وردت كلمة “أسباط” في القرآن الكريم خمس مرّات: أربعة منها في سياق تعداد أسماء بعض الأنبياء، ونصّت هذه الآيات على وجوب الإيمان بمن سمّتهم الأسباط وهم أنبياء كرام من بني إسرائيل ومن هذه الآيات:
قوله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ]البقرة:١٣٦[.
وفي قوله تعالى: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ]البقرة:١٤٠[.
كما وردت كلمة “الأسباط” في سورة آل عمران، وفي نفس السياق قال تعالى: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ]آل عمران:٨٤[.
كما وردت “الأسباط” في سورة النساء، في نفس السياق أيضاً: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ ]النساء:١٦٣[.
إن “الأسباط” مذكورون في هذه الآيات الأربعة كلها في إطار ذكر الأنبياء: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وهذا الذكر جعل الكثيرين يعتبرون الأسباط هم أبناء يعقوب الاثني عشر، فهل هذا صحيح؟ وهل إخوة يوسف أنبياء؟ وما معنى الأسباط؟
إن الذين يعتبرون إخوة يوسف أنبياء يجعلون معنى الأسباط الأبناء، فهم أسباط ليعقوب؛ لأنهم أبناء من صلبه، فهل الأسباط في اللغة هم الأبناء؟ وهل السبط هو الابن؟
قال الإمام الراغب في معنى السِّبط: أصلُ السبط: انبساط في سهولة، والسِّبط: ولد، كأنه امتداد الفروع، وقوله تعالى: “ويعقوب والأسباط” أيّ: قبائل، كل قبيلة من نسل رجل. (المفردات، ص٣٩٤)
وقال السمين الحلبي عن الأسباط: الأسباط جمع سبط، وهم في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، وأحسن منه ما قاله الأزهري: الأسباط في ولد إسحاق، والقبائل في ولد إسماعيل، فعلوا ذلك تفرقة بين أولاد الآخرين، أعني إسحاق وإسماعيل واشتقاق السبط من الامتداد والتفريع، لأن السبط ولد الولد فكأن النسب امتد وانبسط وتفرّع.
وقيل: اشتقاق الأسباط من السبط، وهو الشجرة التي أصلها واحد وأعضاؤها كثيرة واستدلوا بقوله تعالى: ﴿أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾ فترجم الأسباط بالأمم، فكل سبط أمة، وفي الحديث: الحسن والحسين سبطا رسول الله (ﷺ).
قال المبرد: سألت ابن الأعرابي عن الأسباط فقال: هم خاصة الولد. أي: هم أولاد الولد.
إذن، السبط في اللغة: هو الشيء المنبسط الممتد المتفرع عن الأصل، وهو يطلق على ولد الولد وليس الولد، ومعلوم عندنا أن الحسن والحسين رضي الله عنهما هما سبطا رسول الله (ﷺ)، وهما ابنان لابنته فاطمة رضي الله عنها.
وإن “الأسباط” المذكورون في القرآن ليسوا أبناء يعقوب عليه السلام، بل ذريته المتفرعة من أبنائه.
أسباط بني إسرائيل هم قبائلهم؟
والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، فهم بمعنى الأمم كما ورد في صريح القرآن.
قال تعالى عن بني إسرائيل: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ ]الأعراف:١٦٠[.
﴿أُمَمًا﴾ في الآية منصوبة، لأنها بدل من ﴿أَسْبَاطًا﴾ أي: قطعنا بني إسرائيل اثنتي عشرة أمة ولهذا فجّر الله لهم الحجر اثنتي عشرة عيناً على عدد قبائلهم وأسباطهم، وإذا كانت “الأسباط” بمعنى قبائل بني إسرائيل فإن الأسباط ليسوا أنبياء، وإنما ذكرهم الله ضمن مجموعة من الأنبياء على تقدير حذف مضاف، والتقدير: وأنبياء أسباط بني إسرائيل، أي: آمنّا بما أنزل على الأنبياء: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، لأن الله أخبرنا بأسمائهم أنهم أنبياء وآمنّا بالأنبياء الآخرين الذين بعثهم الله إلى أسباط وقبائل بني إسرائيل، ولم يخبرنا الله عن أسمائهم.
لقد بعث الله إلى أسباط بني إسرائيل أنبياء كثيرين لم يخبرنا إلا عن أسماء قليل منهم؛ كما قال تعالى عن الأنبياء: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ ]غافر:٧٨[.
الراجح عدم نبوة إخوة يوسف عليه السلام:
رأى بعض المفسرين أن المراد بالأسباط في الآيات الأربع الأولى هم إخوة يوسف الأحد عشر، فبعد أن تابوا عن ذنوبهم واعتذروا إلى أخيهم يوسف عن فعلتهم الشنيعة به وقال لهم: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾ ]يوسف:٩٢[، وبعد أن استغفر لهم أبوهم يعقوب عليه السلام، أُنعم عليهم بالنبوة جميعاً، ونالوا هذه الدرجة العالية، لذا فهم المعنيّون بكلمة “الأسباط”، وهذا الرأي يفتقر إلى الأدلة القوية الصحيحة التي تؤيده وتقرره، بل إن هناك أدلة قوية ترده وتدحضه، وأسوق هنا بعض الأدلة:
إنّ كلمة “أسباط” لا تطلق على “الولد”، بل على ولد الولد فما دون، قال صاحب كتاب “الدرّ المصون”: الأسباط: جمع سبط وهم في ولد يعقوب كالقبائل وفي ولد إسماعيل، واشتقاقهم من السّبط وهو التتابع سُمُّوا بذلك لأنهم أمة متتابعون، وقيل للحسنين: سبطا رسول الله (ﷺ) لانتشار ذريتهم، وقال تعالى عن ذرية إسرائيل -يعقوب- ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾ ]الأعراف:٦٠[.
لم يرد في القرآن الكريم ولا السنة الصحيحة أنّ إخوة يوسف قد نُبّوا، ولو ورد ذلك لما وسعنا إلا التسليم بنبوّتهم.
لم يذكر مؤمن آل فرعون من الأنبياء الذين دعوا المصريين إلى التوحيد غير يوسف عليه السلام، فقد قال للمصريين: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ ]غافر:٣٤[، ولم يقل: ولقد جاءكم يوسف وإخوته.
إنّ إخوة يوسف قد همّوا بقتله وطرحوه في غيابة الجُبّ، وهذا عمل لا يفعله من يُعد لمرتبة النبوة.
إن يوسف عليه السلام قال لهم، وبعد سنين طويلة من فعلتهم به: ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا﴾ ]يوسف:٧٠[.
إن كلمة “أسباط” لم تُطلق على ذرية “يعقوب/إسرائيل” إلا في سيناء بعد الخروج، ولم تطلق عليهم أبداً في مصر طيلة ما يزيد على مائتي سنة، ممّا يفيد أن معنى كلمة “الأسباط” هو “القبائل” التي تكوّنت من أبناء وذرية كل ولد من أولاد يعقوب، لا أسماء آبائهم . (كلام في اليهود، مجموعة مقالات في اليهود وفي دولتهم المعاصرة، 2013، محمد علي دولة، ص٢٤٥)
إن الذي أراه -وهو ما صحّ عندي- أنّ كلمة الأسباط التي وردت في القرآن الكريم في سياق تعداد بعض الأنبياء الكرام، إنما تعني الأنبياء الذين بُعثوا من ذرية يعقوب عليه السلام طيلة تاريخ بني إسرائيل في فلسطين، وليس المراد بهذا اللفظ أولاد يعقوب الأحد عشر، كما يرى بعض المفسرين.
وكل ما نقوله عن إخوة يوسف عليه السلام، كانوا في أفعالهم الخاطئة التي سجلتها لهم آيات سورة يوسف عصاة مخطئين، ارتكبوا تلك الذنوب والآثام وبعد ذلك شعروا بتأنيب الضمير، فتابوا إلى الله وأنابوا له، واستغفروا من ذنوبهم، بل طلبوا من أخيهم يوسف أن يستغفر الله لهم، كما طلبوا هذا من أبيهم وبعد ذلك تابوا وأنابوا، واستقاموا وأصلحوا، فأقصى ما وصلوا إليه أن يكونوا مؤمنين صالحين، وعابدين محسنين وبهذا ختموا حياتهم. (القصص القرآني، الخالدي، (٢/٢٥٤).
ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: ” موسى عليه السلام”، للدكتور علي الصلابي، واستفاد كثيراً من معلوماته على كتاب: ” القصص القرآني”، صلاح الخالدي.
المراجع:
مفردات القرآن، الراغب الأصفهاني.
كلام في اليهود، مجموعة مقالات في اليهود وفي دولتهم المعاصرة، 2013، محمد علي دولة.
القصص القرآني، صلاح الخالدي.
موسى عليه السلام كليم الله عدو المستكبرين وقائد المستضعفين، د. علي محمد الصلابي.