«وَعِبادُ الرَّحمانِ الَّذينَ يَمشونَ على الأَرضِ هَونًا، وَّإِذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلامًا، وَّالَّذينَ يَبيتونَ لِرَبِّهِم سُجَّدًا وَّقيامًا، وَّالَّذينَ يَقولونَ رَبَّنَا اصرِف عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا، إِنَّها ساءَت مُستَقَرًّا وَّمُقامًا، وَّالَّذينَ إِذا أَنفَقوا لَم يُسرِفوا وَلَم يَقتُروا وَكانَ بَينَ ذالِكَ قَوامًا، وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلاهًا آخَرَ وَلا يَقتُلونَ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحقِّ وَلا يَزنونَ، وَمَن يَّفعَل ذالِكَ يَلقَ أَثامًا، يُضاعَف لَهُ العَذابُ يَومَ القيامَةِ وَيَخلُد فيهِ مُهانًا، إِلّا مَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالحا فَأُولائِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِم حَسَناتٍ، وَّكانَ اللهُ غَفورًا رَّحيمًا، وَّمَن تابَ وَعَمِلَ صالحا فَإِنَّهُ يَتوبُ إِلَى اللهِ مَتابًا، وَالَّذينَ لا يَشهَدونَ الزّورَ وَإِذا مَرّوا بِاللَّغوِ مَرّوا كِرامًا، وَّالَّذينَ إِذا ذُكِّروا بِآياتِ رَبِّهِم لَم يَخِرّوا عَلَيها صُمًّا وَّعُميانًا، وَّالَّذينَ يَقولونَ رَبَّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَذُرّياتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَّاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا، أُولائِكَ يُجزَونَ الغُرفَةَ بِما صَبَروا وَيُلَقَّونَ فيها تَحيةً وَّسَلامًا، خالِدينَ فيها حَسُنَت مُستَقَرًّا وَمُقامًا.» (63 – 76 الفرقان 74)
هذه المجموعة من آيات سورة القرآن في سرد صفات «عباد الرحمان» هي من أجمل ما أبدعته مخيلة مؤلف القرآن، في وصف نوع راقٍ من الناس المؤمنين، الذين ارتقوا في إيمانهم وفي أخلاقهم، حتى استحقوا أن ينالوا وساما من الله، حسب تصور القرآن، ألا هو وسام نعتهم بـ«عباد الرحمان». ولكن المفاجأة تأتينا في آخر هذا النص كدعاء على لسان «عباد الرحمان» هؤلاء، عندما يقولون «رَبَّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَذُرّياتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَّاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا»، وإذا علمنا أن مصطلح (الزوج) وجمعه (الأزواج) يعني قرآنيا على الأعم الأغلب بلغتنا المعاصرة (الزوجة) وجمعها (الزوجات)، لأن الزوج الرجل يُعبَّر عنه قرآنيا غالبا بـ(البعل)، وجمعه (البعول)؛ إذن إذا كان عباد الرحمان هم الذين يدعون ربهم أن يجعل لهم قرة أعين من زوجاتهم وذرياتهم، فهذا يعني أن وسام «عباد الرحمان» هذا مختص بالرجال، دون النساء. نعم هناك احتمال، يتراوح بتقديري بين العشرة والخمسين بالمئة، وهو افتراض إن مصطلح (الأزواج) هنا يعني الجنسين، وبالتالي فإن (عباد الرحمان) من الرجال والنساء هم الذين يتحلون بالصفات الجميلة التي سردها هذا النص، ثم هم يدعون ربهم أن يجعل للرجال من عباد الرحمان من زوجاتهم، وللنساء من عباد الرحمان من أزواجهن، ومن ذرايات هؤلاء وأولئك قرة أعين، وهم المبشرون بأنهم سَـ«يُجزَونَ الغُرفَةَ بِما صَبَروا، وَيُلَقَّونَ فيها تَحيةً وَّسَلامًا، خالِدينَ فيها حَسُنَت مُستَقَرًّا وَمُقامًا». ولكن كما بينت، وحسب ما عرفنا من الاستخدام اللغوي الغالب للقرآن، وكذلك مما يؤيد ما أشرت إليه هو أن (الإمامة) الواردة في عبارة «وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا» خاصة بالرجال؛ هذا كله لا يجعل من السهولة فهم معنى (عباد الرحمان) إلا أنهم من الرجال وحسب. ولو دون القطع في ذلك، فيبقى الاستشهاد بهذا النص على تفضيل الرجل غير كاف، لأنه يحتمل الاحتمالين، خاصة وإن مصطلح الأزواج استخدم أيضا للرجال، مرة واحدة بصيغة المفرد «زوجها»، ومرة واحدة بصيغة الجمع «أزواجهن»، ولكن قرينة أصالة الذكورة في القرآن ترجح تفضيل الرجال.