مُلك اليمن … والشرعية الدينية…؟
مُلك اليمين الذي جاء ذكره في القرآن : هم الأرقاء المملوكون لسيدهم وليسوا أحراراَ. والمرأة المملوكة بمجرد شرائها يحل لمشتريها معاشرتها جنسياً ، بعد ان يستبرأ رحمها من الحيض. ومعاشرتها لا تخضع للحصانة الشرعية ، وليس لها عقد زواج ولا شهود ، ولا مهر (النساء 24).
فهل تختلف المواقعة معها عن الزنا…؟
القرآن هو معجزة محمد(ص) الخالدة. والمعجزة تتمثل بصلاحية نصه الثابت ومحتواه المتحرك ، ولغته العربية التي تمثل نظاماً متكاملاً في ربط الكلمات ومعانيها ببعضها البعض، ومتلازمة في المعنى والدلالة ،لذا لا تخريج فقهي أخر للنص الا بتأويل قرآني جديد .
البارحة كنت اتابع ما أعربت عنه السيدة الدكتورة آمنه نصير عضو اللجنة الدينية بمجلس النواب المصري عن دهشتها من ترويج نصوص مُلك اليمين في مصر حالياً ، وتطبيقها على المصريين والمصريات، والذي اعتبرته ( زنا صريح) فات زمانه الآن ، (النساء آية 3 ) ، لكن مع الاسف لم تذكر السيدة الدكتورة ان النص ورد في آية قرآنية حدية واجبة الألزام . وهذا نقص فقهي واضح..او قل انه تدليس في الدين ..؟ فعليها ان تعترف او تبررما قالته بيقين ؟
القرآن الذي لا يدخله الباطل ابداً،لابد ان تكون نظرياته متماشية مع أنسانية الأنسان ،فهل يعقل ان القرآن وكلماته الثابتة للحق والعدل ينحاز الى الذكورية ضد أنوثة المرأة لكونها أنثى كما يدعي اصحاب الفلسفة المثالية ؟ أم ان نظرية الجنس التي لا تقاوم ، والتي ترافق الانسان طيلة حياته هي التي أملت على الفقهاء هذا التفسير الاحادي في الحقوق ..؟
2
القرآن قائم على البينات المادية وعلى أجماع الأكثرية،وعلى حرية التعبير عن الرأي، وحرية الأختيارفي الأيمان،وهما اساس الحياة الأنسانية فيه. فهل ان القرآن يفصل في الحقوق بين الأنثى والذكر في الاحترام والحقوق ؟ أم ان الفقهاء من اصحاب نظرية الجنس هم الذين آملوا على العامة هذا التوجه الخاطىء الكبير حتى جعلوه سُنة عند المسلمين ؟
من هذا المنطلق :..لابد لهذا الموضوع الهام في مُلك اليمين ،ان يحتاج الى دراسة خاصة ومعمقة في فلسفة تأويل القرآن الكريم،بعيدا عن أراء الفقهاء ورجال الدين التقليديين ، لوضع حدٍ من الطعن في النص الديني المقدس.. فقد أعتبرمُلك اليمين رقاً وعبودية من الناحية التاريخية،وبعد ان اتهم الاسلام بالتفريق المتعمد بين الرجل والمرأة (للذكر مثل حق الآنثيين ،النساء11)،وهو تفريق لا يقره التشريع وحقوق الانسان بعد ان خلق الله الانسان من نفس واحدة ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة…الاعراف 189 ) .
.ولهذا سنكون أمام العديد من الأشكاليات التي أوجدها هذا المنطق ، في أمور أخرى مثل اللباس والحجاب منذ عهد الصحابة الأوََل. هذا الموقف المتعارض الذي لم يطل الاماء في تطبيق التشريع عليهم.،فقد كن يمشين في الطرقات كاشفات الرؤوس والصدور دون اعتراض من أحد ، فقد روى أنس ابن مالك أن أماء عمر بن الخطاب (رض)”كن يمشين في الطرقات وهن كاشفات عن شعورهن وتضطرب أثدائهن في صدورهن ،(أنظر البيهقي ت470 للهجرة”) . وهذا يعني ان الأماء لم يدخلن في لغة الحرية والأحترام والتحريم عند المسلمين ..؟
فأذا كانت الحرية في الاسلام قيمة أنسانية ،لماذا لم تتضمن الآيات نصاً صريحا في حرية العبيد؟ .ويبرر البعض ذلك أقتصاديا،فانا اقول ان اقتصاد مكة والجزيرة العربية كان في ذلك الزمن البعيد اقتصادا تجاريا وليس زراعياً. اعتقد ان ليست كل المبادىء التي طرحت في بداية الدعوة كانت آنسانية التطبيق ، بل رافقها الأنحياز
3
أحيانا من اجل كسب التاييد لها كما في معاهدة الطائف مع الثقفيين حين نصت المعاهدة على بند يتضمن : “
خذوا اموالكم كلها لا يشارككم فيها احد – وبقصد الثقفيين-؟ وبذلك أنتزع حق القرشيين في مشاركتها أموالها وتجارتها ” ( أنظر الواقدي في المغازي ج3 ص963. ابو عبيدة ،كتاب الاموال ج2 ص190-192) .
