جاهل.. غير مؤهل علمياً ولا ثقافياً.. لم يستطع إكمال الصف الرابع الابتدائي.. وبعد بزوغ نجمه أصابه الغرور.. وأصبح العنف والعدوان والقتل سمات شخصيته.. فأصبح مشهوراً بالبطش والظلم.
يصفه برزان التكريتي ب “الجاهل الغبي”.. أما طارق عزيز فيصفه: ب “الجاهل والطموح”.. فيما يقول عنه عدنان خير الله: “أنه طفل.. نحن لسنا بحاجة إلى أطفال في القوات المسلحة.. يتحكمون في مصائر قادة معروفين في الوسط العسكري”.
أما حرير حسين كامل – ابنة رغد صدام حسين.. فتقول: “إن والدها كان عصبياً جداً.. وهذه العصبية كانت من أسوأ صفاته”.
السيرة والتكوين:
ولد حسين كامل حسن المجيد العام 1954.. في بلدة تل الذهب بتكريت.. من عائلة فقيرة.. تعمل بالزراعة.. والده ابن عم صدام حسين.. ويقع ترتيبه الأول من بين إخوته الخمسة: (صدام.. وحكيم.. وجمال.. وخالصة.. وإلهام).
عمله في بغداد:
العام 1974 ذهب إلى مبنى جهاز المخابرات في بغداد.. وطلب مقابلة نائب رئيس المخابرات آنذاك برزان التكريتي لغرض التعين في جهاز المخابرات.. رفض برزان مقابلته.. لأنه كان يرتدى دشداشة.. وطلب برزان من موظف الاستعلامات أن يملى له استمارة لغرض تعينه سائقاً في جهاز المخابرات.. وبعد توسط بعض الأقرباء.. وافق برزان على تعينه موظفاً بسيطاً في جهاز المخابرات.
ـ العام 1976.. عُين حسين في الحماية الخاصة في مكتب صدام.. عندما كان صدام نائباً للرئيس.
ـ العام 1979 أدخلهُ صدام دورة ضباط احتياط.. تخرج منها برتبة ملازم ثان.. ليصبح مرافقاً شخصياً لصدام.
ـ العام 1980.. أنشأ حسين كامل جهاز الأمن الخاص.. المعنيّ بأمن وحماية صدام.. بعد صعود الأخير إلى قمة رئاسة الدولة والحزب.. وتولى وحدة الحراسة الشخصية لصدام.. وبدأ بالتقرب من صدام.
ـ تم تعيين شقيقه صدام كامل مرافقاً لصدام حسين.. كما تم تعيين شقيقه الثاني حكيم ضمن أفراد الحماية الخاصة لصدام حسين.. أما شقيقه الثالث جمال فقد تفرغ للعمل التجاري لمتابعة مشاريع حسين كامل التجارية.
زواجه:
في أيلول العام 1983 زوجً صدام ابنته رغد لحسين كامل.. هذا الزواج الذي أحدث شرخاً في عائلة صدام.. وأقرباؤه من الذين اعترضوا على هذا الزواج.. من جانب آخر فتح هذا الزواج الباب على مصراعيه لحسين كامل.. وله من رغد خمس أبناء هم: (علي.. وحرير.. ووهج.. وصدام.. وبنان).
ـ كان حسين يحقد على برزان التكريتي وعدنان خير الله ليتسع حقده ويشمل كل من عارض زواجه من رغد.. وينتظر الفرصة للتخلص منهم!!
مناصبه:
ـ مدير جهاز الأمن الخاص.. المشرف العام على قوات الحرس الجمهوري.
ـ المشرف العام على التصنيع العسكري.
ـ وزيرا الصناعة والتصنيع العسكري.. ثم وزيرا للدفاع.
ـ كان صدام يمنحه كل سنه رتبة عسكرية أعلى.. حتى وصل رتبة (فريق أول ركن).. برغم انه:
ـ لم يدخل الكلية العسكرية.. وليس لديه خدمة عسكرية تؤهله للدخول إلى كلية الأركان العسكرية.. التي لم يراها طيلة حياته.. ولم يدخل حتى جامعة البكر للعلوم العسكرية.
ـ أصبح حسين كامل الشخص الوحيد في إصدار القرارات بعد صدام.. وكان يطلق عليه في القصر الجمهوري (الرئيس الصغير).. يأمر وينهي ويهين ويضرب أي وزير.. أو مسؤول دون تردد.
