ربما قرأت, أو قد تكون غير قارئ (كما يقال عنك), مقالتي بعنوان ( حسن العلوي كرهوك فوصفوك) ,التي استقبلت بها انتخابك عضوا في (مجلس النواب), والتي لامني عليها الكثير من زملاءنا, بينهم أصدقاء لك, أيام كنت ( حسن العلوي), الصحفي المسكون بالهاجس الوطني والقومي, والمحب لمساعدة الفقراء. كمطالبتك بقانون ينصف الشرطة في رواتبهم, التي كانت لاتزيد عن سبعة دنانير, والعيش في حياة بسيطة بمشتملك المؤجر في ( القادسية ), قريبا من سكة القطار .. حيث أمضينا الكثير من سهراتنا الجميلة بضيافتك, يوم كنت تمضي ظهريات صيف بغداد القائضة, تحت تبريد غرفتك في مكاتب ( إلف باء) في الطابق الرابع من مبنى (دار الجماهير), حيث كنت تتمدد على الأريكة البسيطة, وكنا نتحلق في جلسات تمتد حتى العصر, لنتبادل الأحاديث عن الهموم والقفشات ..كنت صديقا ومحبا وكنا جميعا زملاء ( ألف باء), وأصدقاءنا الآخرين, الذين كانوا يزوروننا في (مضافتنا) مثل سعد البزاز .. نقلب صفحات الوطن, ونتناول من كتب ومن لم يكتب .. ندفيء أحلامنا ,ونطلق العنان لشطارتنا المهنية , وكنت بيننا عمدة مجيد الحضور .. ولازلت أتذكر يوم كنت مديرا للصحافة في وزارة الأعلام عام 1969 في مقرها ب(الباب الشرقي), حين دسست في يدي سرا شكاوى ظالمة, وردت إلى الوزير صلاح عمر العلي, بسبب من فضحي منظمة حزب البعث في العمارة ,لتواطئها مع شركة ( أنكرومكس) الأمريكية, المنفذة لمشروع سكر القصب . وقد وجدت فيك أنئذ رمزا مهنيا ..وأسس ذلك صداقة من دون مقابلات كثيرة لاتزال ذكرياتها ترن في ضميري.. وعندما نقلت خدماتي من معهد التدريب الإذاعي إلى ( ألف باء) ,وجدتك أمامي رئيسا للتحرير, وفي طريقي لزيارة ( الكويت ) للمشاركة في ندوة سكرتيري التحرير, المقامة من قبل اتحاد الصحفيين العرب, عام 1982 قلت لزميلي ضياء حسن ,( أمد الله في عمره وساعده على نسيان مصيبة استشهاد ابنته وأبنه), سنبحث عن حسن العلوي.. وعندما علمت أنت بوجودنا في الكويت ( عزمتنا) مشكورا في شقتك الصغيرة المتواضعة على غداء قوامه ( البامية والتمن ), وقد كانت من ألذ( البانيات) التي تناولتها في حياتي ..حيث حفلت تلك ( الحفلة ) الأخوية بأصدق المشاعر التي لمّا تزل مؤسساتها تمكث في الوجدان..كانت أحلامنا وأمالنا, غير مختلفة عن ثوابتنا ,التي تمسكنا بها, ورحت أنت بعيدا عنها ,بعد أن لعبت أنت بها ولم تلعب بك, حيث كنت من الشطارفي تلمس الطريق إلى الأكتاف! .. وعندما كنت أتابع أخبارك من وقت لآخر عن بعد ..كنت أقول في نفسي ( المهم أن أبو أكثم باقيا), وها أنت بقيت ,ولكني ياصديقي لاأكتمك القول أني اليوم في أشد الاستغراب مما صرت عليه !.