أما في مجال الجنس فثمة أشكالية كبيرة هي الأخرى ،حين مارس الذكور من المسلمين في المجتمعات الاسلامية على أمتداد العصورعملياً قوله تعالى:( ألا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين،المعارج03).ويقول النص الكريم : يا ايها النبي انا احللنا لك ازواجك اللاتي اتيت اجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك،الاحزاب 05). فأذا كان الامر مسموحا لصاحب الدعوة والقيادة العليا، فكيف الموقف من العامة من الناس ؟
لكن يبدو ان التطبيق كان من جانب واحد فقط .
والتطبيق الاحادي هذا أجازوا بموجبه للرجل ان يطء أمتَه، ولم يجيزوا للمرأة أن يطأها عبدها، الم يكن هذا الأجراء مخالفة للنص القرآني ؟ وهل بمقدور أحد ان يلغي النص؟ فهل من حق عمر بن الخطاب (رض) ألغاء نص المتعة أو أيقافه ولم يأمر بتطبيق النص الاخركما يقولون ، والمتعة جاءت بنص قرآني ثابت (النساء 24) .وقلنا في مقال سابق ان الخليفة عمر اوقف نص المتعة ولم يلغيهِ ،لشكوى تلقاها من نساء المحاربين ،لأن ليس من حق عمر أوحتى النبي من ألغاء النص القرآني،لكن هذا الأجراء أتخذ من أجل صيانة الاسرة العربية التي اصبحت مهددة بالتفكك بسبب غياب جنودالفتح لمدة طويلة عن نسائهم عند فتوح فارس والشام،وان الروميات والفارسيات قد شغف بهن جنود الله في الفتح فنسوا ما فاتهم من زمن فأرادوا التعويض دون النظر الى التشريع.
4
وفي الغالب كان العرب يلجأوون لأخصاء العبيد ،وهي جريمة أنسانية لاتغتفر- لازالت متبعة الى اليوم عند بعض الأعراب خوفا مما يملكون من طاقة جنسية لا تقاوم وهم يخدمون في بيوت الأسياد – ،فما هو حكم الشرع فيها؟ لمَ لم نجد أجابة عند الفقهاء ورجال الدين عنها ؟،لان الحجة تخونهم فيها؟ وأعتقد أنهم لن يستطيعوا الاجابة خوفاً من السلطان المتمتع بهن ، لذا سيبقوا صامتين صمت القبور؟ بينما القرآن لم يفرق بين الابيض والاسود والعبد والسيد بموجب الآية 13 من سورة الحجرات،
فلماذا هذا التناقض ؟ لربما حدث حذف في النص من قبل المدونين..؟
ويقول الدكتور محمد شحرورفي كتابه (فقه المرأة) : حين التفتيش في كتب الفقهاء ومقالاتهم عثرت على بعض اأرائهم الضعيفة ولوا صمتوا لكان أفضل لهم من البوح فيها ومنها قولهم : ” ان الذين حفظوا فروجهم من الحرام ولم يقعوا في الزنا فلهم الافضل ان يطئوا الأمَة المباحة فلا لوم ولا حرج عليهم، وكانوا يعتبرون الاماء جزءً من أموالهم ،,لكن هل في نص قرآني يعتمدون عليه في الحجة والمنطق؟طبعاً يبررونه على طريقتهم (هكذا أجمع العلماء ورجال السلف) ويعتبرونه من تمام نعمة الله عليهم وهم غير ملزمين بالقسم والعدل بينهم وبين الاماء،(الفتوى رقم 720،188518) كما يقول ابن القيم الجوزية”. وكأن الأمَة حيوان لا شعور أنساني له، والقرآن لم يفرق بين البشر.
الم يعد هذا التصرف خروجا على النص؟ فبأي نص نحن نلتزم ؟بنصوصهم الموضوعة ،ام بالنص القرآني الصحيح ؟.