ـ سيطرً على التجارة.. وخلال الحصار الاقتصادي الدولي على العراق 1991 سيطر على قوت الشعب العراقي.. وكان تاجراً بشعاً جشعاً.. همه الوحيد زيادة حسابه الخاص.. حيث بدأ يتنافس تجارياً مع تجار صدام.. أمثال: على حسن المجيد.. وشقيقيه حمد وعبد.. وكان المنافس الحقيقي لعدي صدام حسين وأولاد ادهام ووطبان الحسن أشقاء صدام حسين.
قتل قادة عسكريين:
اتهم عدد من الباحثين والأكاديميين “حسين كامل” أنه أمر بقتل عدد من قادة الحرب مثل: بارق الحاج حنطه.. وكامل ساجت ألجنابي.. وعصمت صابر عمر.. في اجتماع له معهم تم قتلهم بعد مشادة كلامية حامية بينه وبين بارق وجماعته.. مما جعل صدام حسين.. يحقد على حسين كامل.. ويضمرها له.. وتم اعتبار المقتولين من الضباط من الشهداء الدرجة الأولى.. وإنهم استشهدوا مهمة عسكرية خاصة.
حسين كامل.. والانتفاضة الشعبانية:
بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت قام أحد الجنود العراقيين في فجر الثاني من آذار العام 1991 بإطلاق النار على تمثال صدام حسين المنصوب في ساحة سعد في مدينة البصرة.. وانهال عليه بالشتائم والسباب.. لتنطلق شرارة الانتفاضة الشعبية.. وبحلول الصباح كانت الاحتجاجات تعمُ البصرة.. وخلال يومين فقط عمت الانتفاضة معظم مناطق العراق.
واجه النظام الانتفاضة باستخدام أساليب القمع كافة واستخدام طائرات الهليكوبتر.. ووصل الأمر بالسلطة لاستعمال الأسلحة الكيماوية ضد المواطنين.
كربلاء.. أولاً:
كان حسين كامل وبإمرته فرقة مدرعة.. ووحدات متفرقة من الحرس الجمهوري.. والحرس الخاص.. وعناصر من الأمن الخاص.. وبقايا المخابرات والأمن العام.. وعدد من الحزبيين.. وهو الذي قاد الهجوم على كربلاء.. وكان له كلمة شائعة على ألسن الناس وهو يقف أمام ضريح الأمام الحسين (ع) قائلاً: (أنت حسين.. وأنا حسين كامل).
أضرب حتى القبب الحسينية:
كشفت وثيقة لـ”ويكيلكس”: بأن صدام اجتمع مع ولديه عدي وقصي وصهره حسين كامل في قصر “السجود” لوضع خطة لضرب الثوار الشيعة العام 1991.
وبينت الوثيقة إن عدي طلب من حسين كامل أن تضرب جميع المناطق في كربلاء دون الرجوع الى صدام.. وبعد أن استفسر حسين كامل من صدام قال: “اضرب حتى القبب وفلش رؤوسهم”.
وتشير الوثيقة بان حسين كامل طلب من اللواء قيس ضرب قبتي الإمامين الحسين والعباس.. “عليهما السلام”.. وان صدام ابلغه بسحق الجميع حتى الذي يقع في قبضة القوات يجب إعدامه بنفس المكان الذي يتم القبض عليه.
وبحسب الوثيقة فأن حسين كامل.. قد ضرب قبة الإمام الحسين “ع” بدبابة تعود الى الحرس الجمهوري الخاص.. الذي كان يملك دبابات ذات مواصفات وتكنولوجيا عالية.. وان كامل اطمأن من ضرب القبة بعد أن طلب طائرة سمتية.. وشاهد ثقوب القذائف تطالها.. وان حسين كامل ابلغ صدام بذلك فقال له: سوف يتم تكريمك من قبل القيادة.!
ـ وهكذا قام حسين كامل بقصف وهدم القبة الحسينية المباركة.. وسور الصحن الشريف في خطوة لم يتجرأ عليها أي من أسافل ورعاع التأريخ.
ـ كانت أوامره مشدّدة إلى قواته بتدمير البيوت وقتل السكان.. ورداً على المقاومة العنيفة للثوار.. ألقى حسين كامل القبض على المئات من شباب كربلاء.. فأعدم بنفسه الكثيرين ورمى الأحياء في مقابر جماعية في منطقة الرزازة.. وأخرين في منطقة الحر.
ـ عندما توغلت قواته داخل المدينة.. أخذت تترك ورائها آثار دموية مروعة.. جثث وحرائق وخراب.. واقتحامات للبيوت.. ونهب محتوياتها.. ودبابات تفجر القذائف بداخل وسط الأحياء السكنية.
