24 ديسمبر، 2024 7:26 م

حضر التدين وغاب الدين!!

حضر التدين وغاب الدين!!

الدين معروف وهو موجود في الكتب السماوية وسير الأنبياء , والتدين المقصود به هنا , الإدعاء بمعرفة الدين , وليس تطبيق تعاليم الدين!!
والسائد في المجتمعات العربية أن التديّن هو الفاعل , أما الدين فحالة مفعول بها , بمعنى أن التديّن كسلوك يقضي على الدين كروح وجوهر وقيمة إنسانية , ذات خصال رحيمة ومكنونات نبيلة عظيمة.

قد يغضب المتدينون وهم كثرُ , فعندما تسألهم عن الدين يتلعثمون وينفعلون ويحسبونك شيطانا رجيما , وأنهم من حملة رايات الرحمان الرحيم , التي يرونها وفقا لمناظير أهوائهم وتصوراتهم , المنبثقة مما فيهم من المطمورات الرغائبية.

المتدينون من أصحاب اللحى والملابس القصيرة والطويلة , والعمائم الملونة والمسابح المتنوعة والمحابس المتعددة , وكل منهم في جبينه طرة , وما أدراك ما هي؟!

وإذا تكلموا إنكشف لك ما فيهم , وتبين معدنهم , وإتضحت مراءاتهم , وتفاعلاتهم مع أباليس الوجود كافة من أجل مصالحهم الترابية , فهم يقولون ما يفعلون , ويطالبون الآخرين المُضَللين بهم أن يفعلوا ما يقولونه لهم , ولا يفعلون ما هم يفعلونه , لأنهم يحسبون أنفسهم حالات خاصة ذات درجات قرابة متميزة لربهم الذي فيهم.

فلو كان المتدينون يعرفون الدين حق المعرفة لما أصابه ما أصابه , وهم في مجتمعاته يتحركون ويتمظهرون بالدين , أفلا يخجلون مما يدور في مجتمعاتهم , ألا يستيقظون , أم أنهم يعمهون بالأباطيل وينسبون كل شيئ لقميص يفصلونه , ويخيطونه على قياسات رغباتهم وإمعانهم بالأفك والبهتان , لكي تمتلئ جيوبهم , وتتحقق نوازعهم وغرائزهم المتقنعة بالدين.

المتدينون يتكاثرون وكذلك الفقراء والمساكين والظلمة والسرّاق والفاسدون , وتنتهب ثروات البلاد والعباد وتمتهن القيم والأعراف , وتُصادر الحقوق وتنتفي الواجبات , ويغيب الأمن ويهرب السلام , ويتأكد الخوف في ربوع المجتمعات , والمتدينون هم القادة والمتسلطون على رقاب الناس , ويقودنهم إلى الويلات بإسم الدين.

وهم وما يمت بصلة إليهم في عزّ ونعيم , ويحسبون كل ما عندهم رزقا من ربهم , وما يصيب الناس غضب من ربهم عليهم , وما هم إلا ينفذون إرادة ربهم النافذة بالآخرين , ولا تنفذ فيهم أبدا , لأنهم من المقربين , والآخرين من المستبعدين , الذين عليهم أن يكابدوا في الدنيا لكي يكسبوا الآخرة , أما هم فيغنمون الإثنين معا وأكثر.

هذه محنة حضارية إجتماعية قاسية تسببت بالويلات والنكبات , فعندما يتحول النفاق إلى دين , وكذلك الفساد والذل والهوان والتبعية , وغيرها من مفردات الإنهيارات الأخلاقية والقيمية والإنسانية , ويكون الدين قشورا ومظاهر وخطب جوفاء , وفتاوى حمقاء ودعاوى نكراء , فهذا يعني أن المجتمع قد دخل في مغارات الهلاك , وتدحرج إلى وديان الضياع والإنقراض الأبيد.

ولا يمكن لمجتمع يقبض على عنقه المتدينون أن يتقدم خطوة للأمام , وإنما سيعيش أسيرا وممتهنا ومكبلا بالخرافات , وبالتفسيرات الطوباوية التي تلقمه علقم الأيام , وتنحره في ميادين رغبات كل متدين متحين لفرصة الإنقضاض على صيدٍ سمين.

ولن تفلح المجتمعات إذا إبتلع التدينُ الدينَ!!

وكيف يجتمع الدين والظلم والفساد , إذا كان المتدينون يعرفون دينهم؟!!