التكنولوجيا تمزقنا , تغتالنا , تجردنا من قدرات الحياة , وتلقي بنا في غياهب الخسران الأبيد.
فمجتمعاتنا أمية تكنولوجيا , ومدثرة بالأضاليل والخرافات الهذيانية التي تطمرها في حفر الغابرات , وتوهمها بأن ما مضى ما إنقضى , وما مات ما فات , ويتم دفعها للتخبط في مقابر الأجداث , فهي تنوح على ما حولته القرون إلى رميم.
واليوم التكنولوجيا تحصد رؤوسنا وتحيلنا إلى أرقام , يتحقق محوها بيسر وإمعان.
الصواريخ الذكية تطاردنا , والمسيَّرات العارفة بنا تستهدفنا , والأجهزة الإليكترونية عدونا , ونحن المكبلون بالموت والإنمحاق بضغطة زر لا غير.
مشاهد مرعبة , وطائرات معربدة , تلقي علينا حمم إنفجارية تزن أطنانا , فتحيل وجودنا إلى خراب , وحياتنا إلى عذاب , حتى صار الموت مألوفا , وسفك الدماء معروفا.
ونحن منشغلون بخطف بعضنا وبالتغييب والتنكيل والإستلاب , ودفن أخوتنا أحياء والمتاجرة بأعضائهم والعدوان الشرس عليهم , فهذا نصرنا وفخرنا وبطولتنا , والطامعون بنا يقهقهون ويتصيدون جميعنا.
يصنعون ونتصارع , يزرعون ونقاتل الزرع والضرع , يتقدمون ونتأخر , يحررون العقول ونرهنها بالماضيات , نؤمن بالخرافة وننكر الحصافة , نأكل لحم بعضنا ونحسبه شطارة , يبنون ونهدم , يعمّرون ونخرب , يفكرون وعقولنا معطلة , نحارب الأذكياء ونعز الأغبياء , قادتنا سذجة وقادتهم وأمرهم شورى بينهم , فلماذا نتعجب من قطفهم لرؤوسنا , وسطوتهم على بلداننا , وتدميرهم لوجودنا , إنهم الأقوياء الغالبون , ونحن الضعفاء المنهزمون.
أعددنا لهم ما إستطعنا من وسائل الضعف والهوان , وإستلطفنا دور الضحية , وترنمنا بالمظلومية , والتشكي والنواح على ذاتنا وموضوعنا , وهم يتسابقون ونحن نتقهقر , فالوراء إمامنا والجهل قائدنا , وإقرأ عدونا.
اليوم يقطفون رؤوسنا وغدا سيقتلعوننا , وسيبيعوننا في مزادات الإفتراس المعاصرة , ذات الأقنعة الملونة المتنوعة الجذابة , فهل عندنا القدرة على تقرير مصيرنا؟
علينا أن نطعم أنفسنا أولا , ونصنع حاجاتنا , ونمتلك سلاحنا , ونحرر عقولنا من الضلال والبهتان , ونفهم ديننا , لا أن نتبع الذين يضعون كل شيئ وراء ظهورهم , ونستيقظ من غفلتنا النكراء!!
و”إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها…”!!