مما اضطر بعض الثوار إلى الاعتصام داخل مرقد الإمام الحسين.. فأمر حسين كامل بتوجيه مدافع الدبابات والقاذفات R.B.G7 إلى الصحن الشريف.. وقد هدمت الدور الواقعة حول الصحنين الشريفين.. صحن مرقد الإمام الحسين وصحن مرقد أخيه العباس على من فيها.. وبقيت الجثث أشهراً تحت الأنقاض.
النجف.. فلن يبقى مكان ……….. :
ما أن أنهى الأجزاء الهامة من خطته وتأكد له أن بقايا الثوار قد لجأت إلى البساتين المحيطة بكربلاء.. أمر بمطاردتهم بالدبابات والسمتيات.. وتوجه هو إلى مدينة النجف.. حسب الخطة الموضوعة التي اتفق عليها ليكون مع طه الجزراوي للانقضاض على مدينة النجف.. حيث دخلها من جهة شمال الشرق يوم الخميس (14/3).. واسترجع المراكز الرئيسية على شارع الكوفة.. ووصل إلى جامعة النجف الدينية.. حيث كان الصدر وعائلته مع السيد محمد كلانتر وعائلته وبعض طلبة الجامعة يختفون في السرداب تحاشياً للقصف.
تم اعتقالهم جميعاً وسيقوا إلى منطقة الرضوانية في الضواحي الشمالية الغربية لبغداد.. حيث خصصت لاحتواء (المعارضة).. ولم تنته المقاومة في مدينة النجف إلا يوم الأحد (17/3).. بعد أن هدد حسين كامل باستعمال الغازات السامة في مركز المدينة.. وهددوا السيد الخوئي إن استمرت المقاومة حول داره.. فطلب من المجاهدين التفرق عن الدار وإيكال الأمر إلى مديره.
استمرت الطائرات ألسمتيه (الهليوكوبتر).. وهي تحوم حول منطقة بيت السيد الخوئي والصحن الحيدري وترمي بصواريخها.. ولم يترك حسين كامل النجف إلا بتدميرها.. وقتل مئات من الشباب والقضاء على الانتفاضة فيها.
ـ ولم تسلم مقبرة السلام من يد حسين كامل.. التي مزقها بفتح شوارع وطرق داخلها وتدمير القبور.. سحق جثث الأموات.
هروبه:
بدأ الشعور ينتاب عدي صدام حسين بأن حسين كامل أصبح أقرب منه إلى أبيه صدام.. وكان نية صدام تتجه في تعين حسين كامل رئيسا للوزراء.. وهو ما يعني أن البساط سيسحب من تحت أقدام عدي.. وفي إحدى المرات قام صدام بتوبيخ عدي عن تصرفاته.. فأعتقد عدي إن المعلومات التي وصلت إلى والده هي من عمه وطبان وحسين كامل.. عندها جن جنونه.. وتوعد بقتل عمه وطبان وحسين كامل.. وفعلاً قام عدي بإطلاق عيارات ناريه على عمه وطبان التكريتي وإصابته في ساقه إثناء حفله للراقصة (ملايين) والمطرب رياض احمد في احد البيوت الخاصة في منطقة الدورة.
بعدها هدد وتوعد عدي بقتل حسين كامل بوجود علي نجل حسين كامل.. وقام علي حسين كامل بسب وشتم عدي.. وشهر بندقيته على عدي وحاول قتله.. لولا تدخل الحماية وخاله لؤي خير الله.. عندها ذهب علي واخبر والده (حسين كامل) بالموقف.. وان عدي ينوي قتله.. ولمعرفة حسين كامل بطبيعة عدي العدوانية.. فكر حسين بعمل حركة التفافية خطيرة اعتقد بأنها يمكن أن تقوده للسلطة.. وهي الانقلاب على النظام برمته.. لم يكن بإمكان حسين كامل القيام بحركة عسكرية تطيح بالنظام لعدم وجود نفوذ له بالجيش أو قادة عسكريين يؤيدونه.. لذلك فكر حسين كامل بأن يهرب الى خارج العراق ويعرض على الساعين لإسقاط النظام فيه بأن يتعاون معهم وان يكون يدهم الطويلة والقوية لتحقيق هذا الهدف.
كتم حسين كامل في نفسه هذه النية.. وحين أراد تنفيذ ما بنفسه ابلغ زوجته رغد وشقيقه صدام كامل وزوجته رنا وشقيقته الهام كامل وزوجها عز الدين المجيد بأنه طلب من الرئيس صدام حسين بأن يسافروا الى الأردن لفترة من الزمن للراحة والاستجمام.. وان الرئيس وافق على طلبه.
