23 ديسمبر، 2024 5:29 ص

حسن حامد سرداحاختلاق الأزمات

حسن حامد سرداحاختلاق الأزمات

حقيقة لايختلف عليها اثنان سويان، هي أن الغيب بعلم واحد أحد، وليس بمقدور أحدنا -أيا كان- البت في أحداث الغد، إلا من باب التوقعات والتخمينات، وإن حدث وتطابقت مع الواقع فعلا، فقد كذب المنجمون وإن صدقوا. لكن الذي يجري من أحداث في الساحة السياسية العراقية، يبدو لمتتبعها وكأن يومها يشبه أمسها الى حد كبير، وبالتالي سيكون غدها بطبيعة الحال يطابق يومها، ولسوء حظ العراقيين ان الشبه والتطابق في السلبيات دون الإيجابيات.
وبذا لم تعد الأحداث جديدة على المواطن العراقي، حتى كأنها فيلم رآه مرات عدة الى ان حفظ السيناريو والحوار والسينوغرافيا المرافقة له، لدرجة تمكنه من تأكيد حدسه وتنجيمه لما تؤول اليه أحداث المستقبل. وعلى سبيل المثال لو تناولنا التصريحات التي يدلي بها مسؤولو وزارة الكهرباء، لوجدنا أنها ليست أكثر من (COPY PASTE) لتصريحات من سبقوهم في مناصبهم، بدءًا من الوزير فالوكيل فالمديرين العامين، نزولا حتى أصغر مسؤول في الوزارة.
فما إن يحل موسم الربيع، حتى تتالى تصريحاتهم وتتوالى استعراضات بطولاتهم، في تحقيقهم أكبر معدل في توليد الطاقة وتوزيعها، بشكل لم يفعله مسؤول قبلهم. والحال يتكرر في موسم الخريف أيضا، فينعم حينها العراقيون موهومين مدة شهر او أكثر بقليل بنعمة الكهرباء، فيترحمون للوزير والوكيل والمدير العام وكذلك أديسون. ولكن، ما إن يحط الصيف رحله في شهر أيار، ويأخذ القيظ متنفسا وتشتد حرارة قرص الشمس، حتى تعود (حليمة لعادتها القديمة) إذ تتقلص ساعات تجهيز التيار الكهربائي فتبلغ مستوى لايحسد عليه المواطن. حينها كما تعودنا يتناوب مسؤولو وزارتي النفط والكهرباء، في كيل الاتهامات على بعضهما، حث يرمي كل منهما كرة الاهمال والتقصير على صاحبه، من على شاشات القنوات الفضائية، او القنوات الإذاعية فضلا عن المخاطبات الرسمية. وبين هذا وذاك يتقلب المواطن على صفيح ساخن، لاتبرده الوعود ولاترطبه العهود. وليت الأمر يقف عند وزارة الكهرباء! فكل وزارة او مؤسسة تأخذ دورها في تأزيم يوميات العراقيين، إذ تتكفل وزارة التجارة بتأزيم غذائه بتقتير مفردات بطاقته التموينية، وتتكفل وزارة النفط بوقوده، ووزارة الصحة بدوائه وعلاجه، والتربية هي الأخرى لها اليد الطولى في مفاقمة مشاكله، إذ تحرمه من مناهج التعليم السليم والمدارس الصالحة للأجواء الدراسية، وكذلك التعليم العالي ومتاهات الخريجين ومآسي مايلاقونه بعد تخرجهم، والكلام يطول عن باقي الوزارات.
وفوق هذا وذاك مقالب السياسيين ومفاجآتهم الغريبة بين الآونة والأخرى، مؤججين النار فيما خمد من نار سابقة، فكأن قصيدة قيلت قبل عشرات السنين تجسد الحال تماما، تقول أبياتها:
فـي كل يوم فتنة ودسيسـة حرب يفجـرها زعيم قاتـل
هذا العراق سفينة مسـروقة حاقت براكـين بهـا وزلازل
هو منذ تموز المشاعل ظلمة سـوداء ليل دامس متواصل
إما قتيـل شـعبنا او هـارب متشــرد او ارمـل او ثاكل
فهنـا عميـل ضـالع متـآمر وهناك وغد حاقـد متحامل
أوليس هذا مانراه ونعيشه منذ عقود؟ فما نهضنا من كبوة سياسي او مسؤول دس لنا مكيدة بطرائق وفنون عدة، إلا نشط ثانٍ أرجع الخطى التي سار بها البلد الى مالاتحمد عقباه، وهكذا يعيد مسؤولونا الإحباطات ذاتها مع فارق الزمن، فهم يختلقون الأزمات ويصطنعونها، حتى وإن اختفت مسبباتها وأسبابها، والشواهد على هذا لا تقف على ما ذكرت، ولا تنتهي عند ما لم أذكره.