23 ديسمبر، 2024 3:08 ص

طبيعي أن تُشدِّد الحكومة القول بأهميّة وضرورة حصر وجود السلاح في يد الدولة، ومنطقي أن تدعو المرجعيّة الدينية العليا إلى تحقيق هذا الأمر، وبديهي أن يستقبل المواطنون دعوات ومطالبات من هذا النوع بالترحاب والتأييد، بعدما انتهت أو كادت مهمة دحر الإرهاب.
الدولة، بنظام ديمقراطي خصوصاً، تعني الفرص الأوفر لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والعدالة، وهذه من أهم ما ينقصنا وما نفتقده في حياتنا منذ عقود من الزمن، وبخاصة في الأربع عشرة سنة الماضية التي غاب فيها الأمن والاستقرار والتنمية والعدالة على نحو مروِّع.
خروج السلاح من يد الدولة إلى غيرها يعني ضعف الدولة، وضعف الدولة يترتّب عليه بالضرورة إطلاق العنان للتشكيلات الخارجة على القانون من عصابات وجماعات مسلحة غير نظامية لا يطول بها الزمن لكي تتمكن من الدولة والمجتمع، فيسود قانون الغاب بديلاً عن قانون الدولة المُصمَّم لضمان سلامة المجتمع وعيشه الكريم، فالسلاح السائب يعلِّم الخروج على القانون.
أكثر ما عانى منه العراق في تاريخه هو العنف، بمختلف أشكاله، حروباً داخلية وخارجية مُهلِكة ومدمّرة، وإعدامات جماعية، وقتلاً واغتيالاً.. ما مرّ عام في العراق من دون أحداث عنف مروّعة. طاقة المجتمع العراقي استُنزِفت على هذا الصعيد، فالعنف يتسبّب في محن ومآسٍ فظيعة وخسائر مادية جسيمة. والحال إنّ الأمن والاستقرار والتنمية والعدالة لم تعرف طريقها إلينا بعد بسبب مسلسل العنف المتواصل بلا انقطاع.
بعض المؤمنين بالحشد الشعبي والمتحمّسين له متحسّسون من الدعوات لحصر السلاح في يد الدولة بما يؤدي إلى حلّ الحشد الشعبي أو دمجه بالمؤسسة العسكرية والأمنية الحكومية، ويقدّم ما لا عدّ له من الحجج والذرائع لتبرير هذا التحسّس. والواقع أن معظم هذا البعض إنّما يفكّر بأنّ حلّ الحشد أو دمجه، بعد انتهاء مهمته، يهدف إلى إضعاف نفوذ الشيعة في السلطة، وقد يجمح الخيال بالبعض حدّ اعتبار ذلك”مؤامرة”ضدّ الشيعة.
بالحشد الشعبي ومن دونه، الشيعة لهم النفوذ الأعظم في الدولة، بمؤسساتها المختلفة، بما فيها العسكرية والأمنية، بحكم نسبتهم السكانية الغالبة.
لا يوجد أفضل ضماناً لنفوذ الشيعة وغيرهم في الدولة العراقية من التزام النظام الديمقراطي وتوطيد أركانه. في الدول الديمقراطية لا يشعر أيّ مكوّن قومي أو ديني أو مذهبي بالتهميش وعدم التمثيل ونقص الحقوق، لأنّ الآليات الديمقراطية تجعل حتى من الأقليات وأحزاب المعارضة شركاء في إدارة الدولة ورسم السياسات وصوغ القرارات.. الهند مثال، فهي تحفل بالعشرات من القوميات والديانات والمذاهب وبالمئات من الحركات السياسية، بيد أنّ أحداً من هؤلاء لم يسعَ إلى تشكيل ميليشيا أو جماعة مسلّحة، ذلك أنّ النظام الديمقراطي للهند يضمن للجميع الأمن والاستقرار والتنمية والعدالة.
حصرُ السلاح بيد الدولة فيه مصلحة فائقة للشعب العراقي بمختلف قوميّاته وأديانه ومذاهبه، لأنه يجعل من الدولة متمكِّنة ومُهابة. على أنه لا ينبغي فهمه على أنه يعني فصائل الحشد وغيرها من الجماعات المسلحة غير الخاضعة لسلطة الدولة، بل يتعيّن أن يشمل كلّ أشكال السلاح المحمول خارج الدولة، وبينه سلاح العشائر الذي يعلب الآن دوراً كبيراً في استمرار مسيل الدم وتمزيق نسيج المجتمع العراقي، وفي تعويق معافاة الدولة.