اختار حسين كامل مناسبة يوم النصر التي تصادف 8 آب حيث يكون الجميع مشغولين بالاحتفال بها.. ففي ليلة 8 الى 9 آب العام 1995 انطلقت ثلاث سيارات رئاسية من بغداد صوب الحدود العراقية الأردنية.. واحدة تحمل حسين كامل وزوجته رغد وأطفالهما الخمسة.. والثانية تحمل صدام كامل وزوجته رنا صدام حسين وأطفالهما الأربعة.. والسيارة الثالثة تحمل شقيقة حسين كامل الهام كامل وزوجها عز الدين المجيد وأطفالهم الخمسة.
عبرت السيارات الثلاث الحدود.. وجرى استقبال من فيها على الجانب الأردني باهتمام كبير لمكانة حسين كامل الرفيعة.. وسهلوا من إجراءات دخولهم الأراضي الأردنية.
بعد وصوله الى عمان واجتماعه بالملك حسين أعلن حسين كامل انشقاقه على النظام العراقي وطلب اللجوء الى الأردن.. وافق الملك حسين على طلب اللجوء مجازفاً بتحمل كل النتائج التي تترتب على هذا القبول.. ومن بينها احتمال قيام العراق بقطع الإمدادات النفطية عن الأردن.
ضجً العالم كله بهذا الحدث الخطير الذي لم تعرف أسبابه ودوافعه.. واعتبر حصوله علامة على تردي الأوضاع في العراق وانفراط عقد الداعمين للسلطة فيه.. وفي 14 آب عقد حسين كامل مؤتمراً صحافياً تحدث فيه عن الأسباب التي دفعته الى هذا الفعل.. ومفصحاً في ذات الوقت عن خططه ونياته لتغيير الأوضاع في العراق.
فيما زار عدي الأردن.. واجتمع بالعاهل الأردني محاولاً أن يغير موقفه.. ويسلم المنشقين الى العراق.. لكن الملك الأردني رفض هذا الطلب.. وحاول عدي أيضاً الاجتماع مع شقيقتيه ليحثهما على العودة معه.. لكن حسين كامل منعهما من الالتقاء به.. ففشل عدي وعاد الى العراق.
كان حسين كامل يتأمل بأن باستطاعته قلب النظام في العراق بالتعاون مع المعارضة العراقية.. وبدعم الولايات المتحدة.. لكن أي جهة لم تعلن عن استعدادها للتعاون معه للوصول الى هذا الهدف.. وقد حاول حسين كامل من جهة أخرى جذب المؤيدين له من خلال عرضه بكشف الأسرار التسليحية للعراق وخططه وبرامجه للمستقبل.. لكن الجهات المستفيدة من هذا العرض مدت أيديها إليه للحصول على المعلومات.. من غير أن تقدم له أي مقابل.. من جانب آخر فان السلطات الأردنية أخذت مع الوقت تضيق الخناق على المنشقين.. وتمنع عنهم وسائل الاتصال وتطوق حرية حركتهم.
بعد مدة أصبح حسين كامل يعاني من الانعزال والتطويق.. ورفضت أية جهة التعامل معه حتى وصل الأمر الى ما يشبه الإقامة الجبرية.. وعدم اهتمام أي جهة به.. خصوصاً وانه افرغ كل ما في جعبته من الأسرار التي يريد الآخرون الحصول عليها منه.
استغل الرئيس صدام الحال واخذ يمد الجسور نحو صهره وابن عمه حسين كامل طالبا منه العودة الى الوطن ومواعداً إياه بالعفو عنه.. لذلك قرر حسين كامل العودة الى العراق بحجة أن الظروف والأسباب التي دعته الى الانشقاق قد زالت.. وان الانفراج قد حصل بالعراق بعد موافقة الأمم المتحدة على تطبيق مذكرة التفاهم التي كانت بعنوان (النفط مقابل الغذاء والدواء).
عودة.. النهاية:
فوجئ الجميع بقرار حسين كامل بالعودة للعراق.. وحاولوا إثناءه عن اتخاذ هذا القرار خصوصا صدام كامل وعز الدين المجيد.. لكن حسين كامل رفض ذلك.. وأصر على العودة مطمئنا الجميع بأن عمه قد اصدر قراراً رئاسياً بالعفو عنه وعمن معه.
رضخ صدام كامل للأمر.. بينما رفض عز الدين المجيد تنفيذ رغبة حسين كامل.. وهكذا انطلقت نفس السيارات الرئاسية في يوم 19 شباط 1996 التي حملت حسين كامل ومن معه الى الأردن قبل ستة أشهر في رحلة العودة متجهة صوب الحدود العراقية الأردنية.