ربما كان حلمك الأول صحفيا, وخاصة بعد مرافقتك لصدام حسين عن ( ألف باء) في رحلة الأهوار كمرر صحفي وليس كسكرتيرا صحفيا لصدام كما تدعي, تلك الرحلة التي وزع خلالها أحهزة التلفزيون على الفلاحين, ليشاهدوا من خلالها صوره ولا يشاهدوا البرامج الإيرانية, ناسيا عدم وجود الكهرباء, في عمق أهوار ( الحويزة ) ك(السودة) و(البيضة),.حينذاك صور لك طموحك , أنك ستكون بمثابة محمد حسنين هيكل من جمال عبد الناصر , ولما لم تكمل مشوارك معه , هربت مما في العراق من ارهاصات , جربت اللعب في البورصة الكويتية, ولم تفلح, حيث كنت أسمع عن خسائرك, وبدت لي رحلة (دمشق ) ومقامك فيها, محطة استراحة, من لهاثك نحو النجومية ,التي غمست خلالها قلمك في محابر ملونة ,وخططت ملايين السطور, منها ماهو ثرثرة وسفسطة ,ومنها ما يعبر عن تراثك, الذي كنت امل أن يبقى بعيدا عن التلوث بأدران السياسة.. فخبطت ( عمر ) ب( علي) ,وحاولت صياغة توليفة (همبركرية), دون أن يفلح ذلك .. وذهبت بعيدا في لفلفة الحبال حول تلابيب مبادئك, التي كنا نعرف صورتك من خلالها, والتي باتت لدينا اليوم مشوشة, ضبابية , ليس لها طعما أو رائحة ! وعندما قالوا سميت سفيرا ل(العراق الأمريكي), كما وصفته أنت.. قلنا الحمد لله صار ( حسنّا) سفيرا , فليهدأ فوران طموحه.. ولكن ظهر في النتيجة ,أن تلك السفارة كانت شفوية المضمون, هلاميّة الفعل ! لا ضير فأن لسانك مع السياسيين العراقيين المتبلين بالنكهة الأمريكية, سواء كانوا (معممين) أو( بشرا ويل), من أسباب قطيعتك معهم, خاصة واني سمعتك من الفضائيات تقول ( أن عادل عبد المهدي كان ينام عندي في شقتي بدمشق على هذه القنفة ) .. وأنك كنت مرشدا لعدد منهم, كما أنك قمت بدور حلال المشاكل فيما بينهم ..كل ذلك لم ينفع معهم , ولم يفوا لك .. وأنا لا أظن أنك كنت مغاليا في ذلك ..ولو كانت أحاديثك تلك مجانبة للواقع, لانبرى لك كتابهم ومستشاروهم في تكذيب ماذكرته عنهم ! .
وفي النتيجة , كنا نسر, لدى رؤية تاجك الأبيض بين صلعات, وتسريحات, وعمائم, وعبي, وشيلات النواب ..تلك القمة البيضاء على رأسك المليء بالتأكيد بالمخططات التي تستهدف الصعود الصاروخي بوقود أو من دون وقود , إلى ماتريد وتطمح .. وكل ذلك أيها الصديق, الذي لاأعتقد بعد هذه المقالة, أن تتواصل صداقتك لي, إذا ما كنت قد أنكرتها قبل هذا الوقت بكثير ..أقول.. عندما كنا ننظر إلى تاجك الأبيض, كنا ننتظر أراء سديدة, أو مقترحات وئيدة , أو تناولات مفيدة , أو اعتراضات أكيدة ,أومواقف مجيدة ,ولكننا رأينا مالايسر ,.. وعندما قررت تشكيل كتلتك البيضاء مع الشتات, من هوامش وذوائب ( أياد علاوي) ,قلت في نفسي ..من حقه ذلك ,,فقد تجاهلوه ولم يعطوا هذا الرجل حقه ..ولمّا شاهدتك وانت تقول ( راح أطلع من قاعة المؤتمر الصحفي مع علاوي رأسا وأروح إلى المالكي لحل المشكلة ), سمعنا أنك ( رحت) فعلا ! ولكننا لم نسمع منك ( ماحصل )!
