18 ديسمبر، 2024 11:00 م

حقيقة التوافق الإيقاعي بين العلم والدين

حقيقة التوافق الإيقاعي بين العلم والدين

لعل من نافلة القول الإشارة إلى أن مبدأ الموضوعية في البحث العلمي المعاصر ،يقتضي كما هو معلوم، إعتماد المنهجيةَ المعيارية المعتمدة في العلم المَعْنيِّ بالبحث قيد الدراسة.

وبالمثل فإن التعامل مع نصوص أحكام الدين، والقرآن الكريم بموجب هذه المعيارية، بحثاً وتفسيرا وتاويلا، ينبغي أن يتم وَفقًا لمنهجية العلوم الإسلامية المعيارية، المعتمدة في هذا المجال ابتداء .

وهكذا إذن، فإنه كما أن علوم الطب المعاصرة تدرس بمنهجيات لا تصح إلا في بحث العلوم الطبية، وأن علوم الفيزياء لا تدرس إلا من خلال المنهجية المعتمدة في بحثها، وهكذا.. فإنه لا يصح أيضًا من باب أَولى، أن تُجرى دراسة أحكام الدين، والقرآن، والبحث في نصوصهما، إلا من خلال منهجيةِ علوم القرآن، والمعرفة الإسلامية المتراكمة المعتمدة في هذا المجال.

واذا كان الأمر كذلك، وتم التسليم باعتماد هذه المعيارية في البحث، فلا ريب أن توظيف ما يتوصل إليه العلم مع مرور الزمن، من نتائج علمية، في تعزيز معطيات التفسير والتأويل الديني، سيكون أمرا إيجابيا ، ولاسيما إذا ماتم هذا التوظيف، بالشكل الذي نطمئن فيه إلى صحة، وسلامة تطابق النتائج العلمية التي تم التوصل إليها، مع مرادات القرآن على حقيقتها، لا كما يتأولها الجاهلون بمنهجيات العلوم الصرفة، والعلوم الإسلامية،وأنصاف المتعلمين، وما قد ينجم، عند ذاك، عن مثل هذه التأويلية القاصرة، من هرطقة تضاد وهمي، وصراع مصطنع، لا وجود له اصلاً، بين العلم والدين .

واذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الحقائق الدينية الغيبية، باعجازاتها الربانية، متعالية على كل المحسوسات في الكون، وأوسع نطاقا منها على قاعدة ( وما اوتيتم من العلم إلا قليلا )، ليظل الدين بما هو وحي إلهي، بحرا مترامي الأطراف من الحقائق المنظورة، والغيبية،فلا ريب أن العلم يظل قاربا عائما يمخر عباب هذا البحر، ليستكشف، بوسائله، ما يتجلى له من مجاهيل حقائق هذا البحر على مكث، بقدر ما يتاح له ذلك، بمرور الوقت.

وهكذا تقتضي الموضوعية، الإنتباه إلى ما أثبتَتْه نتائج العلوم الصرفة المُعاصِرة من مُعطَيات تطابقت تماماً مع حقائق القرآن، على طول الخط، مع ضرورة الإشارة إلى أنها لم تتقاطع مع تلك الحقائق القرآنية حتى الآن ، تمشيا مع قاعدة ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).

ولا جرم أن مثل هذا التوافُق الإيقاعي المتناغم، بين العلم والقرآن باعتباره مصدر أحكام الدين، لم يكن محضَ صُدفة، بل هو يأتي مصداقًا لقول الله -تعالى-:( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) ، في سياق تراتبية جدلية صارمة لا انفصام لها، تجعل العِلم البحت الحق، الخالي مِن الغرض المُسبق، متناغما تماماً مع مرادات الدين،وبما يؤهله أن يكون وسيلةً مُضافة للدين، في الهداية إلى صراط الله العزيز الحميد ، لا وسيلةً للتضليل، والتزييف، وطمس للحقيقة، كما دأب على ذلك المغرضون، من أدعياء العلم، وما درجت عليه تأويلات محدودة الأفق العلمي، والفقهي، في المجال الديني، ليبدو لأول وهلة، وكأن هناك، تناقضا، وصراعا، بين الدين والعلم، كما قد يتوهم البعض، في حين أن حقيقة الأمر، هي التناغم والتوافق، وليس التضاد، والصراع.