وصلت الى نقطة طريبيل الحدودية على الجانب العراقي طائرة مروحية تحمل السيدة ساجدة عقيلة الرئيس صدام.. يرافقها نجلها عدي.. كما وصلت الى النقطة الحدودية مجموعة من السيارات المحملة بفدائيي صدام ومنتسبي الحرس الرئاسي.
أخذت الأم ابنتيها بالأحضان والبكاء وكذلك الأولاد.. ولم يتصافح عدي وأمه مع صهريهما بينما تمتم عدي بكلمات فهم حسين كامل منها لغة التهديد والوعيد.. في هذه اللحظة رأى صدام كامل بأن الخطر أصبح يحيط به وبشقيقه وقال له: “ألم أقل لك أنك تأخذنا الى الموت”.. وطلب منه أن يعودا على الفور الى الأردن.. لكن حسين كامل رفض وطمأنه بأن ما قاله عدي يمثل موقفه الشخصي.. وان الرئيس سيحترم توقيعه والعهد الذي قطعه بالعفو عنهما.. أخذ عدي وأمه وأختيه وأولادهما في الطائرة المروحية.. بينما تركوا حسين كامل.. وصدام كامل وعبد الحكيم كامل.. يعودون بمفردهم بسياراتهم الى بغداد.
بقيً بعض فدائيو صدام والحرس الرئاسي في نقطة طريبيل الحدودية.. لإفشال أية محاولة قد يقوم بها حسين كامل وشقيقاه بالخروج من العراق.. وفي الصحراء الممتدة بين الحدود وبغداد اقترح صدام كامل على شقيقه الأكبر حسين مرة أخرى أن يهربا عبر طرق البادية.. لكن حسين رفض ذلك وطمأن أخوه بأن كل شيء سيكون على ما يرام.
أما في الطائرة العائدة الى بغداد فقد جرى عتاب بين عدي وأختيه وسألهما: كيف رفضتا الحديث معه على الهاتف عندما حضر الى عمان.. وهاتفهما فقط بحضور الملك حسين فأنكرتا معرفتهما بهذا الأمر.. ووضحتا له بأنهما كانتا أشبه بالمعتقلتين وممنوع عليهما استخدام الهاتف أو استقبال الزوار.. وحتى الأميرات من الأسرة الملكية كان يسمح لهن بالزيارة ومقابلتهن فقط بحضور الأزواج.. وإنهما حاولتا بوسائل شتى أن يوصلا هذه المعلومات الى السلطات الأردنية.
كما تحدثتا عن الخدعة التي تعرضتا لها (رغد وآختها رنا).. من قبل حسين كامل وكيف غرر بهما عندما غادروا العراق بحجة الذهاب للسياحة والاستجمام والإقامة المؤقتة في عمان.. لحين تسوية الأمور بشكل هادئ مع عدي عبر توسط الملك حسين.. وإنهما لم تعرفا بقصة المؤتمر الصحافي الذي عقده حسين كامل إلا في وقت متأخر.. وقد تدخل أيضاً الأولاد يؤيدون كلام والدتيهما وقالوا لخالهم بأنهم منعوا من الذهاب الى المدرسة واللعب مع أحد.. وان أقصى ما أتيح لهم هو اللعب مع كلبين صغيرين طلبهما الأب من ألمانيا.. وان الأولاد كانوا أشبه بالمحتجزين.
استشاط عدي غضباً.. وتوعد الشقيقين حسين وصدام كامل بالويل.. لكن رنا زوجة صدام كامل قالت له بأن زوجها هو أيضاً لا علاقة له بكل هذه القضية.. وأنه أيضاً أرغم على كل ما جرى.. لم يقتنع عدي بما قالته رنا.. وقال انه كان بإمكان صدام كامل بأن يتمرد على شقيقه ويرفض المؤتمر الصحافي.. وان يحرركما من قيود الإقامة الجبرية.. أو على الأقل الاتصال به لترتيب عودته الى العراق.
تقول حرير ابنة حسين كامل.. حين عدنا الى بغداد.. عزلونا عن أبي وعمي.. وطلقوهن دون رضاهنً.. وكانت أمي تكرر على جدي قبل قتل والدي أكثر من مرّه “يابه أرجوك بس اسمع منّه “تقصد حسين كامل”.
أمر صدام بإحضار القاضي لبدأ إجراءات طلاق بناته.. لكن القاضي حسب قول حرير..أخبر جدي أنه لا يستطيع شرعاً وقانوناً الموافقة على الطلاق قبل أن يسمع بنفسه طلب الطلاق من المعنيين بالأمر “أي والدتي وخالتي” وجاءتا أمام القاضي فسألها:”هل تريدين الطلاق فعلاً”.. فأجابته بنبرة تحد وعتب..”والله ما أعرف اسأل والدي”.. ابلغ القاضي جدي عدم قدرته على إتمام إجراءات الطلاق.. لعدم موافقة والدتي وأعطوا والدتي ورقة الطلاق لتوقعها فغيّرت توقيعها في ذلك اليوم كدليل على عدم الموافقة!!.