لم يعُد الان من وجود لملك اليمين- بأستثناء داعش الأجرام – لكن بعض زعماء ورجال القبائل العربية يمارسون الزنا مع عبيدهم وخدمهم في الدول الثرية مستغلين فقر حالهم ( أنظر كوكل وشكاواهم في المحاكم المدنية ). ويقول البعض ان عتق العبيد قد قلل من الاماء ، جواب لا يلتقي مع العدل والمنطق. لكن القرآن
5
الكريم لم يعلن رسمياً ألغاء الرق سوى ما جاء بآية العتق أختيارياً (عتق رقبة ).ومن الغريب انهم يماسون الزنا مع الأماء لكنهم يمنعون عبيدهم من ممارسته معهن،وكأن العبيد لا غرائز جنسية لهم ،لذا كانوا في حالات كثيرة يعمدون الى أخصائهم جنسياً..كما فعل الرومان سابقاً، عملية أنسانية بشعة لاتتفق وأنسانية الأنسان..؟
ألم نقل لكم ان غالبية أراء الفقهاء ورجال الدين جاءت عن غير علم ودراية ،وأنما على الحدس والتخمين وبمرور الزمن أصبحت قواعد خاطئة مطبقة بين الناس بعد ان أدخلت في المناهج الدراسية .،فهل لا زلنا نؤمن بما يقولون ونحن في القرن الحادي والعشرين ليبقى العميان يتصرفون بنا على رأي (هكذا أجمع العلماء ورجال السلف ) ولا ندري من هم ؟ وما هم الا جهلاء في تفسير النص والدين. ؟
ومع ألغاء نظام الرق اليوم في كل أنحاء العالم ،فقد نُسخت آيات ملك اليمين تاريخياً فلماذا الأصرار عليه كما تقول الدكتورة آمنة نصير …؟،وهذا أمر في غاية الخطورة،مالم نبحث عن مدلول معاصر لمُلك اليمين،أنطلاقاً من ان الرسالة المحمدية صالحة فعلاً وحقاً لكل زمان ومكان ،
والا من حق المسلم وغير المسلم ان يبحث عن الجواب المجهول.
ليس هذا هو موضوعنا فقط ، بل الموضوع ينحصر في مُلك اليمين وكيف أجيز للصحابة ومن تبعهم من استخدام الأمَة كسلعة للمتاجرة الجنسية فيها في وقت جاءت آية الزنا بنص حدي لا يقبل التآويل (النور 4)؟ ،ان غالبية الصحابة أستمتعوا بالآماء بنص الآيتين،30 ، 50 من سورة الأحزاب .فهل هم أجازوا الاستمتاع المبطن لأنفسهم ومنعوه عن الاخرين؟ وهل هذا يجوز في التهاون بحقوق الناس عند المسلمين ؟،والعدل مطلق في الاسلام . علماً بأن جيوش الفتح استخدمت الروميات والفارسيات اللواتي وقعن في الاسر كجواري اماء لهم ، أنظر المصادر التاريخية الاسلامية المعتمدة في المناهج الدراسية اليوم ، واليوم داعش الأجرام تعيد علينا مآساة السنين ..؟.
6
العلماء الحقيقيون لا علماء رجال الدين يقولون :” ان لا تفاوت بين أجناس البشر وان اختلفوا في اللون والجسد ، فالتركيب البدني واحد والقدرات الذهنية واحدة وتشترك الاجناس كلها في درجات الذكاء، ولا ادري لماذا كان الماضون يرون ان الجنس الاسود اقل ذكاء وقدرات وقيمة عن غيره من الاجناس،ألم يكن عنتر بن شداد اسودا” حسين مؤنس كتاب الحضارة”.. لقد ثبت بالتجربة العلمية والعملية ان ذلك يقوم على وَهمٍ ولا يقوم على اساس. فعليهم ان لا يتحدثوا عن الزنا وهم الذين اوجدوه ومارسوه علناً..؟
انا أعتقد من وجهة نظري الخاصة ان الاية الكريمة كانت محددة بشروط الرضا من الجانب الاخر بعقد أحصان، فأغفلوا هذا الشرط لمصلحتهم ومصلحة اسيادهم أو أهملوه ، فأخترقوا الحقوق ولم يُبلغوا عن أساءة الاستخدام ، ولو قرأت ما يكتبه رجال الدين اليوم في الاماء لشاب رأسك قبل آوانه من تبرير الخطأ الأنساني على البشرحتى أوصلونا الى قناعة الخطأ .
واخيرا وليس اخرا نقول نحن بحاجة الى اعادة النظر في قراءة النص القرآني وتأويله، وبحاجة ماسة الى تعديل المناهج الدراسية التي اوقعتنا في الخطأ والتخلف ،في حين نجد في بعض أياته الكريمة الكثير من التداخل والأعادة والترتيل… والا اصبح الطرف الاخر من البشر من حقه ان لا يقتنع بان الاسلام هو أخر الآديان ، ومن حقه ايضاً ان يطعن بالسلوك العام للمسلمين ..؟.نتمنى اجابة الفقهاء المعتمدين جميعا دون تأخير ؟ ولا اعتقد سيجيبون…؟
واخيرا نقول : أينما وجد الأختلاف في الفكر الديني ، فالفقهاء هم المسئولون عنه…؟ فهل من حاكم نصيرللحق لينقذ الوطن من تخريب العقول المتعمد الذي تمارسه مؤسسة الدين … تحقيقاً لمصالح السلطة …كما خربت الوطن العربي اليوم …؟.
[email protected]