استقتل الأكراد والترك النجيفية في الحيلولة دون إعادة هيكلة الجيش العراقي بعد أن حلَّه الأمريكان عام 2003، وإذ لم يكن من ذلك بدٌّ أدخلوا المحاصصة إلى قياداته, ومنعوا تسليحه ، وأشاعوا فيه الظاهرة الفضائية, والأسماء الوهمية, وصفقات السلاح الفاسدة, وغياب الانضباط العسكري, وافتقار الروح الوطنية, وقد شاركهم في ذلك الإخوة من مجاهدي الخارج؛ لأنهم تماهوا مع الأجندة الأمريكية، وعقدوا بينهم وبين مخابراتها زواجاً كاثوليكياً، فزجُّوا بضباط دمج وبرتب عسكرية عليا ( فريق و لواء ) بعضهم لا يجيد القراءة والكتابة؛ ليحدثوا الجلطات في شرايين الجيش العراقي .
والنتيجة لدينا عبءٌ على الموازنة العامة أثقل كاهلها لقاء جيش لا يستطيع أن يحمي نفسه؛ لأن غالبية ضباطه لهم ولاءات كتلوية طائفية عنصرية لا يخجلون ولا يخشون المحاسبة في حالة فسادهم أو هربهم كلما حمي الوطيس . أما السيد الوزير، فهو جزء من ديكور هيكلية الدولة! شأنه شان قمة الهرم ( فخامات رئاسة الجمهورية ) .
بمجرد أن تعرض هذا الجيش للدعاية، وقبل أن يختبر قوته أو قوة عدوه داعش انهار, هذا الجيش ذو التدريب الأمريكي والتسليح الأمريكي والعقيدة الأمريكية(جيش احترافي مهني حيادي لا يؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الأخر) تبخر قبل أن تصل إليه إطلاقة واحدة, كل هذا والبيشمركة الكردية في المقابل تزداد كل يوم قوة انعكست على الخطاب الكردي المسعودي الذي أخذ يتصاعد بفعل القوة التي امتلكها خلال (حوسمته) لسلاح الجيش العراقي عند دخول داعش, وهو سلاح نوعي أغلبه أمريكي .
فصدح الخطاب السياسي الكردي وتصاعدت لهجته من:
ــ المطالبة بتفعيل المادة (140) إلى احتلال كركوك وتجريد قطعات الجيش العراقي المحدودة من السلاح وإخراجها من المحافظة، واحتلال سهل نينوى بحجة عدم وقوعه بيد الدواعش، ورفع عقيرته بالقول: إن كردستان قبل سقوط نينوى هي غيرها بعد السقوط؛ لأنه أصبح القوة المطلقة والوحيدة في العراق .
ــ وانتقل السيد مسعود من سرقة النفط بالتنكرات إلى عمل خطوط أنابيب عبر تركيا بالعلن .
ــ ومن حدود متنازع عليها قابلة للتفاوض إلى حدود الدم بمعنى إنها حدود سيُرَاق عليها الدم تمتدُّ إلى زرباطية في محافظة واسط .
ــ ومن خطاب مع العالم الخارجي عبر السيد هوشيار زيباري الذي كان بالاسم وزيراً لخارجية العراق، لكنه يعمل تحت غطاء الحكومة الاتحادية وزيراً لحكومة إقليم كردستان , انتقل ذلك إلى خطاب خارجي كردي مباشر وعبر أعلى المستويات .
ــ وانتقل تسليح الإقليم من تسليح خفيف ومتوسط إلى تسليح ثقيل خلافا للدستور وبصفقات مباشرة لا تمرُّ عبر قنوات الحكومة المركزية .
ــ وأصبحت قوات البيشمركة لا تخضع إلى سلطة القائد العام للقوات المسلحة في الوقت الذي تأخذ رواتبها وسلاحها من الموازنة العامة للدولة العراقية .
