فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
ويا ليت شربي من ودادك صافيا
وشربي من ماء الفرات سراب
“أرجو أن أكون عند حسن ظنك”.. مفردات بسيطة اجتمعت لتكون عبارة عظيمة، تتجلى فيها صفات النبل وقيم الأخلاق الرفيعة، وما من شك ان لكل منا شخصا أو أكثر يتمنى ان ينال رضاه، في وقت ما او ظرف ما او لغاية ما، وللوالدين حتما صدارة هذا الرضا في كل الأوقات والظروف، ومن دون غايات إلا رضا الله تعالى من خلالهما، حيث رضاه من رضاهما.
ولا ينقطع السعي في رضا الآخرين عندهما، إذ تقتضي وجوده مواضع أخرى في مفاصل حياتنا، فرضا المعلم عن الطالب سبييل نجاح الاثنين، ورضا الزوج عن الزوجة طريق سعادتهما، ورضا رب العمل عن عماله يقود الى جدوى حصيلة جهودهم، وبتحصيل حاصل فان الرضا عن اي فرد يعود بالنفع للجميع، والسخط على اي فرد يعود بالضرر عليه وحده. ولتعم الفائدة وتتسع رقعة الخير، يتوجب ان ينأى هذا الرضا عن الأنانية وحب الذات وضيق أفق المنفعة، لا كما قال الشاعر الذي ذكرت أبياته في صدر مقالي هذا.
فذاك قد أخذ الحب منه مأخذا، إذ كان يروم إرضاء شخص واحد دون سائر الخلق، وبهذا يكون له مأرب دنيوي حصري، إذ يشكل رضا حبيبه عنده الأولوية القصوى، ويشفع له بذلك ولهه وولعه وشغفه بحبه ورحم الله الاثنين معا. أرى أن عبارة (أرجو أن أكون عند حسن ظنك) التي يرددها الإنسان السوي منا، لا تتحقق بالقول والتفوه بالعبارة عن ظهر قلب فحسب، بل يأتي حسن الظن بنا نتيجة أعمال وأفعال نقوم بها على أرض الواقع، ويُعَدّ تحقيقها مفتاحا لنجاحين، أولهما في حياتنا العملية، والثاني في علاقاتنا الاجتماعية، لاسيما حين تقال لشخص له مكانة في قلوبنا وعقولنا، ولرضاه عنا وقع جميل في نفوسنا، ولسخطه علينا مردود سيئ على حياتنا. وتزداد الحالة خصوصية عندما يكون هذا الشخص ذا شأن عظيم، شخص كان رضا الله عنه وعن والديه من قبل مخطوطا في لوح القرآن، شخص حارب الجور والبغي والاستبداد، وسعى من أجل تحريرنا وعتقنا من قيود التيه والظلم والضلال، بدءًا من ضلال نفوسنا ان زاغت وراغت عن جادة الحق والصواب، وانتهاءً بضلال حكامنا ان فسدوا وأفسدوا بحقنا وحق بلدنا، واختط لنا طريقا من دمائه، للخوض في لج بحر تتصارع فيه أمواج الزيف والمكر والخذلان، ان سرنا على نهجه ولم نحد عنه، وركبنا سفينته متوسلين الأسباب المنطقية والمشروعة، والأفعال الصالحة والفالحة، والأقوال الطيبة والزكية؛ وصلنا حينذاك بر الأمان في الدنيا، وكتب لنا حسن المآب في الآخرة.
هو شخص لم يكتفِ برضا الله عنه فحسب، بل سعى ان ننعم نحن ايضا برضاه تعالى، فدلنا على سبل مرضاته، ورسم لنا طرائق حسن الظن بنا، بجعل أنفسنا نظيفة وخلائقنا شفافة وأخلاقنا حميدة ونوايانا خالصة للخير، وأفعالنا تتنزه عن الموبقات، باذرين بذور الحب والوئام والصدق مع بعضنا، فان حققنا هذا كله نكون قد حزنا رضاه وفزنا برضا الله، ذاك هو.. (الحسين) الذي عشنا قبل أيام ذكرى استشهاده وأربعينيته.
فهلا امتثلنا لما أرادنا أن نكون عليه بحق، لنكون عند حسن ظنه قولا وفعلا وفكرا ونية صادقة، لا رياءً وزيفا وتصنّعا، وهلا اتعظنا بسيرته في حياته، وسلكنا خطاه في التعامل مع بعضنا، كما نتعظ من مأساة استشهاده!.
فلنسأل أنفسنا بشفافية ومصداقية لا تلوثها المصالح والمنافع والمآرب الشخصية، ولنجب عن سؤالنا بكل جرأة وشجاعة وثقة، هل نحن عند حسن ظن الحسين؟.
[email protected]