17 نوفمبر، 2024 11:29 م
Search
Close this search box.

حقيقة ما يُثار حول السيد الحيدري

حقيقة ما يُثار حول السيد الحيدري

 منذ أن اتجه السيد كمال الحيدري -حفظه الله- لطرح بعض الأطروحات التي خصصها لنقد الداخل الشيعي، وحملات التسقيط والتشويه والتحريض التي يتعرض لها لم تتوقف، وكيف لها أن تتوقف، والسيد الحيدري قدم صرخات مدوية صدمت الكثيرون في الواقع الشيعي، إذ لم يكن ذلك في حسبانهم، خصوصاً وهو المعروف بتصديه للدفاع عن المذهب ودحض إشكالات المخالفين، فلقد برع السيد الحيدري في ذلك بجدارة منقطعة النظير، وجهوده في هذا الشأن كبيرة وجبارة يقر بها ويعترف حتى بعض أولئك الذين يخالفونه في أفكاره وأطروحاته الأخيرة.
        لذلك، فإن علينا إذا ما أردنا أن نفهم حقيقة ما يُثار من ضجة حوله أن نفهم طبيعتها جيداً، وذلك بأن نحدد مناشئها والهوية الفكرية لأصحابها ولمن يقف خلفها، وذلك حتى نتعرف على الخلفيات التي ينطلق منها هؤلاء، فيما إذا كانت موضوعية أو غير موضوعية، فالبداية يفترض أن تكون من هذه النقطة أولاً.
ويؤسفني أن أقول بأن أغلب الضجيج الذي يُثار حول ما يقدمه السيد الحيدري في الآونة الأخيرة هو صادر من أصوات بعيدة كل البعد عن الموضوعية، فبعض هؤلاء نجده يقف موقفاً سلبياً منه، لأنه فقط يعز عليه أن تُنقد طائفته في بعض رموزها وأفكارها وممارساتها كما فعل السيد الحيدري في حركته التصحيحية الأخيرة، فهو يرفض ذلك البتة، وإن كان ما يُطرح يتم وفق الموازين العلمية التي هدفها دراسة التجربة وتقويمها، وذلك لأن تكوينه العقلي يفتقر إلى المرونة التي تؤهله لتقبل ذلك.
بالطبع ليس كل من يرفض ما يقدمه السيد الحيدري في النقد الداخلي (داخل البيت الشيعي) هو بالضرورة على هذه الشاكلة، فهناك من ينطلق في رفضه من خلفيات مصلحيه إن صح التعبير، فهو يرفض ذلك فقط لأنه يخشى منه على سحب البساط من تحت قدميه أو على فوات بعض مصالحه الذاتية، وهؤلاء كما أعتقد ليسوا قلة، بل ولعلهم هم الأكثر عدداً وحماسةً.
        والغريب أن الكثير ممن يشنون هذه الهجمات على السيد الحيدري؛ كانوا في الماضي القريب يعتقدون بأنه من الشخصيات العلمية الاستثنائية التي عرفها تاريخ التشيع، وذلك نظراً لنشاطاته العلمية التي اتسعت لتشمل أكثر من جانب ومجال، ولأسلوبه المميز الذي لا يتوفر مثله عند الكثيرون، ولكن وللأسف الشديد سرعان ما تبدل الحال بسبب عدم انسجام ما يطرحه السيد مع خلفياتهم الفكرية التي اعتادوا عليها أو مع مصالحهم الشخصية التي يخشون فواتها.