من ناحية أخرى اجْبَر علي حسن المجيد حسين كامل وأخوه صدام على تطليق رغد ورنا بتكليف من صدام حين عودتهما من عمان!!.
قصة الأيام الثلاثة الأخيرة:
اليوم الأول:
ـ اتجه حسين وصدام كامل إلى دار عائلته في ألسيديه ببغداد.. وحكيم في دار شقيقتهم بمنطقة ألسيديه أيضاً.. بعد استراحة قصيرة.. قام بجولة في شوارع الكرادة ببغداد.
ـ بعد الظهر اجتمع صدام في تكريت بالعوجه بعائلة المجيد بحضور عدي وقصي.. وقال صدام بالحرف الواحد: “إن عائلة المجيد ارتكبت عاراً.. وإذا انتم رجال فعليكم غسل العار”.. يقصد حسين كامل وإخوانه.. وغادر صدام الاجتماع غاضباً.. بقيً عدي وقصي مع المجتمعين.. واتفقوا على قتل حسين كامل وإخوانه وغسل العار.. ووضعوا خطة تنفذ على الشكل الآتي:
ـ تذهب مجموعة من الشباب غد.. قبل طلوع الشمس الى الدار التي يتواجد فيها حسين وإخوانه في ألسيديه.. ويتم قتلهم بإشراف على حسن المجيد وعدي وقصي نجلي صدام.. قام عدي وقصي بإبلاغ والدهما بالموقف.. وابلغهما والدهما بأنه يجب أن يكون حسين كامل وإخوانه مقتولين قبل طلوع الشمس.
ـ المفاجأة: كان من بين الحاضرين في الاجتماع أشخاص لهم علاقة طيبه وحميمة مع حسين كامل.. فقام هؤلاء الأشخاص بجلب أسلحة وعتاد إلى حسين كامل.. واخبروه بخطة قتله.. وكان الوقت ليلاً ومن دون أن يعلم أحداً.
ـ استقر حسين كامل وإخوانه صدام وحكيم في دار شقيقتهم بمنطقة ألسيديه في بغداد.. وبعد استراحة قصيرة.. قام بجولة في شوارع الكرادة ببغداد.
اليوم الثاني:
منذ الصباح الباكر ليوم 21 شباط أجبر صدام حسين الجميع الذهاب الى المحكمة.. وتم الطلاق تحت الضغط والتهديد.. واخذ صدام بنتيه وأطفالهن معهن.
ـ أصدر صدام أمرا بإلقاء القبض على حسين كامل في حالة محاولته الهرب.. وإطلاق النار عليهم في حالة عدم الالتزام.
اليوم الثالث:
ـ فجر 23 شباط وصل إلى منطقة ألسيديه ببغداد قرب دار حسين كامل كل من: على حسن المجيد عضو.. وروكان إرزوقي المرافق الأقدم لصدام.. وعدي.. وقصي.. والحاج زهير التكريتي.. وسهيل الدوري (مديري مكتب وأمن جهاز الأمن الخاص).
ـ أما مجموعة التنفيذ فكانت تتكون من: ثائر التكريتي وشقيقي روكان ارزوقي (احمد والمقدم برزان).. وجمال التكريتي (خطيب حلا بنت صدام الثالثة).. ونقيب أياد التكريتي وآخرون.. ومجموعه من رجال المخابرات.. وجهاز الأمن الخاص.. للإشراف والمراقبة.. وتم تطويق المنطقة لمنع هروب حسين كامل وأهله.. وكان الجميع واثقون إن العملية لا تستغرق أكثر من خمسة دقائق.. حيث يتم طرق جرس الدار.. وتدخل مجموعة التنفيذ.. وتنفذ العملية ويغادروا المكان وينتهي الأمر.
تفاصيل العملية:
ـ الساعة الرابعة فجراً تقدمت مجموعة التنفيذ وطرقت جرس الدار.. وكانوا بانتظار فتح الباب.. لكن الذي حصل انفتحت عليهم نيران الرشاشات من حسين كامل وإخوانه.. وسقط على الفور ثائر التكريتي أول القتلى وجرح آخر من ألمجموعه.. قامت مجموعة التنفيذ بصولة على الدار إلا إنهم واجهوا مقاومه شديدة من حسين كامل.. وإخوانه المتحصنين داخل الدار.. ثم صولة أخرى ومقاومه كثيفة من حسين وإخوانه أدت الى قتل احد الأطفال المارة في الشارع وجرح آخر.. حيث هلع أهالي الدور المجاورة على صوت البنادق تاركين دورهم.. واستمر الوضع هكذا حتى الساعة الثامنة صباحاً.
