18 ديسمبر، 2024 8:18 م

حصار السدود الإيراني لمياه العراق

حصار السدود الإيراني لمياه العراق

يواجه العراق تناقصا سريعا و مضطردا بموارده المائية بحكم اعتماده على المياه التي تتدفق من نهري دجلة والفرات فضلا عن عدد من الروافد الآتية من تركيا وايران, خلال العقدين الأخيرين تضاءلت تدفقات هذه الأنهار نتيجة بناء السدود التي ساهمت في تخفيض كمية مياه الأنهار, وتشير التقارير الدولية أن العراق خسر ما يوازي نصف معدل المياه التي كان يتمتع بها خلال النصف الأول من القرن المنصرم,ووفقا للجنة الزراعة والمياه النيابية العراقية تؤكد ان العراق خسر في السنوات العشر الاخيرة نحو 80% من المياه المتدفقة اليه من ايران, بعد قطعها نحو 35 رافدا رئيسيا والمتبقي 7 روافد إيرانية فقط, وان طهران بصدد بناء نواظم وسدود جديدة عليها, على الرغم من أن لدى العراق وإيران اتفاقا ابرم عام 1975 يتضمن بروتوكولا خاصا بالمياه.

لم يعد خافيا على أحد أن مشاريع إيران الكهرومائية والزراعية على نهر سيروان و الكارون والكرخه والوند والزاب الصغير, لم تحرم العراق من حقوقه المائيه فحسب, بل سبب مشكلات بيئية وصحية سوف يعاني منها العراقيون على مدى طويل, وهي مشكلات تتمثل بنوعية المياه الداخلة الى العراق و بحبسها وتغير مجاريها قبل الدخول الى الاراضي العراقية,ففي منطقة حوض نهري سيروان والزاب الأسفل اللذان يشكلان روافد نهر دجلة بعد دخولهما العراق من محافظة السليمانية, حيث تم تشييد 9 سدود بعد عام 2011 وبإمكان هذه السدود حجز ملياري متر مكعب من المياه ,ما يعرض أكثر من ثلاثة ملايين إنسان الى خطر فقدان مصادر معيشتهم وغذائهم, وقامت إيران في السنوات الأخيرة بقطع مياه النهرين بالكامل في فصل الصيف, مما أثر بشكل كبير على المخزون المائي لسد دربندخان ودوكان في محافظة السليمانية وكذلك على المواطنين والزراعة في حوض النهرين,وتشير التقارير الدولية الى ان ايران اضافة الى السدود وقطع المياه عن العراق, تعمل على مشروع بناء نفق مائي لسحب المياه من حوض سيروان ذاته إلى سد هيرويه واحدا من السدود الخمسة التي بنيت على نهر الكرخة بعد عام 2011 , أيضا تعمل الحكومة الايرانية على حبس نهر الزاب الصغير الذي يعد واحدا من الروافد التي تغذي نهر دجلة وتحويلها الى شرق غربي البلاد لتغذية بحيرة رومية.

كما عملت طهران على تغيير مسار أهم رافدين هما( الوند وكارون) ما ادى الى اضرار كبيرة للأراضي الزراعية في البصرة وواسط وديالى, ويؤكد مجلس محافظة واسط ان الايرانيين يماطلون في المفاوضات ويتحججون بالجفاف وقلة الامطار, اما التنسيق فهو مجرد وعود لا تنطبق على الواقع, حيث لا زالت البصرة تعاني من مشكلة الملوحة لوقوعها في اقصى الجنوب ورداءة المياه الواصلة اليها والتلوث الذي تحمله المياه الداخلة الى المحافظة نتيجة الري والاستخدام المنزلي والصناعي, وقد أدلى مسؤول عراقي بمعلومات بان ايران تقوم بغلق نهر كارون في العادة من الشهر الخامس من كل عام وهو الوقت المناسب كي يخزن العراق ما يحتاجه من الماء, ولكن عكس كل التوقعات قامت السلطات الايرانية بغلق النهر في الشهر الاول من عام 2018 ما اثر سلبا في العراق وانتج ازمة مائية وانتشار الأمراض والتسمم في محافظة البصرة خصوصا فاقت كل التوقعات.

مياه نهر الكارون عذبة وتتميز بنسبة منخفضة من الأملاح مما يؤثر في نسبة الأملاح في شط العرب, اذ تخلصه من ملوحة البحر الصاعدة من الخليج, كما شيدت ايران 8 سدود جديدة على نهر الكارون بعد عام 2003, وتعارض طهران بشدة إقامة مشروع( ناظم شط العرب) المصمم للحفاظ على مناسيب مياه عذبة مرتفعة في الشط لتقليل الملوحة, إلا أن طهران تعارض هذا الناظم بحجة المعاهدات والاتفاقيات ذات العلاقة باستخدام المياه مع الدول المتشاطئة.

على الرغم من التجاوزات المائية الايرانية وتسببها بحصار مائي خانق على الأراضي الاساسية والمواسم الزراعية, لم تعترض الحكومة العراقية على السلوك الايراني, وفق للاتفاقيات الدولية التي تنظم التدفق المائي بين البلدين.

مما يتأكد بأن إيران لا تقيم وزنا للمصالح العراقية رغم العلاقات الوثيقة بين بغداد وطهران, وظلت الاجتماعات غير مثمرة التي عقدتها بغداد مع طهران حيث تقتصر فقط على التبادل التجاري والتنسيق السياسي دون التطرق الى المشكلة المائية, التي يمكن للعراق استخدام الورقة الاقتصادية والتجارية للضغط على الجانب الإيراني للحصول على حصصه المائية.

مما يظهر أن مشاريع السدود الايرانية تدخل ضمن سياسة منع خروج الأنهار الدولية من إيران وحبسها او تغير مجاريها نحو مناطق أخرى, وهذا ما صرح به مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مؤتمر دولي عقد حول المياه في شباط 2018 في العاصمة طهران حيث أكد من تتردد بان (بلاده تمنع الأنهار من الخروج وتحبس مياهها في الاراضي الايرانية)

من شبه المؤكد بان ان ايران لن تتراجع عن سياستها المائية تجاه العراق, نتيجة لادراكها عدم وجود عواقب سياسية او اقتصادية, بالعكس شكلت ازمة المياه لبلاد الرافدين مدخلا لزيادة النفوذ والتأثير الإيراني على سياسة البلد, خاصة وأن المياه او( الذهب الأزرق) كما يطلق عليه سيكون قضية العقود المقبلة, ومن يتحكم بصنبور المياه سيكون له القدرة على التحكم بالتوجهات السياسية للدول المنكوبة بالفقر المائي.