بداية لم اكن راغب بالكتابة في هذا الموضوع، لكن الحاح اخوة برلمانيين وسياسيين وأصدقاء في البرلمان ورئاسة الجمهورية واخوة حقوقيين، قررت الكتابة في هذا الموضوع ولن اكرر ما تناولته سابقا، وقبل الولوج في موضوع مقالي هذا، لاحظت تهافت محموم من عدة محامين للدفاع عن وزير الدفاع بطريقة لم تكن بصبغة وطنية وكان غالبهم غرضه سياسي ويمتد إلى نطاق المصالح الشخصية؛ ولا يختلف عن ما يفكر به السياسيين الذين يحكمون البلد، واصبت بالدوار عندما وضع بعضهم عنوان مكافحة الفساد هي احد اسباب دفاعه، ولا اعرف اين كانوا وملفات الفساد لوثت حتى أجواء العراق وترابه، وأين كانوا عندما اعلن السيد مشعان الجبوري بانه مرتشي، وان الجميع فاسدين، ولاحظت أيضا هناك من أنبرى على تصريح محافظ الموصل حول جهاد النكاح وولاداته، بالرغم من انه تصريح سيء لكني اسال الذين يتصيدون بالماء العكر: اين كنتم من تصريحات كاظم الصيادي الذي اتهم نساء الموصل بالسوء؟ وأين كنتم عندما كان الغراوي وزبانيته يعملون ما يعملون في الموصل من ممارسات لا نريد ان نذكرها واخرها ظهور امرأة قروية بسيطة جالسة في السيارة والغراوي ومن معه يظهرون بطولاتهم عليها وهي في منظر مؤلم؟؟؟
الا يستوجب من هؤلاء ان ينبروا ويقيمون الدعاوى ويعقدون المؤتمرات لأجل ذلك، لكنها المصالح والمكاسب الذي جعلت انزيم الكرامة يعاني من الجفاف، وقيم الشرف تعيش غيبوبة تامة، المهم الوطنيين ينصحون هؤلاء بان يتركوا السياسة ولا يلوثوا أنفسهم أكثر من ذلك؛ الا إذا كانوا يريدون الفوز بنسبة من الكعكة وهم فاسدين، وسأتناول قضية اتهامات وزير الدفاع وتداعياتها على عدة أجزاء لسهولة قراءتها وابدأها بعنوان مقالي هذا وأقول:::
أصبح مخالفة القانون هي الأصل واحترام القانون هو الاستثناء، وبهذا يختلط العام بالخاص والمصلحة العامة بالمصلحة الشخصية ومن ثم تنهار كل الضوابط التي تحمي المجتمع من الفساد.//
وبعد اتهام وزير الدفاع السيد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري بالفساد، قرر الأخير التخلي عن رئاسة المجلس لنائبه، ووعد بأنه لن يعتلي منصة الرئاسة ثانية حتى يحصل على البراءة الكاملة، مطالباً المجلس برفع الحصانة عنه كي يمكِّن القضاء من التحقيق معه، وقد وافق المجلس على طلبه.//
ان قانون انضباط موظفي الدولة رقم (14) لسنة 1991 النافذ وبالمادة(17) اكد على سحب يد الموظف المتهم، والمادة (2) من نفس القانون لم تستثنى مجلس النواب منه، وقانون مجلس النواب العراقي رقم 50 لسنة 2007، لم ينص في فقراته سحب يد النائب او أعضاء رئاسة مجلس النواب، والنظام الداخلي لمجلس النواب أيضا لم يرد فيه نص يفصل سحب اليد بخاصة في الفصل الثامن عشر(الإجراءات الانضباطية في المواد139-142)، وبما انه لم يرد بذلك نص فان الاحتكام للقواعد العامة الواردة في قانون انضباط موظفي الدولة هي الواجبة التطبيق، وبالتالي السيد رئيس مجلس النواب متهم، ولم يصدر بحقه قرار البراءة؛ وانما الافراج والقرارين مختلفين، وقرار الافراج صدر وفق المادة 130/ب من قانون اصول المحاكمات الجزائية النافذ، والفقرة (ب) تتحدث بغلق التحقيق مؤقتاً لعدم توفر الادلة الكافية، والسيد رئيس مجلس النواب الجبوري لا يزال متهماً حتى انقضاء تلك المدة، وليس بريئاً، ويجب أن ينتظر سنتين من دون ظهور ادلة جديدة لكي يتحول القرار الصادر بحقه بمنزلة البراءة، ويتم غلق الدعوى نهائياً، وبعدها حسب تعهده بانه لا يعتلي منصة البرلمان الا ومعه قرار براءته، وكان الاجدر والاوجب قانونا ان ينتظر حتى اكتساب القرار الدرجة القطعية بعدها يحق له العودة كنائب وكما سنفصله لاحقا.//
حصانة رئيس مجلس النواب:::
ان الحصانة البرلمانية مهمة تكليفية وليست تشريفية ومن النظام العام لا يجوز النزول عنها مطلقا كونها تتعلق بطبيعة وظيفة النائب وليس بشخصه على الرغم من كونها اجراء استثنائياً اقتضته الضرورة، ولا ترفع الا بموافقة من مجلس النواب وبناء على طلب من مجلس القضاء الأعلى او بناء على طلب النائب.///وهناك من يعتبر الحصانة هي الكارت الذهبي الذي يمكن بواسطته تحقيق ما لا يمكن تحقيقه من مكتسبات سياسية ومادية خارج نطاق القبة البرلمانية.///