        ولأجل ذلك نجد هؤلاء وأولئك يقفون موقفاً عنفاً أمام كل ما يقدمه السيد الحيدري من رؤى وأفكار تتعلق بالشأن الشيعي، فالمتتبع اليقظ يلحظ هذا في كل مرة يتعرض فيها السيد الحيدري لقضايا من هذا النوع، فلقد رأينا كيف ضجوا عندما تحدث حول مشروع المرجعية الدينية التي يتبناه، وكذلك عندما تحدث حول رؤيته حول دور المرجعية في زمن الغيبة، وكذلك عندما تحدث حول رأيه في مسألة رؤية الإمام الحجة المنتظر في عصر الغيبة، وأخيراً وليس آخراً رأيناهم كيف يضجون عندما تحدث حول رؤيته المتعلقة بمحورية القرآن، والتي طرحها ضمن حلقات بعنوان (من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن). وأعتقد بأن هذه الحملات التي يتعرض لها سوف تستمر ولن تتوقف ما دام مصراً على مواصلة هذا النهج التجديدي أو الحركة التصحيحية كما أسماها.
        إن مشكلة الكثيرين ممن تصدوا للرد على أطروحات السيد الحيدري أن ردودهم كانت عبارة عن ردود أفعال عشوائية ومتعجلة أكثر من كونها ردوداً علمية حقيقية، وسبب ذلك أن الكثير من هؤلاء كانوا في ردودهم ينطلقون من خلفياتهم ومواقفهم المسبقة منه، فهم لا ينظرون لأطروحاته بتجرد تام أو حتى شبه تام على الأقل، بل ينظرون لها وهم مُثقلون بالمواقف الشخصية الرافضة له ولمشروعه، فمن الطبيعي في وضع كهذا أن تجد تشويهاً لرأيه وتهويل لكلامه وحرف له عن مساره قبل المباشرة في الرد، لأن كل هدف هؤلاء هو الرد عليه وإبطال صحة كلامه، لا البحث عن الحق والحقيقة، فمهما كان دليله صارخاً وحجته قوية، فهي مرفوضة وغير مبررة عندهم، وذلك لأن مواقفهم منه قد اُتخذت مسبقاً.
ولهذا تلاحظون لو تأملتم جيداً أن بعض الردود التي جاءت للرد على أطروحات السيد الحيدري هي متناقضة مع بعضها البعض بشكل لافت، بل ويناسب أن يكون بعضها رداً ودحضاً للبعض الآخر، على الرغم من أن كلا الطرفين المتناقضين يدعيان أنهما كانا يردان على ما طرحه السيد الحيدري.. فيا للعجب!!
طبعاً لا أريد بكلامي هذا أن أقول بأن كل من تصدى للرد على أطروحات السيد الحيدري قد وقع في هذه الإشكاليات، وإنما أريد أن أبين واقع الكثير من الردود التي وقفت عليها بنفسي، إذ وجدت هذه السمة واضحة فيها.
ولا يتصور البعض بأني أعتقد بأن كل ما طرحه السيد الحيدري هو الحق المطلق والخالص بكامل تفاصيله وجزئياته أو أنه غير قابل للمناقشة والنقد، فهذا أمر لا أدعيه للسيد الحيدري، ولا يدعيه هو لنفسه أيضاً، وإنما هي رؤية يؤمن بها ويتبناها، وتبقى قابلة للمناقشة وللتقويم العلمي كما أكد السيد الحيدري على ذلك بنفسه في أكثر من موقف ومناسبة.
        ولذا أتمنى من كل الذين يرفضون بعض أطروحات السيد الحيدري، وبالخصوص بعض رجال الدين في الحوزات العلمية أن يتجردوا من خلفياتهم ومواقفهم المسبقة قدر استطاعتهم، إذ عليهم أن يحاولوا أن يقرئوا بأنفسهم ما يقدمه من رؤى وأفكار قراءةً متأنيةً بعيدةً عن أي تأثيرات لخلفياتهم أو لمسبقاتهم الذهنية بقدر الإمكان، وبعدها عليهم أن يحددوا موقفهم منه ويردوا على ما يطرحه بأسلوب علمي منظم بعيد عن لغة التشويه والتسقيط والتحريض وغيرها من الأساليب الإقصائية التي لا تثبت حقاً ولا تبطل باطلاً.

أحدث المقالات