،وعلى خطف الناس من الشوارع،وعلى اقتحام الاندية والفرق الموسيقية وتحطيم الالات ومنع الغناء،وعلى فقدان المبالغ الكبيرة من صندوق تنمية العراق،وعلى الولائم الكبيرة التي يقيميها مجلس النواب فيما بينهم في شهر رمضان وتصرف عليها اكثر من 500 مليون دينار،وعلى عشرات الضحايا من النساء والاطفال يسقطون يوميا نتيجة القصف على مدن الانبار جراء العمليات التي تقوم بها الحكومة العراقية لمواجهة تنظيم دولة الخلافة(داعش).
يأتي خبر التفجير الأخير في خان بني سعد ضمن هذه التفاصيل التي تحتشد داخل المشهد العراقي،لذا لنْ يبدو الخبر غريبا ولامستفزا ًلنا،لأننا محاصرون من كل الجهات بالعنف وبالموت،وبكل الممارسات التي تنتهك ادمية الانسان
وكرامته،يتناوب على فعلها إرهابيون واجهزة حكومية رسمية على حد سواء،وفي كثير من الحالات لاأحد منّا يعرف إنْ كان الفاعل أو القوة التي إرتكبت الجريمة تعود الى إرهابيين يتنكرون بزيّ القوات الحكومية أمْ أنها قوات حكومية ؟ كلاهما يرتدي الزي الرسمي ساعة تنفيذ الجريمة بحق المواطن،كلاهما يتنقل ويتحرك بقافلة طويلة من سيارات حكومية رباعية الدفع مظللة النوافذ،كلاهما يتنقل في شوارع بغداد بكل حرية مُجتازاً العشرات من نقاط التفتيش والسيطرات والحواجز واجهزة كشف المتفجرات المغشوشة(لكنها مازالت تستعمل)..ازاء هذه الصورة كيف لنا أنْ نعرف هوية الجُناة ؟ كيف لنا أنْ نتأكد من هويتهم ساعة يمرون بالقرب منّا،أو ساعة اقتحامهم لنا،أو ساعة إعتدائهم على كرامتنا الشخصية ؟
كيف لنا أن نملك الحق في أن نسألهم: من أنتم ؟ ماذا تريدون ؟ من خوَّلكم ؟
حتى الآن لانملك حق السؤال،مع أننا في عهد ديموقراطي حسب مايزعم كل المشاركين في العملية السياسية التي جاءت بعد العام 2003 ،مع أن جوهر الديموقراطية وميدان اختبارها يكمن في (حق السؤال ! )، فكيف لنا أن نشارك أجهزة الدولة في حفظ الآمن إّذا كنّا جميعا نشعر بالرعب أمامها،وفي داخلنا شعور قوي لايمكن تجاوزه بأننا متهمون في وطنيتنا من قِبَلِها ! ؟ وإلاّ مامعنى أنْ نرضخ ــ طائعين خانعين خائفين ــ لكل قوة مسلحة ترتدي زياً رسميا دون أنْ نجرأ على سؤالها !؟
ولو كان لنا هذا الحق لما تجرأ أي مجرم في أنْ يتسلل إلينا ويُفسد علينا حياتنا.
مِنْ هُنا،فإن القتلة الذين فجروا السوق الشعبي في خان بني سعد يوم الجمعة 17 / 7 / 2015 لم يبذلوا جهدا في الوصول الى هدفهم،طالما لاأحد يملك الحق والجرأة في أنْ يسأل مَن يرتدي زيا رسميا،حتى لو كان السائل هو الآخر يرتدي زيا رسمياً..هذا فيما لو إستعبدنا فرضية التواطىء مع المجرمين من قبل المسؤولين عن الحواجز والسيطرات..
اكثر من 200 مليار دولار صرفت على الاجهزة الامنية العراقية خلال الاعوام العشرة الماضية لكي تنهض بعملها وترتقي في واجباتها لصد الارهاب ومنعه من الوصول الى المواطن والدولة،لكن هذا الرقم الاسطوري والذي يعادل ميزانية اكثر من ستة دول في المنطقة العربية ــ بضمنها جمهورية مصر التي تعداد سكانها يصل الى تسعين مليون نسمة ــ عجز عن توفير الحماية لحدود البلاد ولحياة الناس وارواحهم في بيوتهم !
اين تكمن العلة اذن ؟ هل في صفقات الاسلحة والمعدات المغشوشة التي تم الاتفاق عليها وشرائها من روسيا والجيك واوكرانيا واميركا وبريطانيا وايران والصين،أمْ في ضمير المسؤول الحكومي سواء كان وزيرا أو ضابطاً أو جندياً ؟
يبدو واضحا من سياق الاحداث الدموية التي يمر بها العراق منذ العام 2003 بأنَّ الخلل يكمن في الضمير وليس في الاموال وألاسلحة،وفيما لو توفر الحرص على الوطن وحياة المواطن،لتمكنت الاجهزة الامنية بأبسط الامكانات من تحقيق ماعجزت عن تحقيقه بكل هذه المليارات،وسيكون هذا النجاح مبعثه الثقة المتبادلة مابين المواطن واجهزة الدولة،ثقة تمنح الطرفين القدرة على التحرك والتفاعل وتبادل المعلومات،إلاّ أنَّ انعدام الثقة يفتح ثغرة واسعة لكي يمر من خلالها الارهاب ويفتك بالجميع .
سنبقى على هذه الصورة التي تقدم لنا يوميا حدثا مأساويا دون أن يطرأ اي جديد يبعث فينا الأمل بأن موجة العنف ستتضائل وأنَّ الارهاب سينحسر، طالما لانملك حق السؤال .