إلى هنا والرياح تسير وفق ما تشتهي سفن البر زاني مسعود فبغداد تجاوزتها قوات داعش، وأخذت جرف الصخر وشمال الحلة، وهي تنتظر الخليفة البغدادي! لاعتلاء منبر هارون الرشيد! ومن الطرف الآخر وجد المالكي نفسه في ليلة وضحاها قائداً عاماً لقوات فضائية ليس لها وجود أو فعل على الأرض، وفي خضم هذا الانهيار الصاعق جاء صوت المرجعية مجلجلاً صادحاً بالحق (حي على الجهاد) فتكردس أتباع الحسين يستجيبون لندائها بشعار (لبيك ياحسين) هؤلاء الذين كانوا يسيرون إلى زيارة الإمام الحسين من كل فج عميق وطوال مسيرتهم على امتداد عشرات ومئات الكيلو مترات هم في حالة تطهير روحي واستعداد نفسي لتلبية نداء الحسين كانوا يتعرضون إلى التهكم؛ كونهم سائرين في سبيل الهريسة . لتتفاجىء أمريكا التي وقفت تقلب المالكي على نار هادئة وبعدم بالتدخل، وإنها تبحث عن تحالف دولي، وإنها بانتظار تصويت الكونـﮔرس على صفقات الأسلحة، وإنها تخشى أن تبعث أسلحة؛ فتسقط بيد داعش، وإنها بصدد مناقشة إرسال الأسلحة إلى العشائر، وتارة أخرى إلى الحكومة أو التعامل مع العراق بوصفه دولة واحدة، ثم تلوح بمشروع “جو بايدن” بتقسيمه إلى ثلاث دول، أو إنها بصدد هيكلة الجيش العراقي وتدريبه وتسليحه، ومن ثم تحرير العراق أم الأفضل وضع سقف زمني لتحرير العراق أقصره ثلاث سنوات، وأطوله يتجاوز العشر سنوات، أم الدخول بغطاء جوي أو بري، أم تكتفي بإرسال خبراء، كلُّ هذا والمالكي محشور في عنق الزجاجة يُرجَم من قبل مناوئيه الكرد وقيادات السنة، ويُفَتُّ بعضده من قبل الأمريكان، ويُكسَر عظمه من قبل حلفائه الشيعة، وأخيراً تأتيه القاضية من قبل حزبه حزب الدعوة قلنا: لتتفاجأ أمريكا بما لا يدخل بحساب كمبيوتراتها، مهما وضعت فيها من برامجيات، إن الأرض تحركت من تحت أقدامها، وليس لها العلم والسيطرة على إيقافها أو أين تستقر .
وما أن بدأت فصائل الحشد الشعبي تعمل على الأرض و تحصد بقطعان الدواعش في ديالى وجرف الصخر وآمرلي وشمال بغداد في المشاهدة والدجيل وبلد والطارمية وسامراء حتى أعلنت أمريكا عن حسم أمرها بتشكيل تحالف دولي عبارة عن غطاء جوي يخرج علينا بين الفينة والأخرى، كأنه بنزهة غايته في العلن تحرير العراق، وفي السر حماية داعش وإمداده بالعتاد والسلاح، وإطالة أمد المعركة التي أعطت انتصارات الحشد الشعبي المقدس في سامراء وتكريت مؤشرات على قرب حسمها وتحرير العراق منها خلال أشهر معدودة، وفوجئت أمريكا بحقيقة لم تكن في حساباتها أو غفلت عنها! ألا وهي دور المرجعية التي قلبت موازين القوى بكلمات معدودة بخطاب وطني عراقي وحدوي إنساني تخطى الآفاق الطائفية والعنصرية .
فسارعت أمريكا إلى ضرب الحشد الشعبي المقدس لإيقاف زحفه، ريثما يتسنى لها سحب قيادات داعش القطرية والسعودية والإسرائيلية والأمريكية الميدانية من ساحة المعركة؛ خشية وقوعهم بيده وعملت على نقل قوات داعش خلف قطعات الحشد الشعبي في المناطق التي انتهى من تحريرها؛ لغرض تعطيل تقدمه، ولوَّحت بتقسيم
العراق والتعامل معه على أنه ثلاث دول، فاضطر القائد العام للقوات المسلحة أن يمسك العصا من الوسط بين ضغط أمريكا وقادة السنة المشاركين في حكومته، وبين قيادات الحشد الشعبي والمرجعية من جهة أخرى، وكان الحشد الشعبي كسيف علي في معارك محمد صلى الله عليهم وسلم، فأما أن تصول بدونه القوات المسلحة التي لملم شتاتها (فتعود خائبة يُجبن بعضها بعضا) أو تقاتل تحت صولته، فيأتي لها بالنصر المؤزر، عند هذه الانتصارات وانضمام العشائر الغربية للحشد الشعبي من البو نمر والجبور تغير خطاب الدم المسعودي، وعرف أن للعراق رجالاً يحسب لهم الحساب، حتى من قبل أسياده الأمريكان والإسرائيليين، وأنه لا ولن يكون(فرهود) و (حواسم) إن ما أكله العنز سينتزعه الدباغ . وأخيراً ورغم الأنوف والشوارب سيبقى شعارنا:(لبيك ياحسين لبيك ياحسين لبيك ياحسين لبيك ياحسين لبيك ياحسين ……..) إلى ما لا نهاية، وحتى تحرير كامل التراب العراقي والقضاء على الفكر التكفيري في العالم.