المتابع لحركة المعارضة الشيعية،التي تعد من اعرق خطوط المعارضة بتأريخ الإنسانية،بسبب عمرها الذي يزيد على اثني عشر قرناً!،يلاحظ صلادة تلك المعارضة وحيويتها،برغم حجم الضغوط الذي طالها (قتل ـ تهجير ـ حرب اقتصادية ـ إقصاء ـ تهميش….الخ)،من السلطات الحاكمة بدءً من الخلافة الراشدة ثم دولة الأمويون والعباسيون حتى الدولة العثمانية الى عصر الجمهوريات والملوك والمشايخ الحديثة التي أوجدها الانكليز بعد أفول الإمبراطورية العثمانية.
الملاحظ لمسيرة التشيع هو (معجزة البقاء)،ولا تفسير لبقاء تلك الطائفة سوى سببين الأول هو قوى الغيب ولطف السماء!،والآخر هو “نظرية الفرد” التي اشتغل عليها أئمة التشيع ابتداءً من علي ابن أبي طالب حتى الإمام الغائب محمد بن الحسن .
فقد حمل فكر الإمام علي أبناءه إضافة لأصحابه الأربعة (عمار ـ المقداد ـ أبا ذر ـ سلمان).
مثل هؤلاء الصحابة بذرة وجود التشيع،فيما أسس الإمام الثاني عشر الغائب أسباب التمدد والبقاء عبر سفرائه الأربعة.
تلك الرباعية المسببة للوجود والتمدد والبقاء،منذ زمن علي حتى غيبة آخر الأئمة الاثنا عشر،أصلت لفكرة المرجعية الدينية،التي من ابرز واجباتها الحفاظ على الدين والمذهب،وتشترط الزهد والأعلمية لقيادة الأمة.
تعد المرجعية الدينية في الفكر الشيعي الأمامي من الضرورات كونها تمارس تشخيص مصلحة الأمة في الظروف الحالكة وضبط ومراقبة حركتها.وبذلك فهي كابح اجتماعي وصمام أمان.
فكرة المرجعية الضابطة والحاكمة التي أعتمدها الشيعة منذ عدة قرون بحسب توجيه أئمتهم، هي سبق فكري يحسب لرواد التشيع، على حساب منظري “العقد الاجتماعي” “جون لوك” و “جون جاك روسو”،الذين قالوا:( أن العقد الاجتماعي هو تفويض المجتمع لفرد بقيادة الأمة )،حتى طرح زميلهم ” هوبز” سؤاله الخطير : ( أذا اختلف الفرد مع الأمة فلمن يرجعون؟!)،ليشهق بعدها بشهقته التي عدلت نظرية العقد الاجتماعي بضرورة وجود إمام للائمة يمتلك صلاحيات مطلقة فقال : (يجب أن تكون هناك سلطة ثالثة لا تقلل ولا تعاقب ولا تحاسب)!،وتلك الصلاحيات لا يمتلكها سوى الإمام والفقيه الجامع للشرائط بحسب معتقدات الشيعة الاثنا عشرية.
في مثل تلك الأيام سنة (2014 )،تعرض العراق إلى غزو بربري همجي بقيادة لقيط مشوه صنع برحم “الماسونية” العالمية أضفت عليه صبغة أسلامية لقبه “داعش”،ليحتل ثلث مساحة العراق،بمباركة دولية وإقليمية وبعض الدول العربية.
صمت ذهول وترقب وفقدان البوصلة فيما تداعت أسوار المدن الواحدة تلو الأخرى أمام زحف داعش حتى وصلوا مشارف بغداد وسورها.
هناك في أزقة النجف كان يمكث وريث المعارضة الصامتة على مدى القرون السالفة،صاحب السلطة الروحية المطلقة على أتباعه.
نهض وارتدى عباءته وأطلق فتوى “الدفاع الكفائي”،لترتج ارض العراق،ويحار أعداءه وبنادقهم المأجورة بأمرهم!.
كلمتان لا غير نطق بها مرجع الأمة حطمت اكبر مشروع تدميري لمنطقة الشرق الأوسط وليس العراق فحسب خططت له دوائر مخابرات دولية وجندت له إمكانات مادية ومعنوية هائلة،كاد يشهد اكبر موجة نزوح في القرن الواحد والعشرين.