ولو لاحظنا جلسة مجلس النواب التي تم التصويت فيها على عدم قناعة مجلس النواب بأجوبة وزير الدفاع، لوجدنا بان هناك لغط كبير دار حول الخصومة الشخصية الموجودة بين رئيس مجلس النواب ووزير الدفاع، وبالتالي لا يحق لرئيس مجلس النواب تراس الجلسة وادارتها على الأقل في هذا الموضوع، وقد اكد السيد خلف عبدالصمد رئيس كتلة دولة القانون البرلمانية ذلك في تصريح صحفي، بان رئيس مجلس النواب متهم ولا يحق له اعتلاء منصة رئاسة البرلمان، وهناك رأي لا نجده معتبرا، بأن رئيس البرلمان سليم الجبوري اكتسب الحصانة اوتوماتيكيا(كعمل مولدة الكهرباء)مجددا بعد تبرأته من القضاء ولا حاجة للتصويت النيابي، باعتباره يشغل مقعدا برلمانيا، وبالتالي سيمارس مهام عمله رئيسا للبرلمان بشكل طبيعي، وان رفع الحصانة الذي صوت عليه البرلمان يتعلق بالتهمة الموجهة للجبوري فقط عن وقائع جلسة استجواب وزير الدفاع لا غيرها، وان الحصانة حق مكتسب يعود للنائب بعد البراءة من التهم المنسوبة اليه، وبالتالي بإمكانه ترأس الجلسات المقبلة، وهذا الاجتهاد خاطئ لان الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب لا ينص على ذلك نهائيا، والقضاء لم يبرأ السيد سليم الجبوري؛ فرفع الحصانة النيابية عن أحد أعضاء مجلس النواب تعني ذهاب عضويته داخل المجلس وفقدان صفته الرسمية بعد التصويت عليه بغالبية النواب، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري فقد صفته الرسمية كـرئيسٍ للبرلمان بعد رفع الحصانة عنه، والحصانة البرلمانية ليست ترفيهية وإنما أمر دستوري وعرف سياسي منذ نشأ البرلمان في العالم، ومجلس النواب مُلزمٌ بفتح باب الترشيح أمام أعضائه لمنصب رئيس مجلس النواب بعد رفع الحصانة عن السيد سليم الجبوري، وهناك عدة خطوات قانونية يتطلب العمل بها قبل إعادة السيد سليم الجبوري لمنصب رئيس البرلمان من بينها إعادة التصويت عليه كـعضوٍ داخل المجلس، وبعد إتمام عملية التصويت على إعادة عضويته يفتح باب الترشيح لمنصب رئيس البرلمان ويسمح للسيد سليم الجبوري الترشح للمنصب المذكور والعودة الية بعد التصويت على شخصه من قبل أعضاء المجلس، ولا ادري كيف يتم رفع الحصانة بتصويت من مجلس النواب ويتم اعادتها بدون تصويت، رغم انه لم يرد في الدستور والقوانين ذات العلاقة نص قانوني مستقل لآلية اعادة الحصانة للنائب المرفوع عنه الحصانة، ولو اردنا التسليم بالقواعد الفقهية حول زوال السبب، فإننا لا نستطيع ان نسلم او نستسيغ بأن يعود كرئيس للمجلس، وقرار الافراج عنه لم يكتسب الدرجة القطعية أصلا، وهيئة النزاهة قد طعنت تمييزا بالقرار، فكان من المفترض على الأقل؛ ان يتم إعادة السيد رئيس مجلس النواب كنائب، ولحين معرفة نتيجة الطعن واكتساب القرار الدرجة القطعية، بالرغم ان رئيس السلطة التشريعية، تلك المؤسسة السيادية المهمة؛ يستوجب ان يعتلي منصتها رئيس بريء من أي تهمة لرمزيتها وقدسيتها، ولا يجوز ان يدير جلساتها رئيس غير بريء، وقد صرح السيد عزت الشابندر لقناة الشرقية ما يؤكد ذلك، عندما قال( لا يليق بمجلس النواب ان يديره رجل متهم وليس للمرة الأولى.. ولم يأخذ صك البراءة وهو مخجل ومؤسف وأعضاء مجلس النواب عليهم ان يخجلوا من ان يكون رئيسهم متهم بالإرهاب والفساد وهم يحضرون ويصوتون..) بالرغم من تحفظنا على ما يتعلق على جزء منه، لكن مسالة الاتهامات والحصانة البرلمانية؛ تستوجب ان تخضع لضوابط قانونية وبرلمانية صارمة لا يمكن تجاوزها، لان الايام القادمة قد تعرض رئيس مجلس النواب لاتهامات أخرى، وقد تقوم محكمة الجنايات بصفتها التمييزية بنقض القرار، وبالتالي سيكون الرئيس تحت مسطرة القانون الجنائي مرة أخرى، وتلك ممارسة لا تليق بالمؤسسة التشريعية، وبذلك تمتع رئيس مجلس النواب بحصانة أوتوماتيكية تعمل بقوة التوافقات السياسية ونابض المصالح، وتحولت الحصانة إلى امتياز للهروب من العقاب.///
أن الإفراج عن السيد سليم الجبوري وغلق الدعوة عنه لا يعني انه بريء من التهم الموجهة إليه فالبراءة تعني لا توجد ادلة من الأساس، وقرار الإفراج صدر بعد الافتقار للأدلة غير كافية لإدانته.///ونؤكد اخيرا: لا ينفع الإفتاء قانونيا ودستوريا من هنا وهناك، ما لم يرتكز التصريح على رأي أو وجهة نظر قانونية ناضجة من مختص أو على الأقل وجهة نظر معتبرة لا تتقاطع مع نص دستوري أو تشريع قانوني.