ينتقد البعض الإجراءات التي تتخذها بعض المحافظات في منع التنقل بين بعضها البعض او في فرض قرارات تقيد الحركة بما يقترب من حظر تجول الأفراد والجماعات ، ويستند المنتقدون في آرائهم إن هذا الحظر هو تقييد للحريات وان فيه مبالغة في الإجراءات او انه يعكس الفشل في أداء المؤسسات المعنية بالموضوع ، وبغض النظر عن مطلقي تلك الانتقادات فان هناك حقيقة ثابتة قلما يختلف عليها اثنان وهي إن المصالح العليا المتعلقة بالحفاظ على أرواح البشر تسوغ لإتباع اكبر المحظورات في أوقات الازمات ومنها الأوبئة والأمراض مادامت في وقتها ومكانها المطلوب ، والوباء الذي يمر به العالم حاليا وباءا من نوع خاص لأنه ولد في مكان محدد في الصين وانتشر بسبب حركة السكان وخلال فترة قصيرة تحول إلى وباء عالمي باعتراف منظمة الصحة العالمية وهو ينتشر اليوم في أكثر من 120 من البلدان ، وهو وباء فتاك وينتقل من خلال الجهاز التنفسي والملامسة ومن الممكن أن يسبب الوفاة السريعة للأشخاص منخفضي المناعة وهم غالبا ما يكونون من كبار السن او المصابين بالأمراض المزمنة او من الفئات الأكثر فقرا بين السكان ، ومن الأشياء التي تنبئنا بالخطر إن فيروس كورونا له قدرة على تطوير نفسه إذ ثبت انه أجرى تطويرا واحدا منذ ظهوره لحد اليوم مما يتطلب تظافر الجهود الدولية ليتخلص منه الجميع ، وفي بلدنا تأتي دعوات الحظر مع ألازمات يمر بها البلد ومنها التظاهرات وانخفاض أسعار النفط والتصعيد بالوضع الأمني وانتشار الفقر والتأخر في تعيين الحكومة وغياب الموازنة الاتحادية والافتقار للكثير من الخدمات ، والخوف الكبير من احتكار السلع والتسبب بمعاناة تفوق كثيرا آثار الوباء .
إن دعاة عدم تطبيق حظر التجوال الكلي او المحدود لهم ما يبرر دعواتهم بهذا الخصوص ، فبعضهم يعملون بأجور يومية ويسترزقون من العمل اليومي وليست لديهم كثيرا او قليلا من المدخرات ويخشون الموت فقرا او من معاناة وذلة العوز ، وآخرون يعتقدون إن البشرية يجب أن لا تذعن لهكذا تحديات وقد بلغت مستويات عالية من التقدم وامتلاك التقنيات ، والقول الأخير يلقى تعاطفا كبيرا ولكن واقع الحال يفرض وجوب التحري الكامل عن الفيروس لحين إيجاد لقاحات فاعلة على سبيل التحصين منه واكتشافات علاجات مؤكدة للشفاء لأغلب الحالات ، وحتى يحين الموعد لهذه الأمور فان استخدام أقسى طرق الوقاية تعد واجبة التطبيق ومما يؤيد هذا التوجه عاملين ، الأول هي تجربة الصين الناجحة في احتواء الوباء فرغم مساحاتها الواسعة وعدد السكان الذي يصل إلى مليار ونصف فقد جاء الاحتواء من خلال محاصرة المناطق المصابة وعزلها بإحكام ، وثانيها ظهور حالات عدوى في بعض الدول بين الأفراد الذين لم يكونوا خارج البلاد مما يؤكد انتقال العدوى إليهم من القادمين من مناطق الوباء ، وبسبب هذين العاملين وما أضاف إليه العلماء من دوافع فقد بدأت العديد من الدول تحد من الحركة والانتقال وأحيانا تحظر التجوال وهي دول متقدمة من حيث تقديم الخدمات الصحية مثل ايطاليا وألمانيا والولايات المتحدة والعديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى ، ونظرا لإثبات فكرة العالم تحول إلى قرية او مدينة صغيرة عند تتبع هذا الوباء فان تحديد الدخول والخروج بات من الضرورات ، وكلما افتقرت الدول إلى الخدمات الصحية الكفوءة فان التقييد يصبح من أسبقيات السيطرة على الوباء .
وليس سرا على احد ، فان عدد الإصابات المؤكدة المسجلة ( اليوم ) في العراق قد بلغ 101 واغلبها ( عدا التي انتقلت إليها العدوى من الداخل ) قادمة من إيران او من دول الوباء ، وتحاول مكونات خلية الأزمة المشكلة بالأمر الديواني 55 لسنة 2020 اتخاذ ما يمكنها من قرارات وإجراءات في التحري عن الإصابات التي تسللت قبل تشكيلها او بسبب الإفلات من المنافذ الحدودية ، والإفلات لا يعني بالضرورة الالتفاف على تلك المنافذ او التحايل عليها او المجاملة او القصور من العاملين فيها ، وإنما من طبيعة السلوك الذي يتخذه الفيروس لأنه يمر بمراحل أثناء العدوى بحيث يكون موجودا داخل الجسم ولا تظهر الأعراض عند المصاب وقت التفتيش او إن التشخيص يحتاج إلى تحليلات معمقة لا تتوفر إلا في مختبرات حكومية متخصصة في بغداد ، دون أن نهمل حقيقة وتتعلق بعدم إمكانية حجر كل من يعود للعراق لعدم وجود أمكنة كافية للحجر من جهة وخطورة انتقال الفيروس من المصاب إلى السليم أثناء الحجر وللتكاليف العالية التي يتطلبها الحجر لأسابيع وما يجب أن يتخلله الحجر من رعاية صحية عالية الدقة والأداء ، وكما هو معلوم فان بلدنا يحتل المرتبة 92 من حيث جودة نظم الرعاية الصحية بموجب إحدى أدوات التقويم العالمي ، كما إن السلطات ليس من حقها أن تمتنع عن استقبال مئات الآلاف من المواطنين القادمين من الخارج لان ذلك قد يوقعهم بمآسي صحية اوغيرها فسمحت لهم بالدخول بما يتيسر للجهات الحدودية من إمكانيات ، وبذلك أصبحنا بواقع الحال ( الذي قد لا يرضي الجميع ) وهذا الواقع يفرض حزم من الإجراءات الواجبة الإتباع من باب المحافظة على الحياة وتقليل الإصابات ومنها الحظر الذي فرض على العديد من الفعاليات كالتربية والتعليم والتجمعات والمساجد وزيارة المقدسات ، لذا فمن الواجب تقبل إجراءات الحظر مادامت تستخدم بعدالة وضمن الأصول وعلى الدولة أن تؤدي دورها بهذا الخصوص.