23 ديسمبر، 2024 10:24 ص

حقائق مقلوبة في مقال عدنان ابوزيد

حقائق مقلوبة في مقال عدنان ابوزيد

نشر الأستاذ عدنان ابوزيد في موقعكم الموقر مقاله الموسوم ( شعوب هزمت اليأس) ، أراد فيها توجيه موعظة ودعوة للشعب ليصبر و يتحمل التقشف ويشد الحزام من لم ينقطع وسطه من شدّ الحزام بعد، وتلك وجهة نظر له الحق في تبنّيها، ولكن ما لا يجوز هو توظيف الحقائق بعد قلبها على رأسها لتأكيد وجهة نظر الكاتب. حرية الرأي تبيح لنا صناعة الرأي لا تصنيع الحقائق، على اعتبار ان وجهة النظر هي منتج الذات المفكرة اي ان وجودها ذهنيّ صرف، بينما تتمتع الحقيقة بوجود موضوعي خارج الذهن ولا يحق لأحد إخضاعها الى إعادة تصنيع.

بخصوص أزمة الرهن العقاري في أميركا يقول الاستاذ أن رجال الأعمال قد ضخوا مليارات الدولارات و تكاتف الجميع لعبور الازمة!! الحقيقة إن رجال الاعمال و شركاتهم لم يضخوا الاموال بل استلموا من خزانة الدولة 700 مليار دولار و ترليونات أخرى ( 14.7 ترليون حسب أنباء بلومبرغ) من البنك الإحتياطي الفدرالي كديون بنسبة فائدة أقرب الى الصفر، وتلك الاموال و ما يترتب عليها من ديون ستكون عبئاً مالياً من مسؤولية الشعب تسديدها، وبالمقابل فقدت خمسة ملايين عائلة منازلها، ومنهم من التحق بالمشردين، بينما كافأ المدراء التنفيذيون للشركات انفسهم بعشرات الملايين من الدولارات، فاي تكاتف تتحدث عنه؟، لم يفقد ابناء الشعب بيوتهم ووظائفهم وتأمينهم الصحي طوعاً لتتحقق أكبر عملية نقل للثروة آنذاك من القاعدة الى القمة، بل خذلوا ولم يكن لهم اي خيار في ظل نظام اقتصادي يحابي طبقة الاوليغارك.

يقول الکاتب أن اليونان قد حققت معجزة عام 2014 مما أتاح لها الانفاق على الفقراء من فائض ميزانيتها!!!، في الحقيقة شهدت اليونان اضرابا عاماً اهتزت له البلاد سنه 2015 احتجاجاً على سياسات التقشف التي فرضتها الترويكا ( الاتحاد الاوربي، البنك المركزي الاوربي والصندوق الدولي ) لأن اليونان لم يستطع تأمين دفعة الديون التي تجاوزت 300مليار يورو، وقد صوت الشعب بنسبة الثلثين لرفض المزيد من الاقتراض، إلا أن الحكومة أتمت القرض وقبلت بشروط الترويكا التعسفية خلافاً لرغبة الشعب، و بقيت اليونان أسيرة ديونها، وضحية المصارف الألمانية والفرنسية، ومازال الفقراء و أبناء الطبقة الوسطى يدفعون ثمن صفقات الأسلحة و الارباح المتراكمة والتدهور الاقتصادي الذي يعود في جذوره إلى أزمة العملة الناشئة عن التسرع بالانضمام لمنطقة اليورو و الفساد المستشري، بينما ينعم رجال الاعمال و المضاربون بالاسهم بالارباح الفاحشة، فاي فائض وأي انفاق على الفقراء يتحدث عنه الاستاذ ابوزيد؟.

الانكماش الاقتصادي في اليابان عام 1991 لاعلاقة له بارتفاع اجور العمال كما يدعي الكاتب، فقد كانت أزمة مالية في بورصة الاسهم تعود الى رفع سعر الفائدة على القروض، ولم تعالج كما يقول ابوزيد بخفض اجور العمال، وانما بتخفيض سعر الفائدة على القروض، ولكن بعد فوات الاوان فكان أن استمرت الازمة أكثر من عقد.

في تذكّره للمعجزة الاقتصادية الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية يقول ابوزيد انها تحققت باتباع النهج النيولبرالي والذي يعرفّه خطأً بانه إدغام بين الاشتراكية و الرأسمالية!!!، الحقيقة ان المعجزه الألمانية تحققت بالأسترشاد بنظرية الاقتصادي والتر يوكين التي تقوم على المزج بين اقتصاد السوق واعطاء الدولة دوراً في اطلاق برامج اجتماعية لمساعدة الفقراء والتعليم و الخدمات و منح قروض استثمارية للشركات الصغيرة، يمكن تسمية هذا النمط من الاقتصاد رأسمالية إجتماعية لا نيولبرالية، فالنيولبرالية تدعو إلى تقليص دور الدولة وترك السوق يعمل بآلياته الذاتية على مبدأ دعه يعمل دعه يمر، ( طبعاً حتى يتعثر الاقتصاد الحر بازمة فيهرول أصحاب الشركات يتوسلون بالدوله لانقاذهم متناسين مبادئهم النيوليبرالية ). ومن الجدير بالذكر أن المساعدات المقدمة وفق خطة مارشال قد ساعدت أيضاً على تحقيق النجاح في التجربة الالمانيه.

أكتفي بهذا القدر مع تحياتي للكاتب عدنان ابو زيد آملاً أن تجد ملاحظاتي لديه قبولاً، وأرجو أن يكون ردي محفزاً للقراء للبحث و الاستزادة المعرفية فيما تناوله الكاتب في مقاله على الرابط التالي:

https://www.iraqicp.com/index.php/sections/platform/37401-2020-06-05-20-04-26