في النتيجة , نأتي الى رباط الفرس .. ورباط الفرس هنا ارتماءك غير المبرر أو المفسّر , الذي يجده عارفوك وخابروك ..أرتماءا غريبا عجيبا في أحضان قادة الأكراد المعروفين بشوفينيتهم, حيث صرت ملكيا أكثر من الملك ,وكرديا أكثر من الأكراد, مع أنك لاتعرف من الكردية, أكثر من كلمة ( بخيربي) ..وصرت منظرا لنزوعهم وطموحهم القومي, دون معرفة حقيقية بمنهحهم ودوافعهم وأستراتيجيتهم المستحوذة على العراق , أو ربما كنت تعرف ولكنك لاتريد أن تعرف !.. بدليل أنك لم تكن تعلم, لماذا أنكروا عليك ذكرك كلمة ( الأكراد) دون (الكرد) ؟ لدى إلقاءك محاضرة في أربيل حيث ( زعلت) كعادتك عندما تحرج, فخرجت من القاعة غاضبا ! ..أنت تدعوهم الى إعلان دولتهم الكردية بسرعة, وتقول ( أن الظرف اليوم مناسب لهم لتحقيق ذلك الحلم )! وقد نسيت أن هذا الحلم الذي تدعوهم إلى تحقيقه, يأتي بعد أنين جراح مئات الآلف من أفراد وضباط الجيش العراقي, الذين ذبحهم البارزاني الأب ومن ثم جلال الطالباني , وأخر جوقة القتل مسعود.. وقد نسيت ياحسن , مبادئك القومية, وشعاراتك التي كنت تتحدث بها ,منذ كتاباتك ألأولى في جريدة (صوت العرب), القومية ,عندما كنت ألتقيك زائرا, في مقرها بساحة (الميدان), في منتصف ستينات القرن الماضي ! ونسيت ايمانك بوحدة العراق, وقدراالعراق الموحد, أن يكون القوة التي تحدث التغيير في العالم العربي !..فكيف يمكن للعراق ممارسة هذا الدور, الذي فلت اليوم من قدره بعد أن تخليت أنت وأمثالك من ذوي الرأي المفترض الذين صاروا في جيوب شروالي مسعود وجلال ؟ وأنّا لهذه الأمة أن تحث الخطى, نحو أهدافها في التوحد, وقوة التعاضد, لتحقيق أهدافها في الحياة الحرة الكريمة, وفرسان الكلمة, والرأي ,يتساقطون مثل الهوام على بريق ودفء المنافع الشخصية !
أنت ياحسن , في ثمانينات العقل والحكمة والتنزه عن مغريات الدنيا, وليس هناك من (ميت اصطحب مكنسة)! تزايد اليوم على مزايدين عرفهم الشعب العراقي على حقيقتهم ..وهم ليسوا في حاجة إلى زعيقك بدعوتهم إلى إعلان الدولة الكردية, وقد أقروا في مؤتمراتهم الأخيرة, ( أن الظروف لاتسمح بإعلان وقيام هذه الدولة, وانهم يؤجلونها إلى المستقبل ) , وأخر ماصرح به جلال الطالباني في نفس يوم تصريحك الأخير, أمس, إلى أحدى الوكالات, الذي تناول نفس الدعوة ,وكأنك تطبخ على فرن منفلت الحرارة ! ياصديقي أرجو أن تعلم أنني أنزع اسمك الكريم من قائمة أصدقائي, لأنك تحمل اليوم, خنجرا معقوفا مسموما لتمزيق العراق ! وتشظية لحمته الطريّه , وتوزعها على أكلة اللحوم النيئة !.. وأنت اليوم تنعم بفيلتك الجميلة وبحراسك ( البيش مركة ) , وتمضي لياليك بين أحضان اخوتك غير الشرعيين, وتنسى أبناء أمك وأبيك ! وأنا متأكد أنك تغمض عينك الآن,عن استعراض ألامنا, وحشرجات صدورنا’ وهواجس ضمائرنا , ودقات قلوبنا ألما .. وتأسّيا.. وحرصا,, و قلقا لما يعيشه العراق , عراق الناس الذين سلبت ارادتهم وهدرت ثرواتهم وودمرت مرتكزات دولتهم الحديثة ,وقد صار اللعب بهم (شاطي باطي) , من قبل من هب ودب, من سياسي الزمان الأمريكي, وكم كان أسفي شديدا , حيث ابتدأ لك تأريخ جديد, لايرفع هامة, ولايطيل قامة ,ولاينوّر تأريخا, ولايصدق تصريحا, صرت حكيم يدعو إلى كل شيء غير الحكمة !ونديما ليس ذي طرفة …بل نديم ندامة بعدت عن السلامة ..تأريخ جديد لك ,على حساب جوع العراق, ودماره ,وتمزقه, وارتهانه, بيد هذه الحفنة الظالّة عن الحق, والروح العراقية, التي كنت أحد دعاتها !
أسفا ياحسن , فقد سقط أسمك عمدا من الصحافة ! وسقط أسمك عمدا وليس سهوا من الروح العراقية ! وسقط أسمك عمدا من العصبة الخيرة الداعية, الى وضع العراق على سكة السلامة, فمقعدك هناك في سكة الندامة !