ما أظن أحدا نسيَ أحداث الشارع العراقي التي دارت في الأعوام 2006- 2007.. فقد كانت بحق صادمة لكل الشرفاء بأطيافهم وقومياتهم جميعا، إذ لم يكن من المتوقع ظهور معتقدات شاذة وأفكار منحرفة في بلد عاش أهله تحت ظلال التعايش والتآلف والتآزر، وكذلك المودة والتحابب والتقارب فيما بينهم قرونا عديدة. ولما كان الصحيح هو الذي يصح لامحالة، فقد انقشعت تلك الغمامة من سماء العراقيين، وتبين لهم الخيط الأبيض في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، من الخيط الأسود في تضاد ساستهم وتكالبهم وتصارعهم على مصالحهم الفئوية.. وأنانية ممثليهم ونكثهم عهودهم قبل أن يجف البنفسج من سبابات ناخبيهم.
نعم..! لقد كان كابوس ذينك العامين شديد الوطأة على البلد الأمين ولكن، رب ضارة نافعة..! فقد استوعب العراقيون منه درسا، مازالوا يتعوذون من الرجوع اليه، وما فتئوا يثبتون للقاصي والداني أن الجسد العراقي “إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. وهاهم العراقيون يردعون بتكاتفهم كل من ظن يوما ان ارض الحضارات العريقة لقمة سائغة لمن هب ودب من أعدائه مهما تكالبوا عليه.. وما زال حماة عرينه يكيلون الصفعات القاسية لمن تصور ان العراقيين نِحل ومِلل وأديان وأطياف وقوميات، وإن كانوا كذلك فهم في الوثائق الثبوتية والأوراق الشخصية فقط، أما دمهم فهو واحد، ونَفَسهم يعبأ من هواء العراق الواحد ولاهواء غيره، في كل الظروف ولاسيما في المحن والمصاعب والمصائب..
نعم..! ما برح العراقيون من الآمنين في بيوتهم والتي باتت تمثل خطوط مجابهة مع أوباش إرهابيين، أرسلهم أوباش إرهابيون أشد منهم جهلا وتخلفا وخسة، يلقنون المارقين في الداخل.. والحاقدين من الخارج درسا مريرا في احتساب العراق والعراقيين خطا أحمر، يمنع المساس به منعا باتا.. وهم في مواقفهم المشرفة في مدن العراق وأقضيته وقراه جميعها، يجيبون السائل عن اللحمة العراقية، بإجابة دامغة تعيد الأمل لمن تأثر بما رآه من إحباطات وانتكاسات مر بها العراقيون مجبرين… والإجابة هذه تتمثل بواقع لا يقبل التشكيك والتكذيب والإنكار، بتحرير الأراضي المغتصبة وإعادتها الى وضعها الآمن وتخليص ساكنيها من الأسر المرير الذي كان مطبقا عليها..
نعم..! فالأفعال المشرفة التي يتحلى بها العراقيون بشكل عام حقائق لايحجبها غربال، وكذاك ردود أفعالهم إزاء تصريحات ساستهم المبطنة بالدس والتحريض على الفرقة والشتات، باتت أقوى صفعة لمن يظن أن اللحمة العراقية تمر بأزمة، او هي كما يتصور البعض ماتت اكلينيكيا. كما أن الروح الوطنية التي تتمتع بها النسبة الكبرى من الشعب العراقي، كانت أكثر الأسلحة فتكا بكل أعداء العراق، سواء أكانوا من مغتصبي أرضه أم المتربصين عن بعد او عن كثب! يتحينون الفرصة السانحة للانقضاض على الجسد العراقي. فما زالت عالقة في أذهان الجميع صورة البياعين والسماسرة الناعقين فوق منصات البغي وساحات الخيانة، وكذلك صورة المتشدقين من خلف مايكروفونات القنوات المضللة، التي سعت جاهدة من دون كلل الى صب الزيت فوق نار خمدت منذ زمن، هادفة بفعلها الدنيء هذا تمشية أمر لأسيادها، بعد قبض ثمن الرذيلة في بيع الوطن والغيرة والشرف والأخلاق والضمير دفعة واحدة.