18 ديسمبر، 2024 7:18 م

حقبة جديدة في العلاقات الأخوية بين تركيا والسعودية قد يثير قلق وهواجس إيران

حقبة جديدة في العلاقات الأخوية بين تركيا والسعودية قد يثير قلق وهواجس إيران

الصراعات الإقليمية أثقلت تركيا ودول الخليج معا،حيث وضعت أمام هذه الدول تحديات عدة، عصفت بسياسات هذه الدول الى اتخاذ مواقف سلبية وساخنة تجاه البعض ولكن سرعان ما لاحت بوادر التقارب بين هذه الدول وإلقاء الخلافات البينية والمتقلِّبة خلف ظهورهم ، والتوجه نحو سياسة تقارب مدفوعة بالمصالح البراغماتية بين هذه الدول، من ناحية تتيح لتركيا التفرُّغ لمواجهة المخاطر الإستراتيجية التي تُمثِّلها اليونان في شرق المتوسط وكذلك الفصائل الكُردية الانفصالية، كما تمنح عواصم الخليجية الفرصة الأكبر لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة العربية .
تمثل إيران في الوقت الحالي، مصدر القلق الأكبر للسعودية خاصة والدول الخليجية عامة، ومن طرف طرف أخر تتجه طهران ببطء نحو اتفاق نووي مع الولايات المتحدة يمكن أن يرفع العقوبات الاقتصادية عن ايران.هذه من جهة ومن جهة أخرى تركيا وإيران تحافظان على متانة العلاقات الاقتصادية فيما بينهما وخلال السنوات الماضية، تنافست تركيا وإيران في المصالح الجيوسياسية في اكثر من منطقة، رغم أنهما ليسا خصمين، وتحافظان على متانة العلاقات الاقتصادية.
بعد إصلاح تركيا علاقاتها مع الإمارات، ودعم الاستثمارات الاماراتية في تركيا. من أجل إعادة بناء الجسور المنهارة بين تركيا والسعودية كانت زيارة الرئيس أردوغان للمملكة والان زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتركيا، من أجل المضي قدماً في إفاق وتطوير العلاقات بين البلدين الشقيقين،
هذا قد يؤدي تحالف تركيا الوثيق مع دول الخليج إلى وزيادة الضغط على إيران.
تتكامل الان مؤشرات دخول العالم في مرحلة جيوستراتيجية جديدة مقوماتها العودة إلى ما يشبه حقبة الحرب الباردة. حيث تريد الولايات المتحدة الأميركية وانكلترا والاتحاد الاوربي لما يشبه التحالف الدولي لمواجهة روسيا الغارقة في مستنقع حربها مع أوكرانيا حيث يسعى بوتين إلى تحقيق إنجاز عسكري في حين إن أمد حرب الاستنزاف سيطول، ولكن  الظاهر أن أوكرانيا ستتحول إلى قسمين شرقي موال للروس غربي موال للغرب.
هنا يلعب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دوراً استثنائياً في الازمة الروسية الأوكرانية، يقف على الحياد لكنه يمنع القوات العسكرية الروسية من الانتقال إلى سوريا في الأجواء التركية، ويمنع القطعات العسكرية البحرية الروسية من المرور في مضيق البوسفور، وهو موقف واضح يتعارض مع ما تريده موسكو.وهنا يستكمل الدور السعودي وفق مسار استراتيجي تركي سعودي بعد زيارة أردوغان إلى السعودية، وزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى تركيا الحالية.
ان التنسيق السعودي التركي ضروري جدا في هذه المرحلة ومن ثم استكمال التنسيق التركي المصري سيكون له نتائج متعددة وعلى كافة الاصعدة وخاصة على الوضع في منطقة الشرق الأوسط والصراع الروسي الاوكراني .
قبل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرياض في أبريل/نيسان 2022، تمكنت تركيا إلى حد كبير من استعادة علاقاتها الاخوية مع الإمارات والبحرين ومصر وإسرائيل.
لذلك، من الأفضل فهم تقارب الاخوي بين تركيا مع المملكة العربية السعودية كجزء من عملية مستمرة في السياسة الخارجية لدول المنطقة. وإن إصلاح العلاقات التركية السعودية هو جزء من عملية أكبر لاستعادة مكانة تركيا والمملكة العربية السعودية في المنطقة واحدة في العديد من الأهداف والمصالح المشتركة بين البلدين.
الان تركيا والمملكة العربية السعودية بحاجة إلى بعضهما البعض في المنطقة وخاصة في السياسة الدولية والإقليمية. حيث تخوض المملكة السعودية حربا مع الجماعة الحوثية المتمردة في اليمن بالوكالة مع إيران، وتتمتع تركيا ببعكس السعودية علاقات جيدة مع طهران؛ ما يسمح لها بالوساطة بين الخصمين إذا لزم الأمر في المستقبل القريب.
من ناحية أخرى يمكن أن تستثمر الرياض وبقوة في صناعة الدفاعية العسكرية التركية المتطورة الان أو المشاركة في مشاريع دفاعية مشتركة فيما بينهما, وكذلك تساعد تركيا في تدريب وتجهيز الجيش السعودي بأسلحة تركية الصنع، وخاصة طائرات “بيرقدار” لردع التهديدات طائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية التي تستخدمها الميلشيات الحوثية المتمردة.
تركيا والمملكة العربية السعودية إلى جانب مشاكلهما مع القوى الإقليمية في المنطقة،كانت أنقرة والرياض بعيدة عن إدارة “بايدن” وبعض الدول الغربية أيضا.وبالتالي فإن الرئيس اردوغان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان هم في حاجة ماسة إلى الأصدقاء أكثر من أعداء، ولا يمكنهم تجاهل إمكانيات بعضهم البعض،أمام القوة الإقليمية الرئيسية. لذلك، لدى الأتراك واشقائهم السعوديين الكثير لكسبه وعلى كافة الأصعدة.حيث أثبتت الدروس السابقة بأن التوترات والانقسامات لا تؤدي إلا إلى تفاقم الاوضاع والمصالح المشتركة وتؤدي الى الإضرار البلدين الشقيقين.
ومن منظور أخر يبدو إن التقارب بين تركيا والمملكة العربية السعودية قد يثير قلق البعض وخاصة إيران التي ترى أن المصالحة بين هاتين القوتين الإقليميتين قد تنال من مصالح والنفوذ الايراني الزائد في المنطقة، وخاصة في سوريا و العراق و اليمن، وتقوِّي موقف المملكة العربية السعودية في مفاوضاتها مع إيران حول قضايا الإقليمية في المنطقة ، تقوِّض مساعي ايران لإجبار المملكة السعودية على تقديم التنازلات في تلك المفاوضات الحساسة.
في نهاية،يمكن القول إنه في ظل الحاجة الملحة والمتبادلة يجب تجاوز كافة صفحات الخلاف بين تركيا وبعض الدول الخليجية هذه من ناحية ومن ناحية أخرى الخلافات التركية المصرية، يبدو أن المسار الحالي لحل الخلافات سيكون قابلا للاستمرار على المدى المنظور لتخفيف الأعباء التي تحمَّلها الطرفان أكثر من اللازم بسبب صراعات في المنطقة العربية ما بعد الربيع العربي، وتراجع التزامات الولايات المتحدة الامريكية لدول المنطقة.
طبيب – باحث في الشؤون التركية وأوراسيا