أحداث دراماتيكية عصفت بالعراق قبل خمسة أعوام، وأخبار متوالية ومواقف ضبابية، والخوف يدب في الشارع، وهو يرى الغيمة السوداء تتجه للعاصمة والمدن الآخرى، ويسمع سقوط مدينة تلو آخرى.
لا أحد يعرف كيف تسير الأحداث بالضبط، وسط ضجيج الإعلام والإشاعات، والإنكسار الأمني والمجتمعي.
إجتمعت أسباب كثيرة لتحدث نكبة سوداء في تاريخ العراق الحديث والعالم والإنسانية، بعد سيطرة عصابات إجرامية على مساحات واسعة من أرض العراق، ونقلت أحداثها الى العالم بالبث المباشر عمليات الذبح والترويع والسبي، وتدمير ما يمكن تدميره في العراق.
لم تكن لتلك العصابات الإجرامية القوة، التي تمكنها من الإستيلاء على هذه المساحات الشاسعة من الأرض، لولا وجود فساد ينخر المؤسسة الحكومية والعسكرية منها، وإستسلام الأهالي للأقدار، في ظل فوضى وبأسباب طائفية وسوء إدارة محلية وإتحادية.
كان الخطر يداهم بغداد ومدن مقدسة، والكارثة تلوح بالأفق، وإذا بالفتوى العظيمة تنطلق.. فيهب مئات آلاف يتسابقون، ليصل العد الى ثلاثة ملايين راغب بالذهاب الى ساحة المعركة متطوعاً، شباب وشيوخ ونساء ومنهم في مقتبل العمر، تركوا الدنيا والعمل والعوائل والمصالح.
بل ان عوائل بأكملها هبت.. الأب مع أولاده خمستهم، والجد وأبناء ابنائه، وقصص قاربت الخيال، فمنهم من باع أغراضه ليدافع عن الشرف العراقي، وآخر طلب قرضاً بسيط لأجرة نقل الى ساحة المعركة، وكل هؤلاء تركوا عوائلهم وأطفالهم ونسائهم.
لم تتوقف المعركة عند الرجال، وكانت للنساء دور كبير، ومنهن من سمحت لزوجها للذهاب وهو في ايام الزفاف، وأم ودّعت أبنائها وزوجها، وأخريات أعددن الطعام والفراش والعزيمة للمقاتلين حشدا، دفاعاً عن شرف ينتهك وردا لجرائم بشعة من أسوأ ما عرف التاريخ، وفي الجانب الآخر بيوت فتحت لإستقبال النازحين، وعوائل سكنت مع عوائل، وآخرين تبرعوا بقوتهم وملبسهم، وفتحت الحسينيات والجوامع ودور العبادة والمراقد المقدسة لإستقبال المشردين من الإرهاب.
قصص في قمة السمو الإنساني والأخلاقي، وفي ذكراها الخامسة، من يوم إنطلاق فتوى الجهاد الخالدة، سيكون التاريخ قاصراً في وصف كل تفاصيل التضحية، وعن مشاهد حبست الأنفاس الى ساعة اطلاق بشائر النصر النهائي.
قوافل تتلو قوافل، ومقاتلون يود بعضهم عن بعض، والجريح يرفض الإخلاء لحين النصر في المعركة، ومقاتل يضحي بنفسه لإنقاذ أمرأة أو طفل.
أنتهت المعركة والحرب مستمرة، ولدينا معارك آخرى هي الجهاد الأكبر في إنصاف من قدموا صدورهم للرصاص بلا دروع، ورعاية عوائل الشهداء والجرحى، وحاجة ماسة لأن تكون المعارك دروس تربوية تتعلم منها الإنسانية، معنى الوطن والكرامة والإباء، معنى من لا يملك من العراق سوى خارطة العراق التي يضعها قلادة على صدرة، ولأجلها يبذل أغلى ما لاعنده من أجل الحفاظ على خارطة العراق، انه حشد الإنسانية والقيم والأخلاق والوطنية.