22 نوفمبر، 2024 2:33 م
Search
Close this search box.

حقيقة موقف القرآن من المرأة 3/41

حقيقة موقف القرآن من المرأة 3/41

«يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصاصُ فِي القَتلَى الحرُّ بِالحرِّ وَالعَبدُ بِالعَبدِ وَالأُنثى بِالأُنثى.» (2 البقرة 178)

هذه الآية من المتشابِهات، أي أنها صيغت بإبهام، وجُعِل فهمها متعدد الأوجه. فهي من النصوص التي تؤدي معنى المساواة، إذا كان المقصود بـ«الحرُّ بِالحرِّ، وَالعَبدُ بِالعَبدِ، وَالأُنثى بِالأُنثى»، هو القاتل المطلوب الاقتصاص منه على جريمة القتل بقتله، بحيث لو كان القاتل عبدا، وكان قد قتل حرا، فالقاتل العبد هو الذي يُقتَل، ولا يُقتَل حر مكانه، بحجة أن قيمة الحر عند العرب تفوق قيمة العبد، وكذلك إذا كانت القاتلة امرأة، وكانت قد قتلت رجلا، فالقاتلة المرأة هي التي تُقتَل، ولا يُقتَل رجل مكانها، بحجة أن قيمة الرجل عند العرب تفوق قيمة المرأة، وهذا ما تؤيده القاعدة القرآنية والعقلية أن «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِّزرَ أُخرى». ولكن أكثر المفسرين والفقهاء فهموا من الآية أن الرجل القتيل يُقتل قاتله، رجلا كان أو امرأة، بينما المرأة القتيلة تُقتل بها قاتلتها إن كانت امرأة، ولا يُقتل بها قاتلها، إن كان رجلا، وهكذا هو الأمر مع الحر والعبد، فالحر القاتل يقتل بالحر القتيل ولا يقتل بالعبد القتيل، بينما العبد القاتل يقتل في كل الأحوال. وفي كل الأحوال إن هذه الآية جعلت من المتشابهات القابلة للتأويل حسب مزاج الفقيه، فالنص مبهم، وقابلا للتأويل إلى ما يلتزم بمبدأ المساواة، أو إلى ما يكرس مبدأ التمييز بسبب الجنس (ذكر/،أنثى)، وبسبب الطبقة (حرّ/عبد)، ولكل من المعنيين ما يؤيده في نصوص قرآنية أخرى، فالمساواة تؤكده نصوص المساواة، التي ينبغي أن تمثل جوهر الدين والمبدأ الأساس، الذي لا يجوز من حيث المبدأ أن ينقض باستثناء إلا بدليل قاطع، كما إن التمييز والتفاضل مؤيد بكثير من الأحكام، ومنها الإرث، ودية القتل الخطأ، والشهادة، وغيرها.

«… وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذي عَلَيهِنَّ بِالمَعروفِ …» (2 البقرة 228)

هذه البداية من الآية تدل على المساواة، وهذا النص يمثل واحدا مما كنت أعتبره فيمن يعتبره يمثل جوهر الدين الثابت، وكل ما يتعارض معه يمثل شكلا طارئا متحولا، يخضع لحاكمية الثابت، وهو تخريج غير متين، يُضطر إليه من يعيش بين يقينين متعارضين، بين يقين وجود النصوص المتعارضة مع ضرورات العقل من جهة، ويقين استحالة صدور شيء عن الله يتعارض مع ضرورات العقل من جهة أخرى. قلت هذه البداية تدل على المساواة، ولكن ما سيليها من نفس الآية سينقض مبدأ المساواة هذا، كما سنرى لاحقا.

«فَاستَجابَ لَهُم رَبُّهُم أَنّي لاَ أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثى، بَعضُكُم مِّن بَعضٍ، فَالَّذينَ هاجَروا وَأُخرِجوا مِن ديارِهِم وَأوذوا في سَبيلي وَقاتَلوا وَقُتِلوا لأُكَفِّرَنَّ عَنهُم سَيِّئاتِهِم وَلأُدخِلَنَّهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ ثَوابًا مِّن عِندِ اللهِ، وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ الثَّوابِ.» (3 آل عمران 195)

المساواة هنا واضحة فيما يتعلق الأمر بالمصير الأخروي، بقطع النظر عما إذا كانت المساواة متحققة أو غير متحققة في الأحكام الشرعية الدنيوية للدين الإسلامي، لكننا سنجد حتى في الثواب الأخروي تفضيلا وتخصيصا للرجل، فيما سيأتي في حلقات قادمة.

أحدث المقالات