18 ديسمبر، 2024 9:09 م

بينت النصوص القرآنية والروائية حقيقة الإتباع الحقيقي ، وبنفس الوقت أوضحت الإتباع الشكلي المفرغ من الجوهر ، وحذرت منه ومن مخاطره ، فأدعاء الحب والمودة دون أتباع فعلي لا يغني شيء ولا يحقق غاية الحب والمودة ، التي حث الشارع المقدس عليها ففي الأول : قال تعالى “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” . لاحظ كيف تم الربط بين الأدعاء والعمل “الأتباع” هذا منطوق الآية المباركة ، ومفهومها يُستخلص منه نتيجة ، وهي أن مجرد إدعاء الحب غير مفيد وغير منتج ، وهذا الأمر يسري على كل مدعٍ في أي زمن وتجاه أي قائد: نبي ، أو إمام ، فأذا كان حب الله بدون أتباع نبيه لا يحقق شيء ، فمن باب أولى مجرد إدعاء حب ومودة محمد وآل محمد (عليهم سلام الله) بدون إتباع حقيقي وواقعي أيضا لا يحقق شيئا وغير مجدٍ ، وهذا ما أشار إليه العديد من العلماء ومنهم المرجع الأستاذ المحقق الصرخي الحسني (دام ظله) قال :
في كتابه المنهاج الواضح – كتاب الطهارة – القسم الثاني ، بعد أن تحدث في الفصل الثالث عن المنجيات وعدد وبيَّنَ كل واحد منهن ، قراءة القران ، الصلاة ، الصيام، الحج ، الدعاء ، الطهارة من الذنوب والأحداث والأخباث ، التخلي عن رذائل الأخلاق ومساوئ الأعمال والتحلي بفضائل الأخلاق ومحاسن الأعمال ، … الخ . المنجي العاشر، الولاية : وهي محل حديثنا وقد فصل فيها وتحدث عن عدة جهات … الجهة الرابعة: حقيقة الولاية : قال “من الواضح انه لا يراد بالولاية مجرد التلفظ أو مجرد النية بل المارد الموالاة الحقيقية التي تشمل إضافة للنيات الأقوال والأفعال التي تحقق للفرد التكامل في ذاته ونفسه وتجعله عنصرا صالحا وفعالا في مجتمعه والوصول بالمجتمع إلى الصلاح والأمان والمثالية والسعادة في الدنيا والآخرة .
وقد أوضح أهل البيت (عليهم سلام الله) معنى الولاية المتضمن للحث والإرشاد لتحقيق ذلك التكامل على المستوى الفردي والاجتماعي :
1- المستوى الفردي : لقد عالج الشارع المقدس في هذا المستوى ثلاث جوانب رئيسية للفرد :
أ- الجانب العبادي : حيث أرشدنا المولى إلى أن الموالي الحقيقي يجب ان يتمسك ويعتقد بالأصول كالتوحيد وغيره وعليه أن يمتثل الواجبات الشرعية تطبيقا لقانون العبودية وحق الطاعة .
ب- الجانب الصحي والحيوي : وهذا يترتب على امتثال العديد من الأحكام الشرعية التي فيها فائدة صحية للبدن كالصلاة والصوم وغيرهما .
ج- الجانب الأخلاقي: حيث أشار الشارع المقدس إلى أن الموالاة لا تتحقق إلا بعد تطهير النفس من رذائل الأخلاق كالكذب والنميمة والبخل وغيرهما ، وبعد التخلي عن ذلك يجب التحلي بالأخلاق الحسنة الفاضلة .
2- المستوى الاجتماعي :من الواضح أن التكامل على مستوى الفرد يصب فائدته وثمرته على المستوى الاجتماعي إضافة إلى ذلك فإن الشارع المقدس أكد على ان الموالاة الحقيقية لا تتحقق إلا بالالتزام بالأحكام والإرشادات التي تصب بصورة مباشرة في خدمة المجتمع وتكامله حيث حث المولى على طلب العلم والإيثار والصدق في الحديث والمعاملة وكظم الغيظ ، والعفو عن الناس ، وإعانة المحتاج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها .
وإليك بعض ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) للإشارة والدلالة إلى معنى الإتباع والموالاة لأهل البيت (عليهم السلام) :
1- عن الإمام الصادق (عليه السلام) : {إياك والسفلة وإنما شيعة علي من عف بطنه و فرجه و اشتد جهاده و عمل لخالقه و رجا ثوابه و خاف عقابه فإذا رأيتهم بهذه الصفة فاولئك شيعة علي } .
2- وعن الصادق (عليه السلام) : نحن الصلاة في كتاب الله ،ونحن الزكاة ونحن الصيام ونحن الحج ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله قال الله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) ونحن الآيات ونحن البينات وعدونا في كتاب الله عز وجل: الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والانصاب والازلام والاصنام والاوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم …. إن الله خلقنا فأكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا أمناؤه وحفظته وخزانه على ما في السماوات وما في الأرض وجعل لنا أضدادا وأعداءا فسمانا في كتابه وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنى عن أسمائهم وضرب لهم الامثال في كتابه في أبغض الاسماء إليه وإلى عباده المتقين .) .
3- وعن الصادق ( عليه السلام ) قال : (نحن أصل كلِّ خير ومن فروعنا كلُّ برّ فمن البرّ التوحيد والصلاة والصيام وكظم الغيظ والعفو عن المسئ ورحمة الفقير وتعهّد الجار والإقرار بالفضل لأهله .
وعدوّنا أصل كلّ شرّ ومن فروعهم كلّ قبيح وفاحشة فمنهم الكذب والبخل والنميمة والقطيعة وأكل الرِّبا وأكل مال اليتيم بغير حقّه وتعدِّي الحدود الّتي أمر الله وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن والزِّنا والسّرقة وكلّ ما وافق ذلك من القبيح، فكذب من زعم أنّه معنا وهو متعلّق بفروع غيرنا) .
4- يا جابر !.. أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت ؟!.. فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع و الأمانة ، وكثرة ذكر الله ، والصوم ، والصلاة ، والبرّ بالوالدين ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة ، والغارمين ، والأيتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكفّ الألسن عن الناس ، إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء .

قال جابر : فقلت : يا بن رسول الله!.. ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة..

فقال (ع) : يا جابر!.. لا تذهبنّ بك المذاهب ، حَسْب الرجل أن يقول : أحب علياً وأتولاه ، ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً ؟.. فلو قال : إني أحب رسول الله (ص) – فرسول الله (ص) خير من علي (ع) – ثم لا يتبع سيرته ، ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئاً ، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته.. يا جابر!.. فوالله ما يُتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجة ، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليُّ ، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدوّ ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع. أنتهى الاقتباس من كتاب السيد المحقق .

والملاحظ جدا أن الولاية الحقيقية تتحقق وتصدق بالعمل والنصوص التي ذُكرت في أعلاه بينة ، فمجرد التلفظ لا وزن له ، فلابد أن يقترن القول بالفعل والعمل والذي به يتحقق التكامل للفرد والمجتمع .