ـ على اثر المقاومة الشديدة لحسين كامل استدعى علي حسن المجيد وروكان ارزوقى رعيل حرس جمهوري مع سيارتين محمله بقذائف أر بي جي 7 .. ثم بدا إطلاق القذائف على الدار وحتى القذيفة العاشرة شبت النيران في كل مكان من الدار رغم وجود نساء وأطفال في الدار.
ـ في الساعة التاسعة صباحا سكتت أصوات البنادق من الدار.. فاعتقد المهاجمون إن جميع من في الدار قتلوا.. عندها تم استدعاء سيارات إطفاء لإطفاء النار وإخراج الجثث.
ـ الساعة 9,30 صباحا دخل رجال الإطفاء الى الدار فكانت بندقية حسين كامل لهم بالمرصاد حيث قتل احد رجال الإطفاء.. فأمر على حسن المجيد إطلاق قذائف أر بي جي 7 أخرى على الدار حتى وصل عدد القذائف التي رميت على الدار واحد وخمسين قذيفة فالتهمت نيرانها الدار ومن فيها.
ـ الساعة 13,30 لاحظ رجال المخابرات الذين يرصدون الدار انتقال حسين كامل الى الدار المجاورة بعد أن قفز السياج بين الدارين وهو يحمل معه سلاحه والعتاد واستقر في الدار الثانية والعائدة الى احد المواطنين.. أما عائلة حسين كامل ومن كان معه في الدار فقد قتلوا جميعاً.
ـ بدا إطلاق القذائف على الدار الثانية من الساعة 13,30 الى الساعة 15,30 حيث شبت النيران فيها.. وفى نفس الوقت بدأت المحاولات لدخول الدار الأولى.. لكن صعوبة النيران حال دون ذلك حتى الساعة 1700 تم إخلاء جثث النساء والأطفال ووالد حسين وإخوانه محروقين تماما من الدار.
ـ لم يطلق حسين كامل أية إطلاقه.. عندها قرر احمد والمقدم برزان (شقيقي روكان ارزوقى) والنقيب أياد التكريتي وجمال مصطفى خطيب حلا.. دخول الأربعة الدار مع بنادقهم وإذا بحسين كامل كان لهم بالمرصاد.. وتمكن من قتل احمد وجرح جمال وهروب برزان وأياد بصعوبة من الدار.. واستمر إطلاق القذائف على الدار حتى شبت النيران في كل جانب ومكان.
ـ خرج حسين كامل من الدار يترنح من الغازات.. فكان النقيب أياد التكريتي في باب الدار وأطلق على حسين كامل ثلاثون إطلاقه فسقط قتيلاً.
ـ سحبت جثة حسين كامل الى نهاية الشارع حيث كان يقف هناك على حسن المجيد وروكان ارزوقى وجمهور كبير من المارة عندها نظر على حسن المجيد الى الجثة فخاطب المارة هذا مصير كل خائن.. ثم بكى وغادر الجميع واخذ ت الجثة بسيارة.
رواية حرير.. لمقتل أبيها وعائلته:
ـ تروي حرير ابنة حسين كامل.. في كتابها “مقتل حسين كامل” الصادر العام 2019: “أن عائلة الرئيس اجتمعت بهدوء.. لكن علامات التوتر كانت بادية على الجميع.. حين قال صدام: “أنا عفوت عن حسين كامل قانونياً.. أما عشائريا فيجب غسل هذا “العار”.. وهنا نهض علي حسن المجيد وباقي أفراد من البيجات وردوا على الفور: “سيدي الرئيس إن كنت عفوت فنحن عشيرة لم نعفو”.. وتضيف حرير: كان صمت جدي كافياً.. وقام أحد الأقارب بعده.. وقال: “هُم أزواج بناتك وآباء أحفادك فأعفو عنهم”.. فقال جدي: “نحن لا نترك حقنا كعشيرة ولا نعفو”.. وأجابه خالي عدي: “الأصبع الخايس من الأيد نكصة”!!.
تقول حرير أن والدها كان يدرك أموراً كثيرة إلا المكر.. وتقصد مكر جدها الذي خدع الجميع ومنهم والدها وعمها وأوقع بهم صدام بإسم العفو القانوني الرئاسي!! ومن ثم ترك عملية قتلهما للعشيرة.. ومعنى هذا إن جدها ضرب كل القيم والعهود عرض الحائط بعد أن أمّنهم.. كذلك عدي حين قال: لهم خذوا أمنكم من هالشارب وجلس مع قصي في كرفان يراقبان المعركة.. وان عمها صدام كامل أخو حسين كان يردد عبارة دوت في أرجاء حي السيدية وهو يقاتل عشيرته بتشجيع من صدام وأولاده: “هوّه هذا عفو صدام حسين”؟!.
في هذا الحادث المجزرة قتل الأطفال الأربعة لأخت حسين كامل.. الذي لجأ حسين وأخوه صدام لبيتها.. وقتل معهم الرضيع أبن عز الدين المجيد.. ثم قتلت أمهم.. وقتل كامل حسن المجيد.. وقتلت المربيتان تاضي وشقيقتها.. وقتل صدام كامل بعد قتال شرس.. وكانت أمهم “صفيه”.. تصرخ وتفزّع خارج البيت بأبناء العشيرة.. والناس لإنقاذ أولادها وبناتها من المذبحة.. وما من مجيب.. ثم قتلت هي أيضا بعد مدة.. ووجد لسانها قد قطع قبل قتلها.. عن طريق قاتل تسلسلي بدفع من العائلة.. وقتل حسين كامل بعد ١٢ ساعة يقاتل فيها وحده.. وحسب وصفها إن جسد والدها تحول الى منخل.. واكتشفوا بعد سحل جثته.. انه قد لف جسده بقطع من الخشب ليصد الرصاص عنه.
وتضيف حرير: إن والدتها وخالتها استقبلتا خبر مقتل زوجيهما بعبارة موجعة وهي: “ليش؟!”.. وإنهما أصيبتا بحالة هستيرية.. وراحتا تركضان داخل الممرات لا شعورياً.. وهما تنتحبان.. ثم التفتا إلينا وخاطبانا نحن أطفال حسين وصدام كامل: “لقد قتلوا أبويكما”.. وأصيبتا بانهيار كامل.. وبقيا تعيشان على المغذيات.. وكانت جدتي ساجدة تحلف: “والله محّد راد يقتلهم راحوا يتفاهمون وياهم وحسين وأخوه فتحوا عليهم الرصاص.. لكن محّد صدكها!!.
تقول حرير: إن خالتها حلا كانت تشارك صدام في غضبه.. وان زوج حلا جمال كان احد الذين هاجموا بيت حسين كامل وهو جرح في المعركة.. وتضيف حرير.. أن عائلتها وعائلة خالتها خضعتا للمراقبة الدقيقة وكتابة التقارير الدورية عنهم.. وان اغلب التقارير تكتبها الأجهزة الأمنية.. وموظفي الاستعلامات في القصر.. فتصوروا هوس الأمن عند صدام حسين بكتابة تقارير عن بناته وأحفاده اللذين نكبا بولي أمرهما!!.
تقول حرير: كرهتُ جميع الأقارب الذين اشترك أبنائهم في تصفية والدي.. وكرهتُ عدي الذي ورّطنا وكذب علينا وحلف بشواربه أن يحميهم من كل اعتداء.. لكنه وقصي ظلوا يتفرجون على ذبحنا.. كرهتُ كل آل عبد الغفور وأنهم في بيتهم يسمونهم ب “الحقراء”.. وتضيف كانت أمي إذا أرادت أن تتأكد عن أي شيء لا تعرفه.. تسأل “هل هذا حقير لو لا”.. وإنها ظلت لسنوات عديدة تكره خالها عدي وتتهرب من رؤيته.
كارثة.. جديدة
محاولة تزويج رغد ورنا:
تتطرق حرير الى أكثر الأمور إثارة للسخرية والازدراء عندما تتحدث إن جدها الرئيس أرسل بعد فترة من قتل عائلتها بيد زوجته ساجدة قائمة تضم أسماء عدد من أقاربه الرجال.. وان على ابنتيه أن تختار احد من القائمة لتتزوج به.. تقول حرير: وهذه من كبرى الكوارث.. فهل يقبل هذا الأمر من هو قروي أمي؟.. ناهيك عن رئيس دولة.. هل كان هذا يليق بشخص عنده أدنى ثقافة؟.. وهل من المعقول أن صدام الذي حكم العراق بمبادئ حزبه وفرضها عليهم فرضاً.. ولم يتهاون في هذا الأمر قطعاً يتصرف مع بناته وأحفاده وأزواجهن بالمفهوم العشائري.. ويصفيّهم بنفس المفهوم؟!!.