19 ديسمبر، 2024 12:16 ص

حقيقة اسلحة الدمار الشامل في العراق بعبع امريكا وكرونا الصين

حقيقة اسلحة الدمار الشامل في العراق بعبع امريكا وكرونا الصين

نشرت صحيفة “بوبليكو” الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن تأثير كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية على مصداقية الولايات المتحدة عالميا.

وقالت الصحيفة في التقرير إن سيناريو غزو العراق الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش بدعم من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ورئيس الوزراء الإسباني خوسيه ماريا أثنار، ضمن ما يسمى “الحرب العالمية ضد الإرهاب”، بُني على مزاعم بوجود أسلحة دمار شامل لم يُعثر بتاتا عليها.

وأوضحت الصحيفة أن التقارير الاستخباراتية كانت قد حذرت الرئيس بوش من خطورة خوض حرب العراق، خاصة أن الذريعة الرئيسية للغزو، أي امتلاك نظام صدام حسين ترسانة من الأسلحة المدمرة المحظورة عالميا، كانت حجة واهية.

وقد تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الإطاحة بنظام صدام حسين في أقل من شهرين، لكن أسلحة الدمار الشامل لم تظهر أبدا. وقد نشر “مركز النزاهة العامة”، وهي مؤسسة صحفية أمريكية مستقلة، في أوائل سنة 2008، دراسة أوضح فيها أنه بين سنتي 2001 و2003، أصدرت إدارة بوش 935 تصريحا كاذبا بشأن التهديد المزعوم الذي يمثله نظام صدام على الولايات المتحدة.

مع سقوط بغداد في أيدي القوات الأمريكية وحلفائها في شهر آب/ أغسطس سنة 2003، قام مكتب الاستخبارات والتحقيق التابع لوزارة الخارجية بعملية رصد لـ132 افتتاحية ومقال رأي في عدد من وسائل الإعلام في 45 دولة، بين الثالث والحادي والثلاثين من شهر تموز/ يوليو، وقد وثق استخدام عبارة “كذب” 41 مرة، واستخدام عبارات أخرى مثل تزييف وتلفيق 20 مرة، في إشارة لما روجته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية. وأشار المكتب إلى أن صحفيين آخرين استخدموا عبارات أقل حدة مثل الخداع أو المبالغة.

وفي وثيقة رُفعت عنها السرية وتمكنت صحيفة “بوبليكو” من الاطلاع عليها، حذّر المكتب من أن “الاتهامات بالكذب والتضليل تم رصدها في الصفحات الأولى لصحف دول حليفة مثل إسرائيل وكندا والعديد من دول الناتو”.

وأضاف المكتب أن “الصحف الألمانية والفرنسية من مختلف الانتماءات الأيديولوجية اتهمت التحالف بالترويج للحرب عبر الخداع والتشويه واستخدام وثائق ملفقة والكثير من الأكاذيب”.

وفي فقرة تضمنها التقرير بعنوان “مصداقية أمريكا على المحك”، أشار مكتب الاستخبارات والتحقيق التابع لوزارة الخارجية إلى أن “معظم المراقبين في جميع أنحاء العالم يقولون إن مصداقية الرئيس بوش ورئيس الوزراء بلير رهينة قضية أسلحة الدمار الشامل، وأن أي شيء آخر غير اكتشاف هذه الأسلحة سيقوّض مبررات شن الحرب”. وفي فقرة أخرى من التقرير، يستخدم مسؤولون من إدارة بوش عبارة “مفقود” للإشارة إلى عدم العثور على الأسلحة المزعومة.

ورد ذكر “قضية أسلحة الدمار الشامل” في تقرير استخباري آخر بتاريخ 30 أيار/ مايو 2003، أي بعد نحو شهر من سقوط بغداد. وأشار التقرير إلى أن “الصحف ذات الميول اليسارية أشارت بطبيعة الحال إلى عدم وجود أسلحة دمار شامل، وإلى الهجمات الإرهابية الأخيرة في المملكة العربية السعودية والمغرب لإثبات صواب موقفها المناوئ للحرب منذ البداية”.

ويقول جوردي أرمادانز، مدير منظمة “فوندي باو” الكاتالونية، وهي منظمة حقوقية مناهضة للعنف، إن الولايات المتحدة وحلفاءها استخدموا “وثائق وبيانات خاطئة وحقائق مغلوطة وعملا استخباراتيا مخادعا لبناء قصة تبرر حرب العراق، التي نتجت عنها مآس غير مبررة وعواقب وخيمة”.

ويضيف: “في ظل الصدمة التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، أثار الحديث عن أسلحة الدمار الشامل والإرهاب مخاوف برّرت أي نوع من الإجراءات اللاحقة، مثل غزو العراق وأفغانستان”.

من جانبها، تؤكد أولاتس كاتشو، المتحدثة باسم منظمة العفو الدولية في إسبانيا، أن هذه القصة عن أسلحة الدمار الشامل أدت إلى أحداث لا تزال لها تداعياتها العالمية حتى اليوم.

وأضافت: “بشكل عام، كانت أغلب الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضمن ما يسمى بالحرب على الإرهاب سببا في تراجع حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم”.

انطلاقا من المبدأ المكيافيلي “الغاية تبرر الوسيلة” لا يتورع الكثير من السياسيين حول العالم من استغلال الأحداث والأزمات لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادهم يعزز موقفهم ونفوذهم داخليا أو خارجيا بغض النظر عن الكوارث التي قد تترتب على مثل هكذا تصرفات، نسلط الضوء في هذه المقالة على مثالين أحدهما قديم وآخر حديث لرئيسين أمريكيين جمهوريين (الذين دائما ما يطيب لهم تطبيق المبدأ أعلاه) قاموا بتطبيق المبدأ المذكور، وما أشبه الليلة بالبارحة.

كان النظام العراقي قد أجرى بحوثًا نشطة في مجال أسلحة الدمار الشامل ثم وظفها لاحقًا من عام 1962 إلى عام 1991، لكن في تسعينيات القرن العشرين حددت الأمم المتحدة (مع حكومة العراق) مواقع كميات كبيرة من الأسلحة الكيميائية العراقية والمعدات والمواد ذات الصلة بها ودمرتها، وأوقف العراق برامجه الكيميائية والبيولوجية والنووية. ولكن إدارتا جورج بوش الابن وتوني بلير أكدتا في مطلع القرن الحادي والعشرين أن برامج أسلحة صدام حسين ما تزال تعمل بنشاط على بناء الأسلحة، وأكدت وجود مخزونات كبيرة مخبأة من أسلحة الدمار الشامل في العراق. وهو نفس التأكيد المتكرر لدونالد ترامب حول أن الفيروس الصيني مصدره مختبر الفيروسات الوطني بمدينة ووهان الصينية ولم يقف ترامب عند ذلك الحد. بل قال إن إطلاق الفيروس ربما كان عملا مبيتا ومقصودا وزعم ترامب أنه رأى أدلة تدعم النظرية القائلة بأن الأصل كان مختبرًا للأمراض المعدية في مقاطعة ووهان.

وعودة للمثال الأول بدأت عمليات التفتيش بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1441، والذي طلب من صدام حسين أن يقدم «تعاونًا فوريًا وغير مشروط ونشطًا» مع مفتشي الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأكد رئيس لجنة الأمم المتحدة للمراقبة والتحقق والتفتيش “هانز بليكس” عدم توفر أي أدلة على وجود أسلحة دمار شامل. وهو نفس التقرير الذي صدر عن الاستخبارات المركزية حيث ذكر أن أجهزة المخابرات الأمريكية تعتقد أن فيروس كورونا يعود أصله إلى الصين لكنه لم يكن نتاج عمل بشري أو تعديل جيني. وقال مكتب مدير الوكالة التي تشرف على عمليات المخابرات الأمريكية في بيان “أجهزة المخابرات تتفق مع الإجماع العلمي الواسع النطاق بأن فيروس كوفيد-19 لم يصنعه إنسان ولم يتم تطويره جينيا” في توافق واضح بين السيناريوهين.

وكما حاولت إدارة بوش مرارا الضغط على فريق مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من اجل إصدار تقرير يدين نظام صدام حسين بامتلاك أسلحة دمار شامل أفادت صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام بأن مسئولين أمريكيين ضغطوا على الاستخبارات للبحث عن أدلة تدعم نظرية أن مصدر كورونا مختبر في ووهان الصينية. ونقلت الصحيفة عن محللين استخباراتيين لم تسمهم، قولهم إن الضغوط التي يمارسها مسؤولون أمريكيون من شأنها تشويه عمليات التقييم حول مصدر الفيروس. ويستمر التشابه الكبير بين السيناريوهين عندما نتذكر صورة وزير الخارجية الأمريكية كولن باول في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي في الخامس من فبراير عام 2003، إذ شغل باول قبل ستة أسابيع على بدء الحرب آنذاك، الرأي العالم لمدة 76 دقيقة من خلال خطاب ألقاه عن ضرورة شن حرب على العراق، وارتكز محتوى خطابه بالأساس على امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل وكيميائي، وكذلك دعم نظامه الإرهاب الدولي وسعيه إلى صنع أسلحة نووية.

رافق خطاب كولن باول هذا عرض بيان مدعوم برسوم توضيحية، وللهروب من ضوابط المراقبة الصارمة من قبل مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، تم تحويل أسطول من الشاحنات في العراق إلى مختبرات كيميائية ومخابئ للأسلحة البيولوجية. وليست ببعيدة عن الأذهان صورة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وهو يؤكد لوسائل الإعلام وجود “عدد هائل من الأدلّة” على أن مصدر وباء كوفيد-19 الناجم عن فيروس كورونا المستجد هو مختبر في مدينة ووهان الصينية. وأضاف “مجرد حقيقة أننا لا نعرف الإجابات -أن الصين لم تشارك الاستجابات- أعتقد أنها معبرة جدًا”.

التشابه المذكور يقودنا إلى ما انتهى عليه السيناريو الأول فقد نفذت إدارة بوش تهديداتها بشن حرب على العراق (خارج مظلة الأمم المتحدة لعدم كفاية الأدلة) حرب ذهب ضحيتها حسب أغلب التقارير ما بين 250 ألف إلى نصف مليون عراقي وتدمير في البنية التحتية العراقية وتفتيت للمجتمع العراقي، تدمير يعاني ويلاته ذلك البلد في كل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى الآن، وبعد عام من الغزو وبعد تسعين يوما من البحث المكثف في العراق شارك فيه أكثر من 1200 خبير وتكلفت مهمتهم 300 مليون دولار، لم يعثر المفتشون على أي من تلك الأسلحة التي اتخذها الرئيس بوش ذريعة لشن الحرب وفقا للتقرير الذي قدمه رئيس فريق الخبراء ديفيد كاي. وبدلا من أن يصارح الشعب الأمريكي بالحقيقة، اعتبر جورج بوش أن مضمون التقرير يؤكّـد أن صدام حسين كان خطرا على العالم في استخدام لنظرية نصف الكوب الممتلئ وقال بوش إن “الخداع والإتلاف المتعمد والمنظم للأدلة التي تثبت تورط النظام في تطوير أسلحة الدمار الشامل، استمر حتى بعد إسقاط النظام”.

ونسي الرئيس الأمريكي أن وزير خارجيته كولن باول وقف أمام مجلس الأمن ليبرر شن الحرب أن صدام حسين أخفق في توضيح مصير ما يزيد على 25 ألف لترا من عنصر الجمرة الخبيثة، وأن العراق يستخدم عددا من المعامل المتنقلة لإنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وأن صدام حسين لم يتمكن من توضيح مصير مخزونه الضخم من الأسلحة الكيماوية وغيرها من الادعاءات التي اعترف الجميع بعد تدمير دولة بكاملها أنها كانت جميعها ليست فقط مبنية على معلومات استخباراتية خاطئة كما يروج بعض السادة الجمهوريين بل لم يكن لها أي أساس من الصحة ومزيفة بشكل كامل كما يعترف اغلب ساستهم حيث يقول راي ماكغوفرن في هذا الشأن وهو من العاملين المخضرمين في مجال الاستخبارات، كما عمل لصالح وكالة المخابرات المركزية CIA لمدة 27 عاماً، و شغل مناصب بارزة بها حول عرض وزير الخارجية الأمريكية كولن باول في عام 2003 قبل حرب العراق، قال ماكغوفرن، البالغ من العمر 78 عاماً في مقابلة مع DW: “لم تكن المعلومات الاستخباراتية خاطئة فحسب، وإنما كانت مزيفة أيضاً”.

كما يفسر بقاء خطاب باول في الذاكرة لسبب واحد على وجه الخصوص، وهو أن كل هذه الادعاءات تبينت فيما بعد أنها خاطئة. إذ وصف باول بنفسه هذا الخطاب في عام 2005 بأنه يعد وصمة عار في حياته المهنية. وتماشيا مع تشابه السيناريو أعلاه في حالة الصين وكورونا فقد قال مسئولون أمريكيون إن على الحكومة الصينية “دفع ثمن” تعاملها مع هذا الوباء. وشددت إدارة ترامب من خطابها بشأن الصين، متهمة العدو الجيوسياسي والشريك التجاري الحيوي بالفشل في التصرف حيال انتشار الفيروس وتعريض حياة الملايين حول العالم للخطر ويغرد بومبيو في نفس الإطار حيث قال إن وقت الحساب سيأتي بعد انتهاء أزمة كورونا وان الصين ملزمة بتحمل تبعات أخطائها.

ورغم نفي الصين بشكل قاطع ادعاءات ترامب بأن فيروس كورونا تم إطلاقه من أحد المختبرات وبأنها لا أساس لها من الصحة، ومزيفة وقائمة على لا شيء. وتأكيد منظمة الصحة العالمية مرارا على انه لا أدلة حتى الآن على وجود علاقة للفيروس بمختبر ووهان إلا أن الحملة الأمريكية الممنهجة التي تقودها الإدارة الأمريكية ومعها وسائل الإعلام الجمهورية واليمينية مستمرة لخلق شعور ورأي عام محلي وعالمي بمسؤولية الصين عن انتشار الوباء لدوافع سياسية داخلية تتلخص في إعفاء ترامب من مسؤولية وفاة آلاف الأمريكين بسبب الجائحة الأمر الذي سيحيي آماله في الفوز بولاية ثانية ودوافع اقتصادية ايدولوجية تتلخص في إيقاف تقدم البعبع الصيني على كافة الأصعدة مثل النفوذ السياسي والنمو الاقتصادي والانتشار الإيدولوجي.

في الختام لقد بيتت إدارة بوش نيتها وغايتها بشن حرب على العراق في كل الأحوال فلم تكن تريد من أسلحة الدمار الشامل إلا أن تكون وسيلة حتى وان كانت مزيفة ويبدو أن إدارة ترامب ماضية بقوة في تنفيذ غاية موضوعه مسبقا ولا تريد من كورونا إلا أن تكون وسيلة حتى وان كانت كذبة. ولو استرجعنا ما آل إليه السيناريو الأول فقد لا تكون نتائج مالات السيناريو الآخر أقل مأساوية من الناحية الاقتصادية وقد تكون كارثية في بعض الأحيان وقد تكون له انعكاسات إنسانية مثل حروب الوكالة والحصار الاقتصادي أو غيرها إذا ما طالت فترة الأزمة